دماء هفرين خلف تُهان من جديد عندما يُكافأ الجلاد باسم التغيير – د. محمود عباس

 

في لحظةٍ كان يُفترض أن تفتح باب الخلاص لسوريا، لحظةٌ يُنتظر فيها تضميد الجراح وبناء الثقة بين مكوناتها المتناثرة، تأتي صفعةٌ موجعة، تعيين أحمد الهايس، المعروف بـ “أبو حاتم شقرا”، قائدًا للفرقة 86 في دير الزور والحسكة والرقة، بقرار من الحكومة الانتقالية بقيادة أبو محمد الجولاني.

ليس هذا مجرد خطأ إداري، بل خيانة أخلاقية وسياسية، وإعلان صارخ عن استمرار منطق القتل والدم الذي طحن سوريا، قرار يعمّق الانقسام، ويطعن الشعب الكوردي في صميم كرامته، ويُعيد تدوير أدوات القمع تحت راية التغيير.

أبو حاتم شقرا ليس اسمًا عابرًا في صفحات الحرب، بل هو القاتل الذي اغتال الشهيدة (هفرين خلف) الأيقونة الكوردية التي مثّلت الحلم السوري الوحدوي، اغتيلت عام 2019 على يد فصيل “أحرار الشرقية” بقيادة شقرا، في جريمة موثقة دوليًا، أن يُمنح قاتلها اليوم منصبًا عسكريًا في مناطق الكورد، هو كأن تُغرز السكين نفسها مجددًا في الجرح، ويُطلب من الضحية التصفيق.

الهايس ليس مجرد اسم عابر في ملف الصراع، بل سجلٌ موثقٌ من الجرائم؛ من اغتيال الشهيدة الكوردية هفرين خلف، إلى الجرائم الوحشية التي ارتكبها فصيله في الساحل السوري، والاعتداءات الممنهجة على المكون الدرزي، والتي تندرج ضمن نمط واضح من التطهير والإقصاء الطائفي، الذي لا يختلف في جوهره عن ممارسات النظام الأسدي أو تنظيم داعش.

الجولاني، الذي يُسوّق نفسه كقائد مرحلة انتقالية، يُشبه في هذه اللحظة ماكبث الذي أغواه الطموح فأضاع ضميره، أو عطيل الذي قتله الوهم، لكن الخيانة هنا ليست فردية، بل جماعية، بحق شعبٍ وقضيةٍ ودماء لم تجف.

سياسيًا، القرار مدمّر لكل أملٍ بوطن مشترك. شقرا، المدرج على قوائم العقوبات الأمريكية منذ 2021 لتورطه في جرائم حرب وانتهاكات إنسانية، يُنصّب قائدًا في منطقة تشكّل قلب الوجود الكوردي، ما يعني ضمنيًا، لا مكان للعدالة في سوريا الجديدة، ولا احترام لدماء الشهداء.

والأدهى، أن فصيله متهم بدمج عناصر من داعش في صفوفه، وممارسات كالتعذيب والاختطاف، أي رسالة تُرسل إلى الشعب الكوردي حين يُكافأ من أجرم بحقه؟

قرار الجولاني هذا لا يُضعف فقط الثقة بالحكومة الانتقالية، بل يُشعل مشاعر الانفصال والرفض، كيف يُطالب الكورد بالانخراط في مشروع وطني، وهم يُواجهون إعادة إنتاج الاستبداد ذاته؟

ما يُثير القلق أكثر هو التناقض الفاضح، الجولاني يطالب برفع العقوبات الدولية صباحًا، ويعيّن مطلوبًا دوليًا مساءً، أهو جهل سياسي؟ أم استرضاء لتركيا التي دعمت شقرا وفصيله؟ أم سعيٌ واعٍ لتفكيك النسيج السوري؟ أياً تكن الإجابة، فالنتيجة واحدة، دفع الكورد وسائر المؤمنين بسوريا مدنية ديمقراطية نحو اليأس.

هذا ليس قرارًا إداريًا، بل جريمة سياسية وأخلاقية.

إن تعيين القاتل قائدًا هو طعنٌ جديد في قلب سوريا، في فكرتها، في حلمها، في أخلاقها، إذا كان هذا ما يُبنى عليه الوطن القادم، فإننا نعيد تأسيس الكارثة، لا نتجاوزها.

نطالب الجولاني بالتراجع الفوري عن القرار، وبمحاسبة أبو حاتم شقرا لا مكافأته، نطالب بصوتٍ لا يلين، لا مكان للقتلة في سوريا الجديدة، دماء الشهيدة (هفرين خلف) ودماء كل من سقطوا على طريق الحرية، تنادي من الأرض، العدالة لن تموت.

أما أنتم، يا من تقودون المرحلة، تذكّروا، التاريخ لا يرحم، والشعوب لا تنسى.

 

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

mamokurda@gmail.com

5/5/2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *