متى يعلم الجاهل إنه جاهل ؟- بقلم ( كامل سلمان )

هذا السؤال لطالما خطر ببالي ولم أجد له جواباً مقنعاً ، فالجاهل يعتقد يقيناً بأنه ليس جاهل لأن الجاهل لو علم بأنه جاهل سقط عنه صفة الجهل ، فقد قرأت الكثير وبحثت الكثير فلم أجد جواباً شافياً ، وإنما وجدت من الجهلاء من يدفع ثمن جهالته ولم يعترف بأن جهالته كانت السبب ، ووجدت منهم من يرى الحقائق بأم عينه لكنه لم يتخلى عن جهالته ، ومنهم من يرى العذاب بأم عينيه لكنه يزداد إصراراً على نفس الخطى ، ومنهم من يتوسل به العقلاء ليثنوه عن أفكاره الجاهلة لكن بلا جدوى ، قد تكون الصدمات القوية لها تأثير أحياناً في أن يفيق الجاهل ويصحو ، ورغم ذلك تبقى المعرفة والعلم هي السبيل الوحيد لرفع غشاوة الجهل عن العقول ، في المجتمعات الجاهلة يسعى الجهلاء للتخلص من العقلاء والمثقفين والأحرار بالقتل أو النفي أو المضايقات لتبقى معتقداتهم وأفكارهم تسرح وتمرح وحدها بلا إزعاج صريح من كل عاقل ، لكن في مجتمع العقلاء تماماً العكس ، لا يتخلصون من الجهلاء ولا يمسوهم بسوء ولكن يتخلصون من الأفكار الجاهلة التي يحملها الجهلاء عن طريق إيصال المعرفة والعلم لهم لكي يعيدون الجهلاء إلى صواب الرأي ، بذلك يتحول هذا العنصر الجاهل العدواني الضار إلى عنصر نافع فعال لأن الإنسان ذا قيمة عند العقلاء ولا قيمة له عند الجهلاء ، فالمعادلة الوحيدة التي قد تؤتي أُكلها مع الجهلة هي بسط المعرفة ، لذلك يقال العلم نور والجهل ظلام لأن العلم هو السبيل الوحيد لجعل الرؤيا عند الإنسان واضحة من دون حجب .. الحالة الأصعب التي يستحيل معها للمعرفة التأثير على الجهل وعلاجه هو حصول الجاهل على بعض المكتسبات الإجتماعية كحصوله على منصب محترم في الدولة مثلاً عن طريق المحاصصة الحزبية أو حصوله على مكانة اجتماعية رغم جهله كشيخ العشيرة أو حصوله على تحصيل أكاديمي عالي بظروف غامضة أو أن تغدق عليه الأموال أو أية مزايا ترفع من شأنه بين الناس فمثل هذا الجاهل يكون عصي على المعرفة أن تغيّره وهو في مأمن من أختراق المعرفة عقليته فيبقى مثل هذا الإنسان يسمو داخل مجتمعه الجاهل فيظن بنفسه كل خير لكنه أمام أهل المعرفة فمكانته تبقى لا شيء فهو أمامهم جاهل لأنه بالأساس لم يفارق الأفكار المتخلفة العقيمة . هناك حقيقة لا يفهمها الجهلاء عندما يظنون بأنهم ليسوا جهلاء وهي أن المعرفة الحقيقية تكون مصحوبة بالقيم الأخلاقية والمعاني الإنسانية الرفيعة ، فالعاقل والواعي إنسان راقي بسلوكياته لا يعتدي ولا يسرق ولا يكذب ولا يغدر ولا يحقد أما الجاهل لا يستطيع أن يحوي هذه الخصال مهما حمل من نياشين على صدره ومهما زادت طيبته ، فكم من وجيه في عشيرته عديم الضمير وكم من صاحب منصب سارق كاذب غادر ، وكم من صاحب شهادة مخادع مجرم ، وكم غني بالمال أحمق فهؤلاء بالحقيقة جهلاء بالرغم مما حازوا عليه من مزايا المنصب والتحصيل العلمي والمكانة التي لم يكونوا يستحقونها ساعدتهم فيها متقلبات الزمان ووجود الوسط الجاهل والأحزاب المتطرفة التي تحميها السلاح ساعدتهم على التسلق وصعود سلّم الترقية الوهمية المزيفة ، فهم لا يستطيعون النظر إلى الجانب الجميل في المعرفة ولن يصلوا إليها وأقصد القيم والنبل الأخلاقية وتمييز الصح من الخطأ رغم أن بعضهم يحاول التظاهر بها أو تلبسها لكن هيهات أن يقلّدوها لأن القيم الأخلاقية ماركة تربوية لا تتقبل التقليد ، صاحب العلم المحترم عن جدارة يرتفع عن الوساخات ، كالشجاعة من الصعب على الجبان الرعديد تقليدها بصرخاته وعلو صوته لأن ساحة المعركة تفضحه و تسقط عنه الأقنعة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *