فرنسا ومواقفها من الأزمة السورية: مقاربة جديدة أم رسائل دبلوماسية؟ – ماهين شيخاني

 

في خضم تعقيدات الملف السوري، أطلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سلسلة من التصريحات اللافتة التي تحمل في طياتها مؤشرات على تحول نسبي في الخطاب الأوروبي تجاه سوريا، خاصة في ما يتعلق بالكورد ودور قوات سوريا الديمقراطية (قسد). تأتي هذه التصريحات في وقت تزداد فيه التحديات السياسية والاقتصادية والإنسانية داخل سوريا، وتتداخل فيها المصالح الإقليمية والدولية بشكل غير مسبوق.

دعم الانتقال السياسي والاستقرار: الموقف المبدئي لفرنسا

أعاد ماكرون التأكيد على دعم بلاده لانتقال سياسي سلمي في سوريا، يحفظ سيادتها ووحدة أراضيها. هذا الموقف ينسجم مع القرارات الأممية، لا سيما القرار 2254، لكنه في الوقت نفسه يعكس قلقًا أوروبيًا من استمرار حالة الجمود والانهيار في البلاد، وتداعياته المحتملة على أمن أوروبا والمنطقة.

دعم مستمر لقوات سوريا الديمقراطية والكورد السوريين

أحد أبرز النقاط التي توقف عندها ماكرون هي التأكيد الصريح على “عدم ترك الكورد دون دعم”، وهو تصريح نادر في ظل تراجع الاهتمام الدولي بالقضية الكوردية بعد هزيمة تنظيم داعش. يأتي هذا التصريح في سياق اعتراف ضمني بدور قوات سوريا الديمقراطية كقوة محلية فاعلة في محاربة الإرهاب، وضمان الاستقرار كوردستان سوريا (شمال وشرق البلاد).

كما أعرب الرئيس الفرنسي عن أمله في تفعيل الاتفاق بين قسد ودمشق، معتبرًا إياه “مهما جدًا”، في إشارة إلى إمكانية بناء تفاهمات داخلية تساهم في تخفيف الاحتقان والانقسام، وربما خلق نمط جديد من اللامركزية السياسية، ولو بحدها الأدنى.

المحاسبة والعدالة: موقف أخلاقي أم ورقة ضغط؟

دعوة ماكرون إلى محاكمة المسؤولين عن الجرائم في سوريا، وتذكيره بضرورة حماية جميع السوريين، تعكس تمسكًا فرنسيًا بأدوات العدالة الدولية. لكنها قد تُقرأ أيضاً كرسالة ضغط سياسي على النظام السوري، في ظل الحديث عن “لقاء في منتصف الطريق” إذا واصل السير على ما أسماه “نهجه الحالي”، وهو تعبير يحتمل التأويل ويطرح تساؤلات عن حدود هذا النهج وشروطه.

التقاطع مع الملف الإيراني

لم تغب إيران عن خطاب ماكرون، حيث ربط استقرار سوريا ولبنان بالحد من نفوذ طهران وأذرعها، وهو موقف يتقاطع مع الرؤية الأميركية والإسرائيلية، ويعكس توجهًا فرنسيًا لتعزيز دورها في إعادة تشكيل التوازن الإقليمي، ربما عبر بوابة التسوية السورية.

بين العقوبات والإعمار: رسائل متضاربة؟

في خطوة غير متوقعة، أشار ماكرون إلى سعيه لعدم تجديد عقوبات الاتحاد الأوروبي على سوريا في يونيو المقبل، في تناقض ظاهري مع خطابه حول المحاسبة وحقوق الإنسان. إلا أن هذا التصريح يمكن فهمه ضمن محاولة فتح نافذة دبلوماسية جديدة، وربما الاستعداد للمشاركة في إعادة إعمار سوريا، شريطة حصول تغيرات سياسية واضحة.

الرسائل الموجهة للشعب الكوردي

لا يمكن تجاهل الأهمية الرمزية والسياسية لتخصيص الرئيس الفرنسي جزءًا من خطابه للكورد السوريين. في ظل التهميش الدولي المتزايد للقضية الكوردية، فإن هذا التصريح يُعدّ تطورًا مهمًا، وقد يشكل ورقة دعم معنوية وسياسية، خصوصًا إذا اقترن بخطوات عملية في المحافل الدولية، كالمطالبة بتمثيل قسد أو ممثلي الكورد في العملية السياسية.

خلاصة: هل تفتح فرنسا نافذة جديدة في الجدار السوري؟

تصريحات ماكرون تمثل تحولًا لافتًا في الموقف الفرنسي، فهي تجمع بين الدعم السياسي والعسكري لقوى محلية، والدعوة إلى انتقال سياسي، ومحاسبة المسؤولين، مع استعداد مشروط للتطبيع والانخراط في عملية إعادة الإعمار. يبقى السؤال الأهم: هل تملك باريس القدرة الفعلية على التأثير في الميدان السوري، أم أن تصريحاتها ستبقى حبيسة الدبلوماسية الأوروبية البطيئة؟

وفي قلب كل ذلك، يبقى الشعب السوري، بكافة مكوناته، وعلى رأسها الشعب الكوردي، هو الضحية الأكبر، والفاعل المُغيّب في آنٍ معاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *