٨\٥\٢٠٢٥
فی الوقت الذی تمر فیه سوريا من مرحلة الإنهیار إلی واقع جديد تتصارع فیه التحديات والمشاعر المؤلمة من الماضي الألیم مع الفرص والإمكانیات التي تتوفر فی فترة إلتئام الجروح لكی یمر كل فرد فیه بأزمات نفسية تؤهله للمضي فی حياته بصورتها الطبیعیة رغم ذكريات الماضي الألیم لكونه يتجهز بقابليات جديدة عوضا عما فقدها.
تتكون كل أزمة نفسية من وجهين: وجه يحمل الصفات السلبية التي تحملها حالة الأزمة التي یمر بها الفرد حاملا خبرة الماضي الألیم ليجد نفسه فی حالة إنهيار الذات التي تتميز بالذكريات المۆلمة والمشاعر السلبیة التي ترافق تلك الذكريات. نتيجة لهذا الإنهیار النفسی تجتمع السلبيات من أفكار و مشاعر وسلوك لتعبر عن هذا الوجه السلبي للأزمة النفسية. فی نفس الوقت یمر الفرد بالوجه الآخر لهذه الأزمة وهو الوجه الإیجابی الذی توفره الأزمة النفسية إلی جانب الوجه السلبي اللذي یطغی عادة علی الوجه الإیجابی فیصعب علی الفرد اكتشافه نظرا لفضاعة الأزمة و طولها وعمقها. كلما استطاع الفرد الإسراع فی عبور الوجه السلبي وإكتشاف الوجه الإیجابی لأزمته النفسية یستطیع أیضا أن یتجاوز بسرعة حالة الإنهیار الذاتی فی اختزال الوقت للعمل علی إعادة بناء الذات وإستغلال الفرص المناسبة لبناء المستقبل. هذا مایحدث علی مستوى الفرد عندما یعبر الأزمات. فماذا یحدث علی مستوى المجتمع یاتری؟
فی المجتمعات الجماعیة، كما هو الحال فی المجتمع السوري بصورة عامة، یكون الفرد جزئا” من المجتمع فيتحرك وفق تحركاته ويتبع خطوات المجتمع فی عبور الأزمات لكون الفرد فی المجتمع الجماعی يعمل فی خدمة المجتمع وليس العكس. فی المجتمع السوري التعددی التقلیدی تمر كل طائفة دینیة أو شريحة إجتماعية أو میلیشیا شعبية بأزمتها الخاصة بها بناءا” علی معتقداتها ومبادئها و تعليماتها. فلا مجال للفرد فی هذه المعمعة الجماعیة المختلفة، والمتضادة فی أغلب الأحيان، أن یجد محله الخاص به فی عبور الأزمة بل یتكیف الفرد مع مجتمعه دون أن يكون له دور خاص للتعامل مع أزمته النفسية عند إنهيار الذات. حینذاك لایجد الفرد خصوصية فی الأزمة ولا يمكنه التعرف علی الأفكار والمشاعر والسلوكيات الخاصة به كفرد، لا فی الوجه السلبي ولا فی الوجه الإیجابی للأزمة التي فی حقیقتها هی أزمة المجتمع وليست أزمة الفرد.
ولكن هنالك حالة شاذة فی المجتمع الجماعی فی سوریا وهی الحالة التي تميز المجتمع الفردی فی “نموذج روژئاڤا”. هنا تنطبق القواعد الفردية للأزمة السورية وفق المجتمع الفردی الذی تسود فیه مصلحة الفرد فی خدمة المجتمع وليس العكس، كما هو الحال فی بقیة أجزاء سوریا. فالأزمة النفسية فی روژئاڤا هی أزمة خاصة بكل فرد فیه قبل أن تكون أزمة للمجتمع، لكون الفرد هنا يحمل الوعي والإدراك لطبیعة الأزمة و یفهم تعقيداتها ويشعر بالمسۆلیة تجاه تحمل عواقبها. لذلك نری بأن الإنهیار العام لمؤسسات الدولة فی سوریا خلال هذه الأزمة لا تشمل المنطقة التابعة للإدارة الذاتیة فی روژئاڤا بل هی أزمات متعددة ذات طابع فردی خاص یمكن تلخيصها بالمحتویات المشتركة التالیة: المقاومة السلمية ضد الإحتلال، الدفاع عن سد تشرین، توحيد الموقف الكوردی، الأزمات الإقتصادیة فی المقاطعات المختلفة، التعامل مع حكومة دمشق من حوار خلال قوات سوریا الدیموقراطیة “قسد” إلی معارضة شاملة لتعیین المجرمين فی مناصب الدولة…الخ. هذه الأزمات جميعها هی أزمات نفسية خاصة بكل فرد قبل أن تكون عامة للمجتمع ككل، لذلك فهی أزمات مفهومة من قبل كل فرد فی المجتمع. لكل فرد فی روژئاڤا تفهم وإدراك و شعور بالمسۆلیة تجاه ما یجری فی سوریا من أزمات، و لديه قابلیة للسيطرة علی مراحل أزمته الخاصة إعتبارا من الإنهیار الذاتی إلی المرور بالوجه السلبي للأزمة من مشاعر و أفكار و سلوك حتی إكتشاف الوجه الإیجابی للتعويض عن الآلام و الخسائر والفقدان والحرمان عن طريق إكتشاف البدائل المناسبة لعبور الأزمات لبناء مجتمع جديد يوفر المواهب للإبداع فی بناء المؤسسات فی سبیل توفير السلم والازدهار للفرد فی المجتمع الجديد. لابد من الإنتباه إلی خلق المعجزات من حالات المعانات والذكريات المۆلمة فی السابق لأجل بناء مستقبل زاهر للفرد والمجتمع.