الهامش السوري… صدى الرئيس بارزاني يهمس للريح – ماهين شيخاني

 

قراءة في حديث الرئيس مسعود بارزاني لقناة شمس

مقدمة:

في مشهد سياسي تتداخل فيه الجغرافيا بالهوية، والتاريخ بالواقع، جاء حديث الرئيس الكوردي مسعود بارزاني إلى قناة “شمس” ليحمل ما هو أبعد من مجرد مواقف. كان صوته أشبه بجرس خافت يدقّ في البرية السورية، حيث لا تزال قضية الشعب الكوردي تراوح مكانها بين الإنكار الرسمي والتضحيات الشعبية. من كوردستان العراق، وجّه الرئيس بارزاني خطاباً بملامح استراتيجية وإنسانية، تضمن إشارات حذرة ورسائل مباشرة لعدة أطراف، من دمشق إلى طهران، ومن داخل البيت الكوردي إلى المحيط الإقليمي المتقلّب.

سوريا التي بدّلت ستائر القصر… ولم تغيّر جوهره

حين أشار الرئيس بارزاني إلى أن التغييرات في سوريا كانت متوقعة، لكنه لم يلمس “رسالة سلام وطمأنينة” موجهة إلى الكورد، بدا وكأنه يختصر عقداً كاملاً من الانتظار والخذلان. فالسلطة السورية، رغم تبدل الظروف وتناوب الأزمات، لم تُصدر حتى الآن أي إعلان يُعيد تعريف العلاقة مع كوردها، أولئك الذين لم يكونوا يوماً طارئين على الجغرافيا، ولا عابري نضال.

البارزاني بدا وكأنه يخاطب دمشق بلغة غير مباشرة، يقول لها: غيّري خطابك، لا ورقتك فقط. وفي عالم سوريالي يعجّ بالمفارقات، يصبح غياب هذه “الطمأنينة” دليلاً إضافيًا على أن النظام لا يزال يقرأ التاريخ من ذات الكُرّاس، ويخشى أي اعتراف يُخلخل مفهومه المتحجّر للهوية الوطنية.

الكورد السوريون… بين الأمل الكردستاني والخذلان المحلي

حين يتحدث الرئيس بارزاني عن الكورد في سوريا، فهو لا يراهم “جالية”، بل جزءًا أصيلاً من جسد كوردستان المقسّمة. لكنه في ذات الوقت، يحذرهم من الارتهان للأجندات. يذكّرهم أن الكفاح لا يُدار بالضجيج، ولا تُبنى الأحلام فوق الرمال الإقليمية المتحركة.

حديثه بدا كأنّه مرآة مكسورة تعكس خيبات الحركة السياسية الكوردية السورية؛ من جهة، مجلس مشرذم، ومشاريع متناقضة، وأدوات في صراع الآخرين. ومن جهة أخرى، شعب لا يزال يحلم بكلمة “هوية” مكتوبة بخط الدولة لا شطبها.

الانقسام الكوردي السوري… عُقدة لا تُحل بالشعارات

لم يذكر الرئيس  بارزاني الأسماء، لكنه كان واضحًا حين قال إن “الجهات التي تمنع الحوار الكوردي – الكوردي مكشوفة”. رسالة عميقة لمن يتعامل مع الشارع الكوردي السوري كحقل تجارب أيديولوجية، ولمن يرى في الفيدرالية مشروعاً مؤجلاً إلى حين انتهاء الحرب الكبرى بين الحلفاء والخصوم.

وفي خلفية المشهد، يقف الكوردي السوري أمام مرآته، يسألها: من أنا الآن؟ أأنا صاحب الأرض أم ضيف سياسي؟ أأنا الحلم أم الوقود؟

رسائل إلى دمشق وطهران وأنقرة… عبر الظلال

لم يصرّح، لكنه أوحى. لم يلوّح، لكنه أشار. حين تحدث عن ضرورة الاعتراف بالحقوق، كان يوجّه رسائل إلى ثلاث عواصم في آن واحد:

دمشق التي ما زالت تنظر إلى الكورد بعين “السجل المدني”.

طهران التي تريد أن تبقى كوردستان مجرد حديقة خلفية.

أنقرة التي ترى في أي نهضة كوردية بداية لانهيار أطماعها العثمانية.

في الختام

الرئيس بارزاني لم يقدّم خارطة طريق، لكنه أضاء شمعة وسط العتمة السورية. كانت كلماته مزيجاً من الحكمة والتحذير، من الأمل والنقد، من الوفاء للكورد في كل مكان، والدعوة للعقلانية في زمان الجنون.

وأكد الرئيس بارزاني تمسكه بمبدأ تقرير المصير للكورد قائلاً: «لطالما آمنت بحق الكورد في تحديد مصيرهم. هذا حق طبيعي وأساسي، وهو حق مشروع لكل شعب، بما فيهم شعب كوردستان».

وفي الهامش السوري، حيث لا صوت يعلو فوق صوت الحرب، سُمع صدى كلماته همسًا في الريح… لعلّ أحدًا يصغي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *