تعليق على المؤتمر العلمي الإيزيدي الدولي في دهوك : حاجي علو

إنّ ما نشرته منظمة 3 آب والمجلس الديني الئيزدي من إنتقادات للمؤتمر الذي سمي بالعلمي في دهوك مؤخراً كان لها ما يبررها لكن ليس بدرجة الإستنكار (ربما بسبب ضعف اللغة وتعبير الكاتب) ولو كانوا هم من نظموا المؤتمر لما قدموا أفضل مما قدمه المؤتمر , اللقاءات وتبادل الآراء والمقترحات وبحث المواضيع شيءٌ مفيد في كل الأحوال سواء أكان في مؤتمر أو في مقالات تنشر في مواقع التواصل أو غيرها وهو لم يقدم شيئاً يستحق الإستنكار بل لم يقدم شيئاً على الإطلاق, سمي علمياً وهو لم يبحث في موضوع علمي ولاتاريخي للئيزديين,  لكن المجلس يقول (… لقد تناول قضايا جوهرية تتعلق بالدين الئيزدي وهويته التاريخية والقومية …. ) لكن بحسب الفيديو الذي نشر في موقع بحزاني الموقر, لم نرَ فيه شيئاً جوهرياً علمياً خاصاً بالئيزديين , كل ما دار في المؤتمر كان كلاماً سياسياً يتناول الإضطهاد والغبن والمشاكل الكبيرة التي تعرض لها الئيزديون في الأحداث القريبة ومعالجتها من قبل الجهات المعنية , معالجة لم تكن ترتقي  إلى المستوى المطلوب بل ونصف المطلوب ولا تزال تتفاقم رغم الكلام اللطيف الذي دار في المؤتمر .

بضعة كتاب مرموقين قدموا نقاشات حول الموضوع الذي سمي علميّاً, منها كلمات ذهبية للاستاذ زهير كاظم لكن في شأن إضطهاد وتهميش الئيزديين وبقية  الأقليات العراقية  و علاج مشاكلهم لكنها ليست من علم التاريخ الئيزدي أو الدين الئيزدي, ثم الشيخ سعيد بيران ذكره الأخ آيهان قزل خان , ما علاقته بالئيزديين ولا بكوردستان أصلاً؟ هو قام بثورته الإسلامية من أجل الخليفة الذي طرده كمال باشا تطبيقاً لبنود معاهدة لوزان العلمانية التي خلق بثمنها جمهورية حرة مستقلة ……  ومع ذلك وجدنا المجلس يضيف: (ندين بشدة ما تضمنه المؤتمر من محاولة لفرض إنتماء قومي معيّن على أبناء الطائفة اليزيدية ….) الإدانة تعبير صلف في هكذا مواضيع, ثم إننا لم نلحظ في الفيديو أي شيء من قبيل فرض إنتماء معين أو عدمه, الإدانة يجب أن تكون لمن يحاول تشتيت الإنتماء القومي لهذا الشعب النقي من عنصر واحد وجينات واحدة وإن كانوا من بقايا عشائر كوردية متعددة لكنها كلها كوردية, كانت بالدين الزرادشتي الداسني قبل إسلامهم, إنك لن تجد اليوم عشيرة ئيزدية واحدة ليس لها أقارب من عشائر مسلمة, فعشيرة المزوري هي عشيرة الهكاري أسلمت بنسبة أكثر من 90%  بإسم عربي هو مُضري ـ يُلفظ مزوري بالكورديةـ, لم ينجُ بدينه الداسني اليزيدي والإسم الهكاري إلاّ بضعة عوائل لا يتعدى عددها الآ ن الثلاثمئة بيت أو نحو ذلك, عشيرة الهبابا والشهواني والخالتية والدنة والسيبكي كلها ليست أفضل منها وكثير منها قد أسلمت عن آخرها, عشيرة الكًوران الساسانية العريقة (الفرس الديليم) لم ينج منها إلا أسرة البير محمة رشان. وكما يعلم الجميع فالقومية بلغتها  قد سبقت الدين بل جميع الاديان إلاّ دين الشمس الطبيعي الداسني الزرادشتي الذي يُسمّى الآن باليزيدي, دين الشمس هذا قد عرفه الحيوان منذ الخليقة وقبل أن يتطور إلى الكائن البشري, أما الأديان القديمة الأخرى فكلها قد نشأت بعد تطور الإنسان وتقدم التفكير والوعي البشري ليس قبل الثورة الزراعية أي عشرة آلاف سنة فقط قبل الميلاد, و بعد أن إخترع البشر الكتابة إستغلها المفكرون في كتابة الدين لتتسمّى بالأديان الكتابية فتفرض نفسها على الآخرين, هذه كلها لا علاقة لنا بها, علاقتنا هي بالشمس فقط  وهي محور الدين الشمساني الذي سمي بعدة تسميات عبر العصور آخرها اليزيدي, وبعد التطور البشري واكتشاف النار في وطن الكورد أربعين ألف سنة قبل الميلاد دخلت النار أيضاً دين الشمس, وبعد الثورة الزراعية وبروز أهمية الثور في قيام الزراعة على كتفه دخل هو الآخر دين الشمس الطبيعي, وقد تأثر كثيراً بظهور الأديان الكتابية التبشيرية بإستخدام السيف  فدخل مرحلة المحاق وإختفى لخمسة قرون أسلم خلالها معظم الكورد تحت وطأة السيف بسبب تكفير الإسم الداسني المجوسي, ثم نهض من تبقّى بدينه ثانية بعد صلاح الدين مباشرة فنظّم الداسنيون صفوفهم وظهروا بالإسم اليزيدي بعد دعوة الشيخ حسن في الموصل.

كان دين الشمس الطبيعي الزرادشتي ديناً لا تبشيرياً قبل الإسلام, وبعده أصبح تحت الإضطهاد الدموي فلم يعتنقه أجنبي واحد, حتى الكورد المستعربون (داسنية الموصل) من سكان بعشيقة وبحزاني هم بقلمهم قد كتبوا في مصحف رش (….  وصنع لهم مديحتين حتى يرتلون بها ويزيحون قدامهم بلسان الكوردي القديم والمقبول …) أي أنهم وقت تدوين الكتاب في القرن السابع الهجري كانوا يعلمون أن لسانهم كان كوردياً سابقاً فيمجدونه, جميع نصوصنا الدينية هي بالكوردية أما المدونات القليلة جداً فهي بلغة بحزاني المستعربة قد يكون كاتبها بيت البيش إمام وقد يكون غيرهم, بنفس الوقت لا يحوي  الكتاب أية إشارة إلى أي قوم آخر لا سومري ولا آرامي ولا كلداني ولا غيرهم بل تحذير شديد من الأديان الثلاثة سواء بسواء وكان هذا صحيحاً في زمانهم فالجميع كتابيون يدّعون رسالات سماوية لم يعترفو بالدين الداسني وكفّروه .

تمجيد الشمس في نصوصنا الدينية غير محدود, على يد الشيخ شرف الدين الآداني ظهر إسم كوردستان لأول مرة في التاريخ في العهد السلجوقي حين تزعم الكورد واستقطبهم في كوردستان تركيا في مدينة خربوط حيث استشهد فيها بعد ذلك بقليل في حدود 1264 م, النار المقدسة لاتقام لنا مراسيم دينية بدونها مهما كانت بسيطة ولنا لها عيدان, والثور هو القربان المقدس للشمس وله عندنا عيدان أيضاً , أما الإعتراف برموز الآخرين فهذا من فرض التسامح الديني الذي لا مثيل له عند الئيزديين والواجب الديني يحتم علينا إحترام مقداسات الآخرين مهما كانوا.

أما الظروف المحيطة بالمجموعات الئيزدية في البلدان المختلفة فقد تفرض عليهم التنصل من الكوردايتي وهذا حقهم في الإحتفاظ بوجودهم وسعادتهم في بيئتهم, فالئيزديون في موقف ضعيف في كل مكان, في أرمينيا مثلاً هم مجبرون على التمسك بالهوية الئيزيدية فقط والتنصل من الكوردايةتي وهذا حقهم وأنا أويدهم , لكن الجينات الكوردية لا تتغير مهما تلّون الفرد حتى لو فقد لغته لأسبابٍ قاهرة مثل سكان بحزاني أكراد الموصل الداسنيون , والأمثلة كثيرة جداً ظهرت منها في زمن صدام وفي عدة مواقف.

يبدو لنا أن عدم توجيه الدعوة للبعض قد أثار إستياءً غير مبرر فالدعوة قائمة في كل الأوقات , والمشاركة في المؤتمرات ذات العلاقة بموضوعاتنا ممكن عن طريق المقالات وطرح الآراء والمقترحات عبر موقع بحزاني الموقر الخاص بالئيزديين وغيره من وسائل التواصل, فأنا لم أكن مدعواً لكنني اشتركت فيه وهذه هي كلمتي والجميع يقرأونها ولهم فيها آراؤهم وهي محل إحترامنا ومدعاة سرورنا وشكراً.

One Comment on “تعليق على المؤتمر العلمي الإيزيدي الدولي في دهوك : حاجي علو”

  1. احسنت، مقالة شيقة كتبت بأسلوب ممتع، هاديء سهل القراءة والفهم دون تعقيدات لغوية كما يتعمد بعض الكتاب ذلك بهدف اظهار مهاراتهم اللغوية وعضلاتهم البلاغية امام القاريء الذي حتما يميل الى قراءات مبسطة وسلسلة في شكلها و مضمونها. شيء لفت انتباهي في المقالة هو ورود لفظة (اليزيدي) الذي اصبح يطلق على الدين الشمساني، نسبة إلى الشمس، كيف وصلت هذه اللفظة إلى الدين الئيزدي؟ وهل لها علاقة بالخليفة الأموي يزيد بن معاوية؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *