خراب بلداننا من خراب عقولنا- كامل سلمان

عندما نضع السم في العسل يفقد العسل خاصيته النافعة المفيدة فيصبح السم هو خاصية العسل ، كذلك عندما نضع الخرافة والدجل في هيكلية الدولة تفقد الدولة خاصيتها الحضارية والإدارية والسياسية والخدمية ، هذه هي مشكلتنا ، نريد دولة حضارية مدنية محترمة ونتناسى بأننا نريدها كأمنيات وليس كهدف نعمل من أجله لأننا مشلولين فكرياً عن تحقيق هدف بهذا الحجم والسبب كمية الخرافة التي تتحكم بعقولنا . للأسف لم نحظى طوال تأريخنا بدولة خالية من السموم ، فإما سم العشائرية وأما سم الطائفية وأما سم العنصرية وأما سم الخرافة والدجل وإما مرارات الاحتلال ، بالنتيجة نندب حظنا ولم نلتفت إلى مضار هذه السموم التي تدمر أنسجة الدولة والمجتمع سوية بل نعيد تكرارها بكل إصرار وجهل ونطالب بإعادة الماضي بما حوى وكأن الذين فعلوها قبلنا قد أفلحوا في سمومهم ليكون مبرراً لنا في تكرارها . نلوم التدخلات الخارجية ونلوم الاستعمار ونلوم دول الجوار ونلوم عاديات الزمن والظروف ونلوم كل شيء نستطيع لومه إلا أفكارنا وطريقة تفكيرنا فعليها خط أحمر لأننا نشأنا وتربينا بأن المصائب دائماً مصدرها من خارج أنفسنا حتى الفشل بخطواتنا نحاول أن نجد له سبباً خارجياً ، مهما كانت ظروفنا سيئة ومهما كانت العوامل الخارجية قاهرة فإنها لا يمكن أن تهدم أركان دولنا ولا يمكن أن تمزق كياننا الإجتماعي إلا إذا كانت أفكارنا قابلة للكسر ، وتكون قابلة للكسر عندما تكون هشة محشوة بالخرافة ، فمن الجهالة أن ننسب مشاكلنا وخراب بلداننا إلى هذه الجهة وتلك ونتغاضى عن السبب الكامن في دواخل أنفسنا ، دواخل أنفسنا تزدحم بكل أنواع الخراب والدمار ، من مخلفات الجهل إلى الخزعبلات إلى التعصب الديني والتعصب العنصري والطائفي إلى الكراهية إلى العشائريّة إلى احقاد إلى موروثات مريضة ونظنها تراثنا المجيد ومعتقداتنا السديدة نحيطها بهالة من القدسية لكيلا يتجرأ أحد وضع أصبعه على الجرح ويشخص عين الداء . نحث بعضنا بعضا على الطائفية ، نتناقل الخرافة بفرحة عارمة ، نتفاخر بالسيئات نصطف للعنصرية ولا نبالي بما يصيبنا ، فكل شيء سيء نراه حسناً ونتمسك به حد الموت لأننا لا يمكن أن نتخيل بأن مصدر همومنا هي نفس هذه الأشياء التي ورثناها وعشقناها ونتداولها بشغف وحب عميق . لا نعرف كيف ننقذ أنفسنا من المهالك ، نخاف النقد ونعتبر النقد تدنيس لكرامتنا ولا ندرك بأن المجتمعات الحرة الراقية إنما أصبحت راقية بفضل النقد ومن يتقبل النقد يسمو للعلا ، فالإنسان الحر العاقل يبحث عن عيوب نفسه ويتقبل النقد ويستفيد منه لكن الإنسان العبد الجاهل يحسبه إهانة له ، عبيد الطائفية وعبيد الخرافة وعبيد العنصرية وعبيد العشائرية يتقبلون كل شيء إلا النقد ، يمكنك خداعهم بما تريد فقط أمتدح توجهاتهم وعقائدهم ورموزهم ولا تنتقدهم ، سيحبونك ويقدسونك عندما تظهر لهم ما يدغدغ مشاعرهم ، يتقبلون ما يزيد توغلهم بهذه المضلات ويرفضون ما ينتشلهم منها . قلت لأحدهم بسبب هذه السموم وتلك أنت وأنا محرومون من الرعاية الصحية وأطفالك وأطفالنا محرومون من التعليم الصحيح ومجتمعنا محروم من الكهرباء والخدمات وشبابنا محروم من فرص العمل ، أجابني جواب اليائسين بأنه أمر الله ولا أعتراض على أمر الله ، هكذا وصلت عقولهم ، هذه هي العبودية المقيتة عندما يبدعون في إيجاد الأعذار للدفاع عمن أستعبدهم وملأ أدمغتهم بالخرافة ومنع عنهم أبسط حقوقهم في الحياة وجعل الملذات وجمالية الحياة حكراً له و لفصيلته التي تأويه وترك للناس العقائد تواسيهم وتسليهم ، ، كيف تستطيع أن تخرج مثل هذا البشر من هذا الوهم وتقنعه بأن يخرج من هذه الغفلة ويصحو قليلاً . التحرر من الخرافة وتبعاتها صارت حلم كل إنسان مثقف واعي عاقل يتحسس بمرارة ما يحدث ، زراعة الأمل صارت مستحيلة على الأقل للجيل الحالي . نحن نعاني من مجتمع متمرد على نفسه ولا يريد أن يعرف دوره في الحياة وكأنه خلق ليعيش في الظل لا دور له في الحياة . هذا الحال قد يكون الأسوأ على الأطلاق ، لأننا مازلنا لا ندرك بأن السم موجود بالعسل .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *