أديب وكاتب رأي مصري
” ليس سهلاً ـ ربما – أنْ أُغَيِّرَ الواقِعَ، ولكنني على الأقل قادرةٌ على إيصالِ ذلك الصوتِ إلى العالمِ ”
(أنا شيرين أبو عاقلة)
نعم أنا الشهيدة شيرين أبو عاقلة، فمَنْ أنتمُ يا أنتم؟!.
أعرف أنكم لن تُجيبوني لا لأنكم لا تَقْدِرون على الكلمة، و لكن لأنكم تكرهون الكلمة؛
لهذا قتلتموني – أنا الكلمة – أو هكذا خُيِّل لكم أنكم قتلتموني، صحيحٌ أنكم أرَقْتُم دمائي..
لكني هنا، أنا هنا لازلتُ ولم أَبْرَح، أروح وأجيء في ضمير الجَمْعِ و مرايا القلوب، فلتُكَذّبوا – ما شئتمُ – ما لا يُمْكنكم أن تروه، يا أنتم الذين تُخطئون الوصف، وتنكرون حتى الشمس، أنَّى لكم اكتناه فقه البصائر والقلوب؟! أنا هنا وقد انضممت لتوّي لقافلة أولئك الشهداء الباقين..
نعم باقون هنا كالقذى في حدقات العيون الوقحة
باقون خناجر مسمومة في صدوركم والبطون.. هنا على هذي الأرض باقون..
نعم باقون.. ما بقِيَ الزعتر والزيتون!
ألا يا أنتمُ العادُون المُسْرِفون، أجيبوني بحق الشيطان عليكم: لماذا رُمْتُمُ قتلي ؟! أَعَبَثاً ونَزَقاً تُجْرِمون، أم تَبغونَ إخافتي ورَدْعي؟!
و هل عهِدتموني يوماً متردِّدةً أو منهزمة، أو عَلِمتموني خائفةً مرتعدة وقد عشت على أعينكم دهراً من قبل؛ أُحصي عليكم جهالاتكم وخيباتكم، وأُصوِّر وأرصد أنواع وألوان حُمْقِ رصاصِكم في صدور الصبية والشباب، الرجال والنساء؛ المسالم منهم والمهادن ، والثائر والمقاوم، والناشط والخامل، والغافل والمتغافِل!.
هل علِمتموني من قبل هَيّابةً أو خائفةً و قد أحصيتُ عليكم شهقاتكم وزفَراتكم، ورصدْتُ خطواتِكم وسكناتِكم، وأشَّرْتُ خطراتِكم و وَهْم ظنونكم، و عَدَدْتُ حتى ترداد أنفاسكم المذعورة في صدوركم؟!.
أيا أنتمُ السفلة المجرِمون، عجباً أنكم لا تدرون أنكم أنتم مَن يحملون السلاح، وأنكم أنتم مَن تخافون !.
يا أنتم القاتلون المخاتلون المُرَوِّعون، أنا ما كنتُ يوماً لَأخافُ الموت، ولا ينبغي لي، قلتُها من قبل وهأنذا اليوم وقد قتلتموني؛ أُكرِّرُ على مسامعكم ومسامع العالم ما قلت: ” أنا لا أخاف الموت” لأنني كنت أعلم أنني والكلمةَ – يوماً – لن نموتَ وأنتم هنا لازلتم على هذي الأرض غاصبين، تُدَنِّسون طُهر التراب الحُرّ؛ لا لشيء إلَّا لأنّ الشهداء لا يموتون، بل يرتقون أحياءً عند ربهم يُرزَقون.
هل علمتم الآن كما كنتُ قد علمتُ منذ عُمر أنني لا أموت؟
أنا أموت؟! قل هاتوا برهانكم إن كنتم تَصْدُقون؛ وهذاه صوتي لم يزل واصلاً إليكم، يَصُخّ آذانكم ويَصَدعُ بالحقّ عقولَكم.
إذن؛ لعلكم قتلتموني لعلهم بقتلي يَتَّعِظون، ويرتعبون ويرتدعون؛ أولئك الذين يجيئون من بعدي من كل حدبٍ وصَوْب؛ من كل فَجّ يأتون، وعلى سواء الدَرْبِ يمضون.
إيهِ يا فلسطين الوعد و الموعدَا
هلّا رأيتِ الطالعين
من الدروب مدجّجِين
هذا هو الوعد اليقين
سبحانه و بحمده قد أيّدا
جعل الخلائق والملائك لي يدا
والنصرُ والفتحُ المبين
أتيت..
أتيتُ يَتْبَعني المدى!!
يا أنتم الغافلون، ألا تعلمون أننا أمةُ الذين إذا أصابهم البغيُ هم ينتصرون، وأنكم إذا أرَقتم دمائي فإنكم إنما رويتم بها بستان الشهداء في قومي الذين هم كما أعواد البرسيم في غيطان الفلاحين؛ إذا ما قصصتَ منها عوداً خرج من أصله خِلفةً له؛ أعوادٌ و أعواد؛ أكثرُ نضارةً وأشدُّ قوة؟!.
يا أنتم القاتلون الغادرون، أنا الكلمة، ودربي هو درب الكلمة، ورَبُّ العالمين هو رب الناس ورب الكلمة؛ إذا ما ألقى الكلمة في قلبِ رسولِ الكلمة ألقى معها الشجاعةَ، والقدرة والاستطاعة على إيصالها.
فمَن هؤلاء الذين تظنونهم يخافونكم يا أنتم الغادرون الظالمون الذين من قبل أن تظلمونا إنما أنفسَكم تظلمون وأنتمْ لا تشعرون.
تلك إنما هي رسالتي إلى العالم و أعلمُ أنْ:
“ليس سهلاً – ربما – أنْ أُغَيِّرَ الواقعَ، لكنني على الأقل قادرةٌ على إيصالِ ذلك الصوتِ إلى العالم”
(أنا الشهيدة شيرين أبو عاقلة).