أسعد الشيباني من فقه الإرهاب إلى فقه العنصرية باسم سوريا – د. محمود عباس

 

في كلمته أمام القمة العربية في بغداد، ارتكب أسعد الشيباني، وزير خارجية ما تُسمّى بالحكومة السورية الانتقالية، جريمة سياسية وأخلاقية بحق سوريا الوطن، وسوريا الشعب، وسوريا التعدد. لم تكن كلمته مجرّد سقطة، بل كانت سقوطًا كاملاً في مستنقع العنصرية، أعادت إلى الأذهان أكثر الخطب انحدارًا في تاريخ البعث، بل وتفوّقت عليها وقاحةً واستعلاءً.

لقد جسّد الشيباني، دون مواربة، البعد العروبي العنصري الفاضح الذي لا يزال يطارد المشروع السياسي السوري، حتى في لحظاته المفترض أن تكون انتقالية نحو مستقبل ديمقراطي.

ففي خطابه، الذي أغرقه بمصطلحات العروبة، الانتماء إلى العروبة، والامتداد العربي، وسوريا العروبة، مع تغييب فاضح لسوريا كوطن، ولجميع المكونات غير العربية من المشهد السوري، وكأنهم لا ينتمون إلى جغرافيا البلاد ولا إلى تاريخها. ولم يكن تغييب الكورد، بل ومكونات سوريا الأصلية، محض نسيان، بل موقفًا عقائديًا مقصودًا، ينبع من رؤية أحادية ترى في الكوردي “مشكلة”، وفي التنوع تهديدًا.

أي وطنية تلك التي تُبنى على الإنكار؟ وأي حكومة تلك التي لا تجرؤ على نطق اسم الشعب الكوردي وهو ثاني أكبر قومية في سوريا؟ ألا يدفع خطابه العنصري ودفع سوريا نحو العمق العروبي إلى دفع غربي كوردستان نحو عمقه الكوردستاني؟

إن من يتجاهل الكورد عمدًا في محفل إقليمي، لا يستحق أن يتحدث باسم سوريا، ولا باسم مستقبلها.

لقد خرج الوزير عارياً من كل قيمة وطنية، وممتلئًا حتى الثمالة بخطاب كراهية لا ينتمي إلى الدولة، بل إلى منابر التحريض. فالرجل الذي كان بالأمس يُحرّض باسم الدين في ساحات التطرف، عاد اليوم بربطة عنق، ليُحرّض باسم القومية على ذات الشعب، ولكن بلغةٍ أكثر دهاءً.

إنها حكومة انتقلت من الإرهاب الديني إلى العنصرية القومية العروبية الدينية، ولا فرق بينهما سوى في الأزياء ونبرة الصوت.

خطاب الشيباني لم يكن يمثل المعارضة، بل يمثل لحظة إفلاسها، حين تقبل باستبدال استبدادٍ بآخر، فقط لأنّه “منها”، فيغدو الجلاد ابن الدار، والضحية دخيلة.

ندين هذا الخطاب العروبي العنصري بكل وضوح، وندعو الوطنيين الحقيقيين، من جميع المكونات، وفي طليعتهم أبناء الطائفة السنية المعتدلين، إلى الوقوف الحازم في وجه هذا التوجّه السام. فالصمت في هذه اللحظة ليس حيادًا، بل تواطؤًا، وربما بداية قبول ضمني بإعادة إنتاج سوريا الإقصاء بدل سوريا المستقبل.

إننا نُحمّل هذه “الحكومة الانتقالية” مسؤولية هذا الانحدار السياسي والأخلاقي، ونحذر من أن تتحول إلى واجهة ناعمة لمشروع قبيح، يُقصي الكورد، ويسقط التنوع، ويُعيد بناء جدران الطغيان، لكن هذه المرة، باسم الأكثرية لا النظام.

فما نخشاه ليس عودة الأسد وحده، بل ظهور نسخة منه، أكثر مكرًا، وأشد تطرّفًا، تلبس ثوب “المعارضة” وتحمل في داخلها أحقاد البعث، وغرائز السلفية، وسيف القومية المتعالية.

سوريا التي نناضل من أجلها، ليست سوريا الشيباني، بل سوريا الكل.

سوريا التي تعترف بالكورد كما تعترف بالعرب، وتُؤمن أن الوطنية لا تُقاس بعدد السكان، بل بعدالة الحقوق.

والمعارضة التي لا ترى ذلك، ليست معارضة بل مشروع قمعٍ مؤجّل.

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

17/5/2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *