الشيطان بنظر العبيد- بقلم كامل سلمان

أغرب المفارقات في هذه الدنيا أن العبيد لا يوعون لأنفسهم أنهم عبيد والأكثر من ذلك يعتقدون جازمين بإنهم هم الأحرار فيعيبون الأحرار الحقيقيين وينعتونهم بإنهم عبدة الشهوات أو عبدة المال أو عبدة الأفكار التي ستدخلهم في نار جهنم وأشد العذاب ، وإنهم هم ( أي العبيد ) وحدهم سينالون جنة الخلد وملذات النعيم ، فكل اعتقادهم بأن العبودية تستوجب وجود السوط بيد المالك تعنفهم وترغمهم على حمل الصخور على الظهور عندها فقط يدركون بأنهم عبيد ، أما بغير ذلك فهم ليسوا عبيداً فهم أحراراً كما يظنون لكن ما يفعلونه من خنوع ورضوخ واستسلام هو حسب اعتقادهم حب وطاعة وموالاة لساداتهم وكبراءهم كما أوصاهم الله بذلك ، هذه هي حقيقة المهزلة التي نعيشها جيل بعد جيل على مر السنين مع مجتمع حسم أمره ( أن يكونوا عبيداً بعنوان الأحرار ) لأن العنوان واليافطة هو كل ما يهمهم ولا يهمهم الواقع ، فهم معزولون عن الواقع بأفكارهم رغم وجودهم الجسدي ، طبعاً لا لوم عليهم لأنهم بالأساس لم يتذوقوا طعم الحرية الحقيقية ولم يعرفوا ماهية الحرية فيعتقدون عبوديتهم هي الحرية ، هذا الصنف من العبيد يتكاثرون في مجتمعاتنا ، والجميل في الأمر أن القرآن الكريم الذي هو الكتاب المقدس لجميع المسلمين في الأرض ولجميع المجتمعات الإسلامية بمختلف طوائفهم ومن ضمنهم هؤلاء العبيد ، لا يسميهم بالعبيد وإنما أعطاهم وصفاً أخر يليق بهم ( أن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ) الحقيقة أن الوصف القرآني ب ( كالأنعام ) أدق من مصطلح العبيد الذين نتحدث عنهم اليوم ، لأننا لا نطرح موضوع العبيد بشكلهم الخدمي فهذا النوع من العبيد تقريباً أصبح منقرضاً وإنما العبيد الذين يطيعون من لا يقدم لهم كسوة ولا مأكلاً ولا ينفعهم بشيء وإنما يسلب منهم كل شيء ويسلب فوقها كرامتهم وأحياناً يجعلهم قرابين للأوهام وهم راضون ومستأنسون ، ومالكهم هو بالحقيقة من أشترى عقولهم بالخداع والدجل ، هؤلاء العبيد أصبحوا يشكلون عبئاً ثقيلاً على كاهل المجتمع لأنهم باتوا في زيادة عددية مطردة ومنهم من تبوأ مواقع المسؤولية في الدولة و عبوديتهم لا تضر أنفسهم فحسب بل تتعدى ذلك الإضرار بالمجتمع لأنهم يفعلون مالا يعلمون ويغلقون شرايين الحياة حالهم حال الكولسترول في شرايين القلب الذي يسبب السكتة القلبية عندما يتضاعف حجمه ، مصطلح العبيد اليوم هو ليس نفس مفهوم العبيد بالأمس ، مفهوم العبيد بالأمس كان يشير إلى السخرية والخدمة تحت ضرب السياط ، فقد كان العبيد يُعرضون للبيع والشراء كالبهائم لأجل العمل الخدمي فقط ، ولشدة دونيتهم في بعض المجتمعات يعتبرون وجود العبيد لأغراض القتال هو بمثابة عار على مالكهم لأن العبد ليس أكثر من دابة ، ولا شأن للمستعبد بالجانب الدفاعي والعقلي للعبد لأن المالك هو نفسه لا يهتم لعقول العبيد حتى وأن كانوا على درجة من الذكاء ، فهو على بينة بأن العبيد لا عقول لهم فيعاملهم كالدواب لتقديم أفضل مالديهم من قدرة جسدية للخدمة ، ثم ما الحاجة إلى تسخير العقول طالما تحت السوط ينفذ العبد كل ما يطلبه المالك ، وبما أنهم ( العبيد ) اليوم لا يعيشون زمن ضرب السياط ولا يرون في أنفسهم الخدمة الجسدية فمن الصعب أن يخطر ببالهم بأنهم عبيد . . إذاً من هم العبيد ومن هم الأحرار ؟ هذا التساؤل هو أكثر شيء يشغل بال الإنسان الحر الواعي المبتلي بالعبيد والذي يعاني منهم عندما يعيش وسطهم ويتلقى رفساتهم ويراهم عبيداً على حقيقتهم وهم يرون أنفسهم أحرارا ( لا يسمعون ولا يعقلون ولا يسمحون للعقلاء الأحرار أن يهدوهم سبل الحرية ) لأنهم يعلمون يقيناً بأن صاحب العقل سيقول لهم كونوا أحراراً فتترجمها عقولهم كونوا كفاراً و تخلصوا من ساداتكم وحطموا تراثكم وتمردوا على أنفسكم وهذا مالا يمكن أن تتقبلها عقولهم ، هذه إيحاءات شيطانية كما قيل لهم من قبل ، وبما إنهم وجب عليهم شرعاً تجنب الشيطآن فأصبح لزاماً عليهم عدم الإستماع لصاحب الوعي ، فالإنسان الذي يتحدث بلغة الحرية وبلغة العقل فهو الشيطان بنظر هؤلاء . . إذا كان دعاة الحرية فعلاً هم الشياطين ، فتحية إجلال للشيطان على ما صنعت يداه من كرامة وعلو وتقدم وتطور تكنلوجي للناس ماعجزت عنه يد العباد الذين يظنون بأنهم عباد الله الصالحين .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *