يمكن القول بأن أعظم خطة ذكية مختصرة وغير مكلفة اعتمدها أخيرا الغرب خصوصا انكلو-أمريكا وإسرائيل في إنهاء السلطة البعثية العنصرية الدكتاتورية الفاسدة في سوريا, ولكن بخيار مر إضطراريا عبر دفعهما لمجموعات هيئة تحرير الشام المصنفة غربيا وأمميا على قائمة الإرهاب، وذلك بالمقارنة مع تدخلهما العسكري الباهظ الثمن عتادا وتضحية في حروب حرية العراق وأفغانستان وليبيا سابقا.
حيث توصل هذا الغرب على مدار العقدين الأخيرين /في سعيه إلى مناصرة تيار الديموقراطية والحريات في المنطقة/ إلى نتيجة مفادها، أنه رغم ذلك يرى بالأخير سيطرة التيار الاسلاموي على السلطة وذلك لأن القوى المعارضة الديموقراطية المدنية في الشرق الأوسط غير مستعدة للتضحية والشقاء يعني هي تحب الحياة بشكل مفرط ولا تريد أن تغامر بحياتها من أجل ذلك، بينما الغرب يذكر بأن نخبه وشعوبه يحبون الحياة ويفهمونها أكثر بكثير، لكنهم يضحون وقت اللزوم من أجل مصالحهم وأهدافهم النبيلة، لذلك أصبح هو يتبع عند اللزوم في الشرق الاوسط سياسة أكثر ذكاءا واختصارا وأقل تكلفة، وهي فقط تقديم بعض اللوجستيك ومن ثم ليكسر الفخار بعضو، أي عندما يرى أن الوضع استلزم والوقت قد حان فيتصرف براغماتيا وليضرب الاسلامويين بالسلطات الفاسدة او العكس بالعكس.
وقد طبق هذا تماما في الحالة السورية بعد أن تفاجأ بأخطر حالة توصلت لدى اسرائيل/سقوط أكثر من ١٥٠٠ صاروخ شيعي عليها/، ولولا ذلك فقد كان الغرب تخلى عن فكرة تغيير النظام في سوريا منذ ٢٠١٣ وذلك لأنه وجد البديل اسلاموي ولم يكن وقتها مهتما كثيرا بالتغيير مثلما في الأشهر السابقة للسقوط، هنا كان الدور التركي ثانويا جدا، بل أن بريطانيا وأمريكا وإسرائيل هم الذين حسموا الأمر وعملوا على تهيئة سريعة لعوامل اسقاط تلك السلطة:
تحذير أحمر من تحت الطاولة لإيران من مغبة مساعدة النظام هذه المرة وإلا الهجوم عليها، التفاهم مع روسيا وفق صفقات معينة بخصوص اوكرانيا وغيرها، إنذار بضرب اسرائيل لقوات حزب الله إن تدخلت لمساعدته، شراء عدد من الضباط السوريين واختراق الاتصالات العسكرية السورية، ومن ثم دفع بقوات جولاني إلى المسير نحو دمشق.
فالغرب قد إضطر الى هذا الخيار المر وذلك كما ذكرت لعدم توفر القوى الديموقراطية المدنية العلمانية المستعدة للشقاء والمغامرة والتضحية بسبب حبها الهائل للحياة، هنا يجدر الذكر بأن الغرب أراد في البداية الاعتماد ودفع قوات قسد العلمانية نحو دمشق، لكنه تخلى أخيرا عن ذلك لسببين: اولا كون قسد متحالفا مع الغرب وفي هذه الحالة سيظل المسلمون يذكرون بأن الغرب هو الذي قد أسقط النظام كما حدث في أفغانستان والعراق وليبيا وما ينتج من هذا عواقب كثيرة، ثانيا كون الكثير من السنة غير راضين عن قسد، وبالتالي هكذا حدث الذي حدث والمهم جدا أن انتهينا مبدئيا كمرحلة أولى من تلك السلطة البعثية المجرمة العنصرية والتي دامت بالنهب والظلم والتمييز العنصري ٦١ سنة، والآن أصبح الجو أكثر تهيئة للقوى والنخب الجماهيرية السورية للمطالبة الجريئة” بالكمالة” أي باحداث التغيير الديموقراطي المنشود كمرحلة ثانية والغرب سيساند بالتأكيد هذا المسعى المشروع.
فإلى المزيد من التسخير والنشاط والتجمع لهذه القوى، وإلا يمكن أن تظل سوريا منكوبة لعقود مظلمة أخرى !