استوقفتني هذه الآية القرآنية ( يا أيها الذين أمنوا أتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) فتساءلت مع نفسي من هم الصادقون ؟ وكيف أكون مع الصادقين إذا كان الصادقون هم أعدائي في الدين وفي الوطن ؟ والكاذبون هم أخواني في الدين والوطن ، أخواني في الدين والوطن يدخلون المعارك بغباء فينهزمون بشكل مخزي ثم يكذبون ويقولون نحن منتصرون ، أخواني في الدين والوطن يسرقون أموالي ويهددون حياتي ويحرموني أنا وعائلتي من ملذات الحياة ويريدونني أن أعيش حياة القطيع كالبهائم ولم يكونوا معي يوماً صادقين في أي شيء بينما الأمان والعزة والكرامة والصدق أجدها عند أعدائي في الدين والوطن ، هل هذه الآية جاءت لتجعلنا نتبرأ من أخوتنا في الدين والوطن أم نتستر عليهم لأننا تعودنا الكذب ولأننا تعودنا أن تكون الأخوة الكاذبة فوق الصدق ؟ . فليكن همنا الصدق ، أين نجد الصدق ؟ أنظروا إلى التأريخ كله كذب وتزوير ، روايات مزورة ، أحاديث مزورة ، أحداث مزورة ، أنظروا إلى القادة والساسة والمسؤولين الكذب يسري في دماءهم حتى مماتهم ، الكذب يحيط بهم من كل الاتجاهات . . أما هؤلاء الصادقون الذين هم في حساباتنا الدينية والقومية والوطنية أعداء لنا ، لم يصبحوا صادقين بالصدفة ولا بغفلة من الزمان ولكنهم مروا بتجارب مريرة فعرفوا السر في النجاح هو الصدق مع النفس والصدق مع الناس والصدق في العمل ، الصدق في الدين ، الصدق بالمشاعر ، الصدق مع الحياة في كل جوانبها حتى التعامل مع الحيوانات والنباتات والبيئة تعامل صادق . عرفوا بأن الصدق يذيب الكراهية ويصفي القلوب ، فقد أكتشفوا سر النجاح بالحياة مع الصدق قبل أن يكتشفوا أسرار العلم والمعارف والتكنولوجيا فقد تطورت قلوبهم قبل أن تتطور عقولهم ، فالصدق هو الطريق إلى الخير والنجاح والتوفيق . مجتمعاتنا نبذت الصدق وطلقته فظنت بأن الكذب والدجل سيقودها إلى النجاح والخير لقد ضلوا الطريق وأضلوا من وثق بهم وسار بدربهم . . . هناك حقيقة صادمة يجب الإعتراف بها إلا وهي بأن الموروثات الأخلاقية السيئة التي نتعامل بها ومنها عدم الصدق نابعة من ثقافاتنا التي نعتز ونتفاخر بها ونباهي بها الأمم . . . أضحكتني المقولة المنسوبة إلى التنويري محمد عبده أو جمال الدين الأفغاني الذي سألوه عند عودته من باريس بعد إكمال دراسته و أبحاثه ، فقالوا له كيف وجدت الغرب ؟ فأجابهم وجدت الأسلام ولم أجد المسلمين وفي مجتمعاتنا وجدت المسلمين ولم أجد الإسلام ، أقول لمحمد عبده أنت كاذب أيضاً بتصريحك هذا ، فلم تتحرر من الكذب كما كنت قبل سفرك ولم تستطع التخلص من عاهة الكذب ، كان عليك أن تقول هؤلاء هم الصادقون من غير دين وعندنا هم الكاذبون بوجود الدين ولا تجعل الإسلام والمسلمين مقياسك لتكذب كمن سبقك بالكذب ، لم تتعلم شيئاً خلال رحلتك لأنك لم تتعلم الصدق . العيب الكبير يبدأ بعدم فهم مفهوم الصدق ، الصدق ليس دين ، الصدق نقاوة بالقلب قبل أن تتحول إلى اللسان والى الفعل ، فما أجمل الحياة عندما يكون الوسط الذي نعيش فيه وسط صادق ، مجتمع صادق ، قوانين صادقة ، مسؤولين صادقين ، تجار صادقين ، أطباء صادقين رجال دين صادقين والخ . فهذا الشيء سيغنينا عن كل المعتقدات التي نتبجح بها ليل نهار ، مرة نلوم معتقداتنا ومرة نلوم أنفسنا والكذب باق في حياتنا .