في جولة مفاوضاتٍ جديدة تُعقد في العاصمة الإيطالية روما، تلتقي الولايات المتحدة وإيران مرةً أخرى لمحاولة إحياء الاتفاق النووي، وسط تحذيراتٍ من تداعيات فشل هذه المحادثات على استقرار منطقة الشرق الأوسط، وتوصف هذه الجولة بأنها “محاولةٌ أخيرة” لتفادي تصعيدٍ خطير قد يقود إلى مرحلةٍ غير محسوبة العواقب، وتثير هذه المفاوضات تساؤلاتٍ جدية حول قدرة الطرفين على تجاوز الخلافات العالقة والتوصل إلى تسويةٍ متوازنة ترضي جميع المعنيين.
تُعد العقوبات الأمريكية الصارمة على طهران إحدى أبرز العقبات في طريق التفاهم، إذ تطال هذه العقوبات قطاعاتٍ حيوية مثل الطاقة والبنوك، وهو ما أثقل كاهل الاقتصاد الإيراني، وفي المقابل، تصر إيران على أن برنامجها النووي مخصصٌ للأغراض السلمية، في حين تشكك الولايات المتحدة في هذه النوايا، مستندةً إلى تقارير دولية تؤكد أن طهران تواصل تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، وهي نسبةٌ تقترب من حدود الاستخدام العسكري.
تضغط الولايات المتحدة عبر سياسة العقوبات، مدعومةً بمواقف حلفاء إقليميين كالسعودية وإسرائيل، اللتان تبديان قلقاً متزايداً من تعاظم النفوذ الإيراني في ملفاتٍ إقليميةٍ شائكة مثل اليمن ولبنان، وعلى الجانب الآخر، تسعى إيران إلى تعزيز نفوذها الإقليمي من خلال دعم حلفائها في المنطقة، وتطوير تقنياتها النووية بشكل متسارع، ما يجعل المفاوضات تدور في دائرة معقدة من تبادل الضغوط.
في الداخل الأمريكي، يسود انقسامٌ سياسيٌ بشأن المفاوضات، حيث يؤيد بعض أعضاء الكونغرس خيار التفاوض كوسيلةٍ لتقليل التوتر، بينما يرى آخرون أن تشديد العقوبات هو الطريق الأمثل لردع طهران، أما في الداخل الإيراني، فثمة تباينٌ واضحٌ بين من يرى في المفاوضات فرصةً لإنقاذ الاقتصاد المتأزم، ومن يرفض تقديم أي تنازلاتٍ ما لم تقترن بضماناتٍ قويةٍ وملموسة.
تتفاقم التحديات أيضاً بسبب الأوضاع الإقليمية المتوترة، خاصةً مع استمرار الهجمات على ناقلات النفط في مياه الخليج، وهي أحداثٌ تُعقد جهود الوساطة التي تقودها أطراف دولية تحاول الحفاظ على مساحة للحوار بين الجانبين.
وتتراوح سيناريوهات المستقبل بين ثلاثة احتمالاتٍ رئيسية، أولها التوصل إلى اتفاقٍ شامل يضمن رفع العقوبات تدريجياً مقابل تقليص إيران أنشطتها النووية وتعهدها بعدم دعم اذرعها المسلحة في المنطقة، مع تطبيق نظام رقابةٍ دوليٍ صارم، وثانيها اتفاقٌ جزئيٌ يكتفي بتجميد تخصيب اليورانيوم مقابل الإفراج المحدود عن الأموال الإيرانية المجمدة، أما الخيار الثالث، فهو انهيار المفاوضات بالكامل، مما قد يفتح الباب أمام تصعيدٍ عسكريٍ محتمل، لا سيما مع التصريحات المتكررة حول استعداد بعض الدول لشن ضرباتٍ استباقيةٍ ضد المنشآت النووية الإيرانية.
في ضوء المعطيات الحالية، تبدو فرص نجاح مفاوضات روما محدودة ما لم تُبدِ واشنطن مرونةً في ملف العقوبات، وتقابلها طهران بخطواتٍ ملموسةٍ على صعيد ضبط التخصيب النووي والتهدئة الإقليمية، غير أن الحسابات السياسية المعقدة لدى الطرفين، والضغوط من الحلفاء، تجعل من الاتفاق الشامل أمراً صعب المنال في هذه المرحلة، وإذا استمر العناد المتبادل، فإننا أمام لحظةٍ فاصلة قد تعيد خلط أوراق المنطقة وتفتح الباب أمام مواجهة لا يريدها أحد، لكنها تظل احتمالاً قائماً.