أكد أهالي السويداء أن نزع السلاح منهم ومن أي مكون اجتماعي آخر في سوريا غير ممكن ما لم تتوفر بيئة سياسية عادلة وضامنة لحقوقهم ، إلى جانب إجراء حوار وطني جامع يبني مشروعًا حقيقيًا يتجمع حوله جميع السوريين.
وقال مالك أبو الخير، الأمين العام لحزب اللواء السوري، في تصريح للمرصد السوري لحقوق الإنسان، إن الجنوب السوري، وبالأخص منطقة جبل العرب ، يعيش حالة من صراع البقاء لا يمكن التقليل من خطورتها. وأضاف أن الحديث عن تسليم السلاح في ظل هذه الظروف هو حديث غير واقعي ولا يعكس قراءة مسؤولة للمشهد الميداني أو المنطق الوطني.
وأوضح أبو الخير:
“لا يمكن المطالبة بنزع سلاح أي طرف دون توفر بيئة سياسية عادلة وشاملة. الحكومة الحالية برئاسة أحمد الشرع لم تقدم أي مشروع حقيقي للتشارك السياسي يطمئن مختلف المكونات السورية على مستقبلها ومكانتها في الدولة الجديدة. ما تم تقديمه تحت اسم “الإعلان الدستوري” جاء مفصلاً على مقاس جهة واحدة هي هيئة تحرير الشام سابقاً، واستُثنيت منه كل المكونات الوطنية الأخرى، بما فيها العلويون والدروز والأكراد والسنة المعتدلون والأحزاب الوطنية المستقلة”.
وأشار إلى أن هذا الإعلان يُنظر إليه في الجنوب على أنه محاولة لإعادة إنتاج السلطة الأحادية ولكن بلغة مختلفة، تقصي الآخر وتسعى لبناء دولة لا تعترف بالتعددية ولا الحقوق المتساوية.
وأضاف أن هناك شرخاً عميقاً بين الحكومة المؤقتة وسكان جبل العرب، وقد فاقمته سلسلة من الانتهاكات التي لم تُدان أو تُحاسب عليها السلطات. وبدأ هذا الشرخ منذ أحداث الساحل، حيث وثّق المجتمع الدرزي سلوكًا طائفيًا منظمًا من قبل مجموعات مسلحة كانت تعمل مع الحكومة، وتكرر ذلك في جرمانا وصحنايا، حيث وقع حالات تعذيب أدت إلى الموت، مثل حالة الشهيد مهران السلامي الذي سُلم جثمانه مشوهاً دون محاسبة أي جهة رسمية.
ولفت أبو الخير إلى أن الإعلام المرتبط بالحكومة لم يُدن هذه الانتهاكات، بل بررها بنفس الخطاب الذي كان يستخدمه النظام السابق ، وهو ما يرسل إشارات واضحة إلى أن الحكومة لا تريد المصالحة، بل تمارس نوعاً من “الطرد الرمزي” لكل من يبحث عن عدالة حقيقية.
وأكد أن الحديث عن تسليم السلاح يأتي في وقت تتعرض فيه مدينة السويداء لاعتداءات متكررة من جماعات تكفيرية ، بينما الحكومة نفسها تعترف بأنها غير قادرة على ضبطها أو ردعها. وأضاف:
“كيف يُطلب من الأهالي أن يسلموا سلاحهم في لحظة انكشاف أمني كامل؟ ليصبحوا تحت رحمة تلك الميليشيات الخارجة عن القانون؟”
وتابع أن ثقة المواطنين قد هُزّت بعدما أصبح واضحًا أن جزءًا من تركيبة الحكومة الجديدة يضم شخصيات تحمل خطابًا تكفيريًا واضحًا ، كما يظهر من خلال العديد من الفيديوهات والتصريحات الرسمية والإعلامية الصادرة عنها. وأشار إلى أن هؤلاء لا يتحدثون بلغة الدولة المدنية، بل بلغة “الغلبة”، والإقصاء، واستدعاء الإسلام السياسي كغطاء للحكم، وهو ما يشكل تهديداً وجودياً ليس فقط للدروز بل لسوريا كلها.
وحول الحوار مع دمشق، قال أبو الخير:
“نحن لسنا ضد أي حوار وطني شامل، لكننا نرفض الحوار الذي يقوم على الإملاء أو المقايضة على الحقوق. إذا كان هناك حوار، فليكن وفق مرجعية واضحة تضمن وحدة سوريا وعدالة مؤسساتها، ومحاسبة المتورطين في الانتهاكات، وفوق ذلك إعادة الاعتبار للمواطن السوري كعنصر فاعل لا تابع.”
وفيما يتعلق بالتدخل التركي المتزايد، أكد أن تركيا بدأت تفرض نفسها بشكل شبه رسمي في المشهد السوري، عبر تصريحات مباشرة من وزرائها، وهو أمر يهدد استقلال القرار السوري ويضع البلاد أمام خطر التبعية السياسية والاقتصادية.
وبخصوص الحديث عن الحكم الذاتي، قال إن فكرة الحكم الذاتي تُناقش شعبيًا في السويداء نتيجة الشعور بالتهميش، لكنها لم تُطرح كخيار رسمي من قبل أي من القيادات الروحية أو السياسية الرئيسية، خاصة الشيخ حكمت الهجري ، الرئيس الروحي للطائفة الدرزية، الذي يؤكد على مبدأ اللامركزية في إطار الوحدة السورية .
وأكد أن حزب اللواء السوري يرى أن الحل لا يكمن في الانفصال أو التجزئة، بل في مشروع وطني جامع يعيد صياغة الدولة السورية كدولة قانون، مدنية، متعددة، ضمن حدودها الموحدة. واقترح تنظيم مؤتمر وطني سوري جامع لصياغة عقد اجتماعي ودستوري جديد يُنتج دستورًا جديدًا، ثم نظامًا قانونيًا ومؤسساتيًا قويًا، وبعد ذلك يُناقش شكل الدولة – سواء فدرالي أو لا مركزي – ضمن إطار السيادة الوطنية.
وشدد على أن السويداء لم تكن يومًا عبئًا على سوريا، بل كانت من أوائل المناطق التي انتفضت ضد الظلم والاستبداد، ورفضت المشاركة في انتخابات النظام البائد، وعند سقوط نظام بشار الأسد، أعلنوا بصوت واحد أن سوريا الجديدة يجب أن تُبنى على أساس الشراكة، لا الإقصاء.
وأشار إلى أن الحكومة الحالية، بدلاً من التعامل مع الموقف الوطني للسويداء بالحوار، لجأت إلى التحريض والتخوين ، وكررت نفس الاتهامات القديمة مثل “التواصل مع إسرائيل” و”الانفصال الطائفي”، وهي تهم تُستخدم كذريعة لتحريك التحريض الطائفي والمطالبات الجهادية بإبادة المكون الدرزي.
وأردف قائلاً:
“إن رفضنا للتهميش ليس رفضاً للدولة، بل هو رفض للعودة إلى مربع الاستبداد، وإن تمسكنا بحقوقنا ليس دعوة للانفصال، بل تمسك بوطن يتسع للجميع.”
وفي الختام، وضع أبو الخير مجموعة من الشروط التي يمكن بموجبها النظر في تسليم السلاح وإيقاف التوتر :
- الاعتراف بأن ما جرى في السويداء كان موقفًا وطنيًا شريفًا وليس تمردًا.
- وقف كل حملات التحريض الإعلامي والسياسي والديني ضد الجبل.
- الاعتذار الرسمي عن الترويج لمقاطع مفبركة كانت تهدف لإشعال الفتنة الطائفية.
- إطلاق عملية دستورية جديدة بمشاركة وطنية شاملة، تبدأ بعقد مؤتمر وطني سوري جامع لإنتاج دستور جديد.
- بناء جيش وطني حقيقي يمثل جميع السوريين.
- ضمان تمثيل حقيقي لكافة المكونات في مؤسسات الدولة، على أساس الكفاءة والولاء الوطني.
وختم حديثه بالقول:
“إذا أرادوا من الدروز العودة إلى كنف الدولة، فلتكن دولة قانون، لا دولة مصالح. دولة مواطنة، لا دولة هيمنة. دولة للجميع، لا لفئة مغلقة. حينها فقط يمكن الحديث عن تسليم السلاح، لأن لا شيء يُخشى عليه حينها.”