إستيعاب المقاومة السلمية- د. عبدالباقي مایی

 

٢٨\٥\٢٠٢٥

ماذا بعد وضع السلاح جانبا” وحل التنظيم المسلح الذی أعلنه رئيس حزب العمال الكوردستانی في 27 فبراير/شباط 2025 ؟

هذا سؤال نجده علنا فی مجمل شبكات التواصل الإجتماعی المهتم بالقضية الكوردیة وعلى صفحات كافة الجرائد والمجلات الشعبية فی كوردستان وكذلك فی أدبیات جميع التنظيمات السیاسیة التي تدعی بالإنتماء الكوردی سواء” فی داخل كوردستان أو خارجها من حوارات وندوات عامة أو تحليلات سیاسیة مختلفة، حیث یجد الجمیع حاجة إلی التعبير عن الرأي المبني عادة علی الجهل و الإزدواجیة و الخوف من المجهول.

أما مایجری خلف الكوالیس من مشاورات و مفاوضات و مؤامرات للتعامل مع الوضع الجديد بعد تحول النضال المسلح إلی مقاومة سلمية فلا حول لنا ولا قوة للتعرف عليها أو إدراكها أو التعامل معها لا من قبل عامة الشعب ولا من أفراد هذا المجتمع الجماعی بطبيعته الإجتماعیة الأصيلة أو فی تفكيره العشائري والدینی والتقلیدی بعيدا عن الحقوق الفردية من حریة التعبير والمشاركة والإستقلال الذاتی لدی تلك المجموعات الفردية فی تطورها الإجتماعی أو تحررها الفردی فی تكوین الشخصية السليمة المتمكنة لإستیعاب التحول الإجتماعی السريع والتمتع بحقوقه كفرد واع لشخصيته السليمة وتحمل مسۆلیته التأریخیة للقيام بالواجب الذی تفرض عليه الظروف الجدیدة التي أتی بها هذا التحول الإجتماعی السريع والتطور النوعي للكفاح والنضال والمقاومة من كفاح مسلح عريق إلی نضال مستمر من أجل الحریة والإستقلال ولكن بصورة سلمية بعيدا عن حمل السلاح.

عندما نلقى نظرة نفسیإجتمعیة إلی الوضع الراهن فی كوردستان بعد إعلان المسيرة السلمية المرحبة بها من الجميع كوردستانیا وأقلیمیا وعالمیا، نجد قلقا عاما علی جميع المستويات من سیاسیة وإجتماعیة، فردية كانت أو جماعیة، ينبع من عدم قابليتها علی إستیعاب الواقع الجديد المفروض عليها من الخارج. فالشعوب التي تعيش الآن علی أرض كوردستان ليست فی حالة نفسیإجتماعیة ملائمة لهذا التطور االسریع لكون المقومات والمستلزمات التي ترافق هذا التطور غیر مناسبة لهذه الشعوب التي لازالت تقدس الأموات بما ضحت به من دماء، وتطیع الأشخاص وفق الحسب والنسب و تدور فی حلقات دینیة أو سیاسیة أو إجتماعية بعيدا عن العلم والمعرفة والتمدن والحضارة، لأن معظم ما یعیش عليه هۆلاء عبارة عن مواد إستهلاكیة مستوردة من خارج مجتمعاتها وهی صادرة من شعوب ناضجة متطورة وفق مقاییس العلم الحدییث و قد صنعت منتجاتها بأیدیها وفق حاجاتها وهم بذلك يفهمون كیفیة صناعتها وإستعمالها بصورتها الصحیحة والمفيدة لهم وليس للشعوب المتخلفة كالتی تعيش حاليا علی أرض كوردستان من سلطات محتلة وشعوب مضطهدة تحت ظلم هذه السلطات. فلیس من الغریب إذا أن یستمر التخلف سائدا فی هذه الشعوب نتيجة للظلم والتعبد والاستغلال. ولا من العجب أن تستمرإتكالیة  هذه الشعوب علی منتجات الشعوب المتقدمة التی ماهی إلا مخلفات الاستعمار والإمپریالیة المعاصرة التی لازالت تعيش علی ثروات كوردستان وتستغل تخلف شعوبها. فتبقى عقلية هذه الشعوب متلازمة مع القيم والأخلاق التی ورثتها من الثقافة المستوردة من الخارج بما فيها من إستغلال وإستعباد وإستفزاز وإحتقار وصلت فی السنوات الأخيرة إلی إعتبار كل محاولة للتحرر إرهابا والمعاملة مع كل حركة إستقلالية بأعتبارها انفصالا يهدد “أمنهم القومی”.

فی ظل هذه المعادلة النفسیإجتماعیة المذلة لشعوب كوردستان قامت الحركات التحرریة فی كوردستان فی جميع مراحلها للدفاع عن أرضها وأهلها محاولة منها للعيش فی حریة وعزة وكبرياء ولكنها دحرت من قبل الاحتلال لكونها استعملت نفس الوسائل والآلات والمود التی استعملتها سلطات الإحتلال فی الإستیلاء عليها فكانت النتيجة لصالح سلطات الإحتلال دائما لكون المعادلة غیر متكافئة بطبيعة الحال. فلا سبيل إلی التحرر من قيود الإستعمار بمحاولة إستعمال نفس القيود ضدها، ولا فائدة من تعلم القيم واللغات والعلوم المستوردة والمترجمة من مصادر سلطات الإحتلال، ولا بد لهذه الشعوب من أن ترجع إلی الإعتماد علی نفسها فی إدارة نفسها وتناول إنتاج وطنها وصناعة آلاتها وأدواتها بناء” علی ما ورثتها من آبائها وأجدادها وما زودتها الطبيعة من ثروات طبیعیة أصیلة وخصبة و نقیة وصحیة وفق جميع مقاییس العلم الحديث.

السلم، والسلم فقط، هو الأسلوب الصحیح لمعاملة المعتدي المحتل ومقاومته من أجل طرده من أرض كوردستان إذا إستمر فی الإحتلال و الإستغلال والحرب والتدمیر. فهو ضعیف فی إستعمال السلم وسيلة للإحتلال، أما شعوب كوردستان فهم أقوياء فی تبنى السلم فتضمن النصر دون شك عندما تعتمد علی نفسها فی الإكتفاء الذاتی وذلك بإستعمال آلاتها وأدواتها من مصادرها الطبیعیة الأصیلة من غزارة مياهها و خصوبة أراضيها و كثرة ثرواتها و إرثها الغني بخبرات الأمهات والآباء وتكون بذلك قد قامت شعوب كوردستان بإستیعاب مسيرة السلام وتبنیها نحو التقدم والازدهار.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *