تركيا والكورد في مفترق الطرق – بوتان زيباري

في ظل الرياح المتقلبة للسياسة الإقليمية، يعيدنا الحديث عن الوضع التركي الكوردي إلى نقطةٍ حرجة تلتقي فيها المصالح والأزمات. كانت المفاوضات بين أنقرة وحزب العمال الكوردستاني، وكذلك مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، تمضي في مسار شبه متفق عليه، يهدف إلى حل المسائل العالقة مع الكورد من جهة، وفي الوقت ذاته تحقيق مصالح تركيا الاستراتيجية في سوريا. لكن، كما هو الحال في كل تجاذب سياسي، ما يلبث أن تنقضّ فجأة عناصر جديدة تعكر صفو التفاهمات وتعيد توازنات القوى إلى نقطة البداية.

بدأت الأمور تسير في اتجاه إيجابي حينما تم التوصل إلى تفاهمات حول حزب العمال الكوردستاني، والتي بموجبها كان من المتوقع أن ينهي الحزب وجوده المسلح، مقابل ضمانات تركية بعدم التدخل في الشؤون السورية للكورد، وتقديم حكم ذاتي لهم في شمال شرق سوريا. لكن في الأيام الأخيرة، ومع عودة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من قمة الدول التركية في المجر، هبت رياح التوترات مجددًا، حينما أعلن عن موقفه الحاد، مطالبًا دمشق بتنفيذ الاتفاق مع مظلوم عبدي قائد قسد، في ظل تهديدات بتدخل الجيش السوري. تصريحات أردوغان كانت بمثابة الشرارة التي أشعلت الجدل حول إمكانية استمرار هذه الاتفاقات، وهو ما يعكس، كالعادة، عدم التزامه بتعهداته.

ما يثير القلق بالنسبة لتركيا هو أن حزب العمال الكوردستاني لم يلقِ سلاحه، بل نقل مقاتليه من جبال قنديل إلى شمال سوريا، حيث انضموا إلى وحدات الحماية الكوردية (YPG). هذا التحول يعني أن حزب العمال الكوردستاني لم يلتزم بالحل، بل غيّر مكانه وأسلوبه، مما يعزز المخاوف التركية من تصعيد جديد قد يعيدهم إلى المربع الأول بعد عقود من الصراع.

في المقابل، يتهم حزب العمال الكوردستاني تركيا بتعطيل الحلول، ويؤكد أن أنقرة لم تلتزم بتعهداتها بالإفراج عن عبد الله أوجلان، زعيم الحزب المعتقل. هذا الانسداد في المفاوضات يزيد من تعقيد الأمور ويزيد من حالة الشك المتبادل بين الأطراف، إذ تتنقل التقارير التركية والسورية عن خيبة أمل أردوغان من المماطلة السورية في تنفيذ الاتفاقات.

إضافة إلى ذلك، فإن المفاوضات الإسرائيلية التركية حول التنسيق في سوريا بدت أقل تطورًا مما كان مأمولًا. العلاقة بين أنقرة وتل أبيب تزداد تعقيدًا، خصوصًا في ظل التقارب السريع بين دمشق وتل أبيب، وهو ما يجعل أنقرة تشعر بالعزلة في المعادلة السورية. التطبيع بين دمشق وتل أبيب، على الرغم من أنه لم يُعلن رسميًا، يثير قلقًا في تركيا، التي ترى أن إسرائيل هي الحليف الرئيس لقسد، والتقارب بين إسرائيل ودمشق قد يفتح المجال لتوسيع النفوذ الإسرائيلي في شرق الفرات.

أما في سوريا، فالمشاهد تتعدد. الرئيس السوري أحمد الشرع يواصل فرض شروطه، ولكن هناك من يرى أن المفاوضات مع قسد ربما تحتوي على بنود سرية قد تضر بمصالح دمشق، خصوصًا فيما يتعلق بمطالب واشنطن. وقد سعى أردوغان إلى استخدام هذه الأزمة لإثبات موقفه، بل وتهديده بإنشاء قواعد عسكرية تركية في سوريا لضمان حماية مصالح بلاده، وهو ما يعكس مدى قلقه من احتمال تدهور الوضع.

أما المبعوث الأمريكي الجديد إلى سوريا، توماس باراك، فتصريحاته الأخيرة حول سايكس بيكو وحدود المنطقة تثير تساؤلات عميقة. باراك يشير إلى أن الدول في المنطقة هي من سيتخذ قراراتها، وهو ما قد يعني دعوة ضمنية لإعادة رسم خرائط المنطقة، دون أن تقتصر الجغرافيا على المواقف السياسية التقليدية. هذا التصريح يحمل في طياته تساؤلات عن احتمال تغيير التحالفات وتقسيم المنطقة بين القوى السنية والشيعية، وهو ما يعزز من مخاوف الجميع حول مستقبل المنطقة.

وفيما يتواصل هذا التحول، تبقى الأسئلة قائمة: هل ستتمكن تركيا من تجاوز هذه العقبات وفرض إرادتها في سوريا؟ وهل ستنجح المفاوضات مع الكورد في خلق أرضية مشتركة بعد هذا التوتر؟ أم أن هناك تطورات أخرى على الأفق، حيث يستمر كل طرف في تعزيز مواقعه، سواء من خلال الحوار أو المواجهة؟ ما يبدو واضحًا هو أن السياسة الإقليمية تتسم بالمفاجآت، وأن أي خطوة خاطئة قد تقلب الطاولة بالكامل.

النقاش حول مستقبل العلاقات التركية الكوردية، وما يتعلق بالسيناريوهات المحتملة في سوريا، يظل مفتوحًا، في انتظار الأفق القادم الذي سيحدده التحالفات المتغيرة على الأرض.

بوتان زيباري

السويد

29.05.2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *