الرواتب تضع علاقات المركز والإقليم على حافة الهاوية- خيري إبراهيم كورو

في خطوة مفاجئة تعكس هشاشة العلاقة بين بغداد وأربيل، قررت وزارة المالية العراقية وقف صرف رواتب موظفي إقليم كوردستان، بذريعة تجاوز مخصصات الإقليم من الموازنة. هذا القرار لا يأتي من فراغ، بل يتناغم مع سياق سياسي ملبد تهيمن عليه فصائل شيعية موالية لإيران، تسعى منذ شهور لإعادة رسم حدود الصلاحيات والنفوذ بين المركز والإقليم، ولو كان الثمن لقمة عيش الناس.
وزيرة المالية، طيف سامي، التي دأبت منذ تسلمها المنصب على تأخير صرف الرواتب بحجج متغيرة شهريا، تجاوزت هذه المرة مرحلة التأخير إلى القطع الكامل، وكأنها تنفذ أجندة تهدف إلى خلق أزمة حقيقية. بينما يعيش مئات الآلاف من الموظفين وعائلاتهم تحت ضغط الانتظار والعوز، تستخدم حقوقهم الدستورية كسلاح سياسي في نزاع ليسوا طرفا فيه.
والأخطر من ذلك، أن هذا القرار يتجاهل حكما صريحا صادرا عن المحكمة الاتحادية العليا، يقضي بعدم جواز تأخير أو حجب رواتب موظفي الإقليم تحت أي ظرف أو ذريعة، ويؤكد على ضرورة فصل الملفات المالية عن التجاذبات السياسية بين الحكومتين. إن تجاهل هذا الحكم القضائي يعد انتهاكا لسلطة القضاء وتقويضا لمبدأ سيادة القانون، بل أقرب ما يكون إلى انقلاب صامت على الدستور.
ما يحدث ليس أزمة مالية عابرة، بل مؤشر خطير على استخدام أدوات الدولة لغايات الابتزاز السياسي، في تهديد مباشر لأسس الشراكة الوطنية. فالرواتب ليست منة من أحد، بل حق قانوني ودستوري، وحرمان الناس منها بهذا الشكل يفتح الباب أمام أزمات متلاحقة، تبدأ بتآكل الثقة وتنتهي بانفجار يصعب احتواؤه.
وإذا استمرت هذه السياسات، فإن علاقات المركز والإقليم لن تبقى على حافة الهاوية فقط، بل قد تنهار فعلاً، بما يهدد وحدة البلاد واستقرارها. والحل لا يكون بالاستعلاء والمكابرة، بل بالعودة إلى روح الدستور، واحترام قرارات القضاء، وضمان حقوق جميع المواطنين بعيدا عن صفقات السياسة وتوازنات النفوذ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *