واشنطن بوست: سوريا قد تتجه نحو حرب أهلية جديدة.. والجماعات المتطرفة تهدد الشرع وتعيد إنتاج الفتنة الطائفية

أفادت صحيفة “واشنطن بوست ” الأمريكية، في تقرير حديث لها، بأن الرئيس السوري أحمد الشرع يواجه تهديدات أمنية متزايدة من الجماعات المتطرفة ، مشيرة إلى أن سوريا قد تكون على حافة اندلاع حرب أهلية جديدة خلال أسابيع قليلة، إذا لم يتم التصدي لهذه الجماعات واحتواء الوضع الأمني المتفاقم .

وذكر التقرير أن الشرع، الذي يحاول تقديم نفسه كقائد جديد مفتوح على الغرب ومُلتزم ببناء دولة مدنية مستقرة، بدأ يتعرض لضغوط داخلية كبيرة من تنظيمات سنية متطرفة ترى فيه انحرافًا عن مشروعها السياسي والديني. وأشارت الصحيفة إلى أن الجماعات المرتبطة بتنظيم “داعش” وأخرى من ذات الخلفية الجهادية، بدأت باعتبار الشرع هدفاً للتصفية أو الإسقاط ، بعدما اتخذ خطوات لتبروزه كوجه سياسي لا يتبع خط الإسلام السياسي المتشدد .

الجماعات المتطرفة تستهدف السلم الأهلي.. والعلويون والدروز والمسيحيون في دائرة الاستهداف

ورأت الصحيفة أن الانقسامات الطائفية والسياسية التي تعيشها سوريا اليوم تشبه كثيراً ما كان عليه الوضع قبل عقد من الآن ، حيث شنّت جماعات متطرفة في مارس الماضي سلسلة اعتداءات دامية استهدفت مناطق العلويين في الساحل السوري، راح ضحيتها أكثر من 1300 شخص، بينهم 973 مدنيًا، في غضون أيام قليلة فقط .

كما أكدت أن المسيحيين والأقليات الأخرى، خصوصاً الدروز في جبل العرب (السويداء) ، يعيشون حالة من القلق الشديد نتيجة تصاعد العنف الطائفي والتحريض الإعلامي والسياسي المستمر ضدهم ، وهو ما يُعيد للأذهان المشاهد السوداء من سنوات الحرب الأهلية.

تكفير رسمي للشرع.. وفتوى من أبو محمد المقدسي

وجاء في التقرير أن أبو محمد المقدسي، أحد أبرز الفقهاء الجهاديين المعروفين بتغذية الفكر المتطرف في سوريا وخارجها، أصدر فتوى رسمية بتكفير الرئيس أحمد الشرع ، واعتباره “عدواً للدين وللمجتمع الإسلامي الحقيقي “، وذلك بعد سلسلة خطوات اعتبرها المتطرفون “تقرباً من الغرب ومن تركيا وإضعافًا للهوية الإسلامية للمقاومة السورية “.

وهذا القرار من المقدسي يُعد مؤشرًا خطيراً، ويُظهر أن الصراع في سوريا لم يعد سياسياً فحسب، بل هو صراع أيديولوجي، يستهدف إعادة إنتاج الحروب باسم الدين، وبإعادة تمثيل أدوار النظام السابق تحت غطاء جديد .

ردود فعل دولية.. وتحذير من انهيار شامل

من جانبه، حذر وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو من أن “سوريا أصبحت ساحة جديدة للجماعات الجهادية، وأن هناك مؤشرات واضحة على احتمال سقوط الدولة في فوضى كاملة، وربما في غضون أسابيع قليلة “، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد الدولي حول سوريا، خاصة مع تصاعد التوترات بين واشنطن وأنقرة حول طبيعة العلاقة المستقبلية مع دمشق.

وقال روبيو إن “الحكومة الجديدة برئاسة الشرع لم تتمكن بعد من بناء دولة قوية قادرة على فرض القانون، ومواجهة الجماعات الإرهابية، وبالتالي فإن الخطر كبير، والفراغ الأمني يُستخدم كوقود لإشعال نار الفتنة مرة أخرى “.

العلاقات التركية – الأمريكية تحدد مسار الشرع.. لكن المجتمع المحلي يرفض المشروع

رغم دعم كل من تركيا والولايات المتحدة للرئيس الشرع ، فإن الواقع الداخلي يقول غير ذلك، حيث لا يزال موقف الحكومة المؤقتة ضعيفاً أمام الجماعات المسلحة، كما أنها لم تقدم أي مشروع حقيقي للتشارك السياسي والاجتماعي مع المكونات غير الموالية، مثل الكرد والعلويين والدروز والمسيحيين .

وكان مالك أبو الخير، الأمين العام لحزب اللواء السوري ، قد صرّح لنورث برس أن “الإعلان الدستوري الأول الصادر عن السلطة الجديدة جاء مفصلاً على مقاس هيئة تحرير الشام سابقاً، واستبعد جميع المكونات الأخرى، مما زاد من شكوك هذه المجموعات بالمشروع الجديد، ودفع البعض إلى البحث عن خيارات بديلة، حتى لو كانت بعيدة عن الوحدة الوطنية “.

وأضاف أن “الحكومة الجديدة لم تختلف كثيراً عن السابقة في الخطاب الرسمي والتعامل مع المكونات، بل يبدو أنها تعيد إنتاج نفس النموذج، ولكن بوجه آخر، وتُمارس نفس السياسات من التهميش والإقصاء، لكن بأساليب أقل مباشرة، عبر التحريض والتخوين بدل السلاح المباشر “.

الدعوات للحوار الوطني تتزايد.. لكن الثقة مفقودة

يأتي هذا التصعيد في ظل تصاعد الدعوات من داخل سوريا وخارجها إلى “ضرورة عقد مؤتمر وطني جامع يضم جميع المكونات السورية، بما فيها المعارضة المعتدلة والمجتمعات المتضررة من الحرب “، لمنع تكرار أخطاء الماضي، وضمان بناء دولة مدنية حقيقية، تقوم على المواطنة المتساوية، وليس على الهيمنة الطائفية أو العسكرية.

لكن الخبراء يرون أن “الثقة السياسية والمجتمعية قد اختُبرت بشكل كبير، وخصوصاً بعد تصاعد التحريض الطائفي، وفشل الحكومة في إدانة الانتهاكات ضد المدنيين، أو محاسبة مرتكبيها “، وهو ما يجعل “أي مشروع وطني مقبل يحتاج إلى إعادة بناء من الصفر، وإلى ضمانات دولية وداخلية، لضمان عدم تحويل سوريا إلى دولة بلا مواطنين، أو وطن بلا شعب “.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *