جماعات جهادية ترفض الشرع وتتهمه بالردة.. وجدل فكري بين المنظرين حول مشروعه السياسي الجديد

بدأت أصوات رافضة للرئيس السوري أحمد الشرع تظهر من داخل الجماعات الجهادية، خارج إطار الدولة الجديدة، في مؤشر على تصاعد التوترات الأيديولوجية والسياسية بين التنظيمات المتطرفة وحكومة دمشق المؤقتة.

ومن أبرز الجهات التي عبرت بشكل صريح عن هذا الرفض هي “سرايا أنصار السنة” ، التنظيم الجديد الذي ظهر بعد سقوط نظام بشار الأسد، والذي ما يزال غامضاً في تركيبته وهيكليته التنظيمية. ويبدو أن هذه الجماعة تعتمد في نشاطها على قنوات مغلقة في تلغرام ، وتبنّت خطاباً شديداً في التكفير والتهديد ، دون أن تُقدّم حتى الآن أي وجود ميداني واضح أو عمليات عسكرية ملموسة.

سرايا أنصار السنة: من الخلفيات المجهولة إلى الخطاب العقائدي الحاد

في بيان حديث نُشر على قناة الجماعة في “تلغرام”، وجّه “أبو الفتح الشامي” ، الذي يُقدَّم كمسؤول شرعي للتنظيم، اتهامات صريحة لرئيس الحكومة السورية أحمد الشرع بالكفر والردة ، مشدداً على أن الشرع “لا يمثل فقط خصماً سياسياً، بل هو عدوٌ عقائدي يجب مقاومته فكرياً وعسكرياً “.

وجاء في البيان استخدام لغة متطرفة تعيد تصنيف الحكومة الجديدة برئاسة الشرع بأنها “عدو ديني” ، وليس مجرد خصم سياسي، وهو ما يشير إلى نوايا التنظيم لإعادة إنتاج خطاب التطرف تحت مسمى الدين .

كما أعلن التنظيم أنه “سيصعّد ضرباته في جميع المحافظات السورية، وكذلك في طرابلس اللبنانية التي سبق وأن أعلن عنها كمنطقة نفوذ له “، لكنه حتى اللحظة لم يُقدّم أي أدلة على تنفيذ عمليات ميدانية، مما يجعله في إطار التحريض الفكري أكثر من كونه تهديداً عسكرياً فعليًا.

انقسامات جهادية.. «القاعدة» ضد «تحرير الشام»

يرى المراقبون أن هذا الخطاب يعكس استمرارية الانقسام التاريخي بين تيار «القاعدة التقليدي» وتيار «هيئة تحرير الشام» ، الذي قاده الشرع. وقد عاود هذا الانقسام الظهور بوضوح بعد اللقاءات التي أجراها الشرع مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، والتي اعتبرها عدد من المنظرين والمجموعات الجهادية “خيانة للثوابت الإسلامية “.

ومن أبرز الشخصيات التي عبّرت عن رفضها الصريح لسياسات الشرع:

  • خالد أبو قتادة الأنصاري ، القيادي السابق في تنظيم “حراس الدين”، وجه انتقادات لاذعة لما وصفه بـ”الانحراف عن النهج الإسلامي الصحيح “، واتهم الحكومة الجديدة بالانخراط في “محاباة الغرب ودولة الكفر “، معتبراً أن “الانفتاح على أمريكا وإسرائيل يُفقدها المشروعية الدينية “.
  • سامر العلي (أبو عبيدة) ، الشرعي السابق في “جبهة النصرة”، وصف الشرع بأنه “مرق عن المنهج “، وأشار إلى أن “الانخراط في الحل السياسي مع الغرب يُضعف هيبة الثورة ويجعلها أداة بيد القوى الخارجية “.
  • جدل فكري بين المنظرين الجهاديين

خارج سوريا، انضم إلى دائرة النقد أبو عبد الله الشامي ، أحد الأفكار البارزة في الساحة العراقية، الذي اعتبر أن “التحولات التي يقودها الشرع تمثل انحرافاً جذرياً عن مشروع الجهاد الحقيقي، وأن الحديث عن الدولة المدنية أو المواطنة هو محاولة لتغليف الإسلام السياسي بمصطلحات علمانية لا تخدم المجتمع المسلم “.

أما الجدل الداخلي بين المنظرين الجهاديين، فقد ظهر بوضوح بين:

  • أبو محمد المقدسي ، الذي جدّد رفضه للشرع واعتبر تقاربه مع واشنطن وتل أبيب “خروجاً على الثوابت الدينية والفكرية “.
  • خالد أبو قتادة ، الذي اعتبر أن “بعض التحولات السياسية قد تكون ضرورية لحماية المكاسب، خاصة بعد سقوط النظام الأسدي، وأن الشرع يمثل مرحلة جديدة من الحوكمة الجهادية المصلحة مع الواقع الدولي “.

وهذا الاختلاف يُظهر انقسامات عميقة داخل الفكر الجهادي حول مستقبل العلاقة مع الغرب ومع الدولة الوطنية السورية ، حيث يرى بعضهم في الشرع “رجل المرحلة ومنتجاً للانتصار العسكري والسياسي “، بينما يراه آخرون “خائنًا للعقيدة ومُطبّعاً مع العدو “.

الجماعات المتطرفة تهدد “الحواضن الاجتماعية” للحكومة الجديدة

ورغم أن “سرايا أنصار السنة” وغيرها من التنظيمات الجهادية لا تخوض مواجهات مباشرة مع الحكومة السورية الجديدة ، فإن تركيزها يبدو على “الانتقام من الحواضن الاجتماعية التي دعمت النظام الجديد “، وهي استراتيجية تهدف إلى زرع الخوف وتفكيك الروابط المجتمعية بين السكان والسلطة.

ويأتي هذا التوجه ضمن محاولات إعادة بناء القاعدة الفكرية للجماعات الجهادية، التي تشعر بأنها “فقدت السيطرة على المشهد بعد انهيار النظام الأسد وصعود حكومة تدعمها تركيا وأمريكا “.

هل بدأت الحرب الأهلية من جديد؟

يتساءل الباحثون في الشأن السوري إن كانت هذه التحركات تُمهّد لعودة “الحرب الأهلية ” التي عصفت بالبلاد قبل أعوام. وتشير المعطيات إلى أن التصعيد قد يكون رمزياً في البداية، لكنه قد يتطور إذا لم يتم احتواؤه بإجراءات حقيقية لإصلاح العلاقة بين الحكومة الجديدة وجميع المكونات الاجتماعية والدينية في البلاد .

ويقول محللون إن “الحكومة السورية الجديدة عليها أن تدرك أن استقرارها لن يتحقق عبر الاستبعاد والتهميش، بل عبر الحوار الوطني الحقيقي الذي يشمل الجميع، بما فيهم حتى من يحملون أفكاراً متعصبة، لأن الحوار هو السبيل الوحيد لإضعاف الجماعات المتطرفة وتجفيف منابعها الفكرية “.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *