احمد البشير الكوميدي العراقي الشهير بانتقاداته للنظام العراقي، كان واحداً من الأسباب البارزة التي أدَّت إلى ظاهرة “تَمَخَض البرلمان فولد سنداً”. النُسخة الأقدم من هذه الظاهرة تسلَّقت البرلمان حينها بفضل مبارزاته اللفظية مع البشير. نوع من الاحتفال الروماني بعودة جنرالٍ منتصر، لكن بدل إكليل الرأس نال مقعداً نيابياً. شَعَرَ النظام بالحاجة إلى هذا النصر الروماني المؤقت لأنَّ شَعْر شرعيَّته كان كـ فتاةً في سيارةٍ مكشوفة، يتطايرُ في كُل الاتجاهات مع كُل ضغطةٍ من انتقادات البشير على دوَّاسة برنامجه.
اصبح الكوميدي العراقي بعدها رئيس “جمهورية البشير شو”. السياسيون العراقيون بدأوا يحجون إلى برنامجه زرافاتٍ و وحدانا؛ فصعود سيارة مكشوفة في مرآب البرنامج أسلمُ من ركوبها مع البشير عن بُعد. النتيجة التي أرادها النظام السياسي هي حُقنة قبول تنفعهم شعبياً.
النائب سند نوعٌ مختلف. هو درسٌ مجّاني للَّاعبين السياسيين في كيفية الدخول “اونلاين” مع الشعب. التصريحات النارية على السوشيال ميديا تُعطي الناس القُدرة على “التنفيس” بحسب النائب، و أيضاً لحظات بسيطة من التواصل بين النيابي و الفرد العادي لا تتجاوز ثواني مقطع “ريلز” على منصات التواصل الاجتماعي.
الدرس الآخر للنائب هو كيفية أن تكون “انتحاري” في التصريحات و تبقى حيَّاً في السياسة العراقية. يجب على البرلماني العراقي الحذر من خصلتين بحسب خبرة سند السياسية ” الضعف و الطيبة”. الحياة في صالون العراق النيابي تحتاجُ وجهين “وجهاً لا يرحم مع الزملاء و ودود مع الشارع”. الدرس الثالث للشباب الطامحين إلى دخول المجلس النيابي هو الحصول على “ثروة رمزية” بالرماية على أهدافٍ سياسية كبيرة. أمثلة النائب العملية للحصول على هذه الثروة عديدة، منها وصفه لـ مصطفى الكاظمي رئيس الحكومة السابق بأنَّه “رجل الصدفة الذي لا يستحق مكانه”، كما قيَّم محمد شياع السوداني رئيس الحكومة الحالية بالقول “ناجح كوزير فاشل كرئيس وزراء”. هذه الدروس الثمينة دفعت مُعجباً للتعليق “الآن فهمت كل شيء بهذه الدولمة العميقة”. و بالفعل فهذه الأكلة العثمانية الأصل التي تعتمد على الحشو، تشبهُ في نواحٍ كثيرة كيفية “التنسيق الإطاري” لحشو الفهم السياسي في رأس المواطن.
هذا النائب الكاميكازي “الرياح المُقدَّسة” استطاع الهبوب على “ستة عشر فاسداً” و الرمي بهم خلف القضبان. كاميكازي 16غيغابايت استطاع ذلك لأن النظام العراقي – هذا من الدروس غير المدوَّنة في المنهاج السياسي – عصفور يريد أن يُنظِّف نفسهُ بنفسه، لا بملفات الفساد التي تدخل هيئاته الرقابية فتبيتُ صُراخاً إعلامياً و تُصبِحُ كرشاً منسيَّاً اسمهُ لُجنة تحقيق. أمّا لبُّ المسألة فهو نتف اللاعبين السياسيين لريش بعضهم الآخر من الواجهات الاقتصادية – رجال الأعمال – و بالتالي حِفاظ صُنَّاع الملوك و أمراء السلاح في العراق على توزيع غيغابايت الثروات و النفوذ بدون شريكٍ مُزعج.
شكوك الناس البسطاء المسلوقين بصعوبات الحياة تذبل سريعاً، و يرضى الناس بهذه السياسة الكاميكازية لأن “القوانين تعبانة” في البلاد على حدِّ تعبير النائب. جدار الشك عند آخرين غيرُ مرئي بالنسبة له، لأنه يمتلك جمهوراً يخترِقُ الحائط “جمهوري حشداوي”. هو إذاً “مستقل” ومن لا يُعجِبُه ذلك فليضرب رأسه بكل الحيطان.
النائب سند ممكنٌ تعريفه بـ “تطبيق سياسي مكتوب بـ كودات شعبوية تتوفر دائماً نُسخة منه في متجر بلي نظام ما بعد 2003”. لكن ما يُعاب على مثل هكذا تطبيقات أمرين أساسيين. الأول، هي احتمالُ منافستها من قبل تطبيقات أحدث و لهذا تبحثُ عن مموِّل حزبي لها في كُل دورة انتخابية جديدة كي تُحدِّث “كوداتها” بمقعد نيابي. الثاني، يتعلَّق بقُدرته على المطاولة بسلوكٍ لا يُشبه “جمهوره السوشيالي و المُتحشِّد”. مع الأسف شعر النائب بالتعب قبل أسابيع نتيجة انتقاداتٍ وجِّهت له. دفعته لاستخدام “استقلاليته” و الذهاب بسيارات دفعٍ رُباعية مع حمايته، إلى قناة فضائية تواجد فيها مُطلق تلك الانتقادات. كان الهدف أن يُريه عظائِم سند. الحمد لله أن “الأخلاق العشائرية” التي يفتخِرُ النائب بها و حظ الناقد بالتواجد في “مضيف الشيخ” الفضائي أنقذته من العاقبة.
اختمُ بالإشارة إلى لقائي مع السياسي العراقي ظافر العاني في تحضيرات انتخابات 2018، و التي أُثير فيها حديث عن ضرورة مشاركة الشباب في الحياة السياسية مما دفعهُ للتعليق “يجب أن لا يُخدعوا بالشعارات”. الإعلان الشبابي لم يكُن لعبة دعائية بقدر ما كان رافعة سياسية “ضرورية” لحزبٍ سياسي تأسس في يوليو 2017 – تفسيري الحالي – علماً إنهُ في الأنظمة السياسية المحترمة و لو بالحد الأدنى فإن الشباب و الشيوخ سيجدون قوانين و سياسات متراكمة، يضيفون إليها أو يبتدعون منها و هم على امتلاء لا على فراغٍ يبحثُ عن سند.