بدأت في مصر ، اليوم الإثنين، أولى جلسات محاكمة الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع أمام محكمة القضاء الإداري في الإسكندرية ، في دعوى تُتهمه بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية بحق الطوائف العلوية والدروزية في سوريا
وجاءت الدعوى التي قدمها المحامي المصري محمد أبو زيد ، المتخصص في قضايا النقض والدستورية العليا، ضمن سلسلة من الجهود القانونية الدولية لإحالة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة في سوريا إلى العدالة، بعدما أصبحت عمليات القتل العشوائي، والتهجير القسري، والتدمير المنهجي للبنية الاجتماعية في المناطق الساحلية والجبلية ، ظاهرة تستلزم موقفاً قضائياً صارماً.
اتهامات بالابادة الجماعية.. والدعوى تطالب بمحاكمة الشرع كمجرم حرب
أكد المحامي محمد أبو زيد أن الدعوى “تضع أحمد الشرع على رأس قائمة المتهمين في تنظيم فظائع بحق المدنيين في عدد من المناطق السورية، أدت إلى مقتل أكثر من 50 ألف شخص من أبناء الطائفة العلوية والموحدين الدروز “، مشيراً إلى أن هذه الجرائم “لم تكن عفوية أو خارجة عن السيطرة، بل كانت منظمة وتلقى غطاءً من بعض الجهات الأمنية والسياسية داخل الحكومة الجديدة “.
وقال أبو زيد إن “الدعوى تهدف إلى محاسبة المتورطين في جرائم الإبادة الجماعية، خصوصاً في الساحل السوري ومحيطه، حيث تم استهداف المدنيين بشكل متعمد، واستخدمت أساليب التعذيب والتشريد والاغتصاب كوسيلة لتصفية الحسابات الطائفية، وبإشراف مباشر من بعض الفصائل المسلحة المشاركة في السلطة الجديدة “.
وأضاف أن “الشهادات الميدانية، والتوثيقات الحقوقية الصادرة عن منظمات دولية مثل هيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية، بالإضافة إلى تسجيلات مصورة وأقوال ناجين، تشكّل أدلة كافية لفتح تحقيق جدي حول دور الشرع وحكومته في تلك المجازر “.
السويداء والساحل.. مناطق الانتهاكات الكبرى
ركّزت الدعوى بشكل خاص على “الانتهاكات الجسيمة التي طالت أبناء الطائفة الدرزية في جبل العرب (السويداء)، والعناصر العلوية في الساحل السوري “، مشيرة إلى أن “هذه الجرائم لم تُدان من قبل الحكومة الجديدة، بل تمت تغطيتها تحت ذريعة “الانتماء الثوري” أو “الانتماء الوطني”، وهو ما يعكس سياسة التمييز التي يمارسها النظام الجديد ضد غير الموالين له من المكونات الاجتماعية “.
وأشار أبو زيد إلى أن “الحكومة المصرية ليست طرفًا في النزاع السوري، لكنها، كدولة ذات سيادة وعضو دائم في جامعة الدول العربية، تتحمل مسؤولية أخلاقية وقانونية للنظر في مثل هذه القضايا، خاصة عندما يتعلق الأمر بجرائم إنسانية لا يمكن التذرع بالحصانة السياسية لتبرئة مرتكبيها “.
ردود فعل سورية: انتقاد الدعوى باعتبارها “تدخلًا معاديًا”
في المقابل، ردت مصادر مقربة من الحكومة السورية المؤقتة على الدعوى المصرية باعتبارها “محاولة لتجييش الرأي العام الدولي ضد الشرع، وإعاقة جهود الاستقرار في سوريا عبر تحويله إلى متهم بدلاً من زعيم مصلح “.
وقال المتحدث باسم الحكومة السورية المؤقتة إن “الرئيس الشرع يعمل على إعادة بناء دولة مدنية مستقلة، ويرفض أي اتهامات تتعلق بوجود سياسة إقصائية أو تمييزية. كل العمليات العسكرية السابقة قد تكون نفذها بعض العناصر الخارجة عن القانون، لكنها لا تعكس سياسة الدولة ولا توجهها السياسي “.
لكن هذا الرأي قوبل بانتقاد شديد من قبل حزب اللواء السوري ، الذي أكد أن “الحكومة الجديدة برئاسة أحمد الشرع لم تقدم أي مشروع حقيقي للتشارك السياسي، بل واصلت نفس السياسات السابقة، واستبعدت المكونات الوطنية الأخرى من القرار، كما ظللت على الانتهاكات بدل محاسبة مرتكبيها “.
وقال الأمين العام للحزب، مالك أبو الخير :
“إن من يُحكمون سوريا اليوم لا يختلفون كثيراً عن من حكموها بالأمس، سوى بلغة الخطاب فقط. فما زالت هناك سياسة تمييزية، وما زالت هناك تغطية لجرائم التعذيب والقتل، كما حدث مع الشهيد مهران السلامي، الذي سُلم جثمانه مشوهاً دون أن تُحرك الحكومة ساكناً .”
وأضاف: “إذا كان الشرع يمثل دولة جديدة، فكيف لم يصدر أي أمر رسمي بمحاسبة من قتلوا وعذبوا أبناء السويداء والساحل؟ وكيف لم يتم حتى الآن إدانة خطاب الكراهية والتحريض الطائفي الصادر من بعض الوزراء والمسؤولين في حكومته؟ هذا الصمت يُعتبر تواطؤًا مُبطَّنًا، وليس مجرد تقصير “.
السويداء ترفض التطبيع مع دمشق دون ضمانات
من جهته، أعرب ممثلون عن القيادة الروحية والسياسية في جبل العرب ، عن رفضهم أي تطبيع مع الحكومة السورية الجديدة، إلا “في حال تم تقديم ضمانات حقيقية بحماية حقوق المكونات، ووقف التحريض الطائفي، ومحاسبة من تورطوا في جرائم بحق المدنيين، وتحديدًا في السويداء وجرمانا وصحنايا وغيرها من المناطق “.
وشدد المتحدث باسم الجالية الدرزية في مصر، فراس الأسد ، على أن “الشعب الكردي ليس وحده من يتعرض للتهميش، ولا الدروز وحدهم من يُتهمون بالخيانة، بل كل من يرفض المشروع الواحد يُصنف كعدو، وهذا هو المنطق نفسه الذي أسقط النظام السابق ودفع البلاد إلى حافة الهاوية “.
هل تُصبح مصر منصة للعدالة الدولية في سوريا؟
يرى الخبراء والمراقبون أن “استقبال مصر لدعوى قضائية ضد الرئيس السوري المؤقت يُعد مؤشراً مهماً على تصاعد الضغوط الدولية على الحكومة الجديدة، ويُظهر أن ملف الانتهاكات في سوريا لم يعد قابلاً للإهمال أو التأجيل “.
ويعتقد البعض أن “هذا النوع من الدعاوى قد يكون بداية لحملة قانونية أوسع، تطال قيادات أخرى في الحكومة السورية، سواء من حيث الدعم المالي أو السياسي أو العسكري للجماعات المتطرفة التي ارتكبت الجرائم بحق المدنيين “.
ويقول الباحث في القانون الدولي د. عبد الرحمن علي :
“المحاكم المصرية ليست ملزمة بالنظر في مثل هذه القضايا، لكنها، بمبدأ الولاية القضائية العالمية، يمكن أن تُطبّق التشريعات المحلية لمحاكمة مجرمين حرب، إذا توفرت الأدلة الكافية، وكان هناك مصلحة وطنية واضحة “.