“الكورد أسرى الماضي و لا زالوا في القرن العشرين.. بينما العالم يتجه نحو الذكاء الاصطناعي و الحداثة – هشام عقراوي

في عالم أصبحت فيه البيانات هي العملة الجديدة، والذكاء الاصطناعي أداة صنع القرار، والاقتصاد الرقمي هو محرك النفوذ الدولي، نجد أنفسنا أمام واقع مُؤلم: القوى السياسية الكوردية ما زالت تمارس سياسات وخطاباً وشعارات مستنسخة من سبعينيات القرن الماضي ، وكأن الزمن بالنسبة لها توقف، أو كأنها لا تريد التفاعل مع متطلبات الحاضر، ولا التفكير في مستقبل شعب بأكمله.

هل فعلاً تغير العالم أم أن القوى الكوردية لم تعد قادرة على القراءة؟

لا يمكن إنكار أن الدول التي تحتل أجزاء كوردستان (تركيا، إيران، سوريا والعراق)، قد غيرت أدواتها، لكنها لم تغيّر طبيعة مشروعها.
لكن الجديد فيها ليس فقط امتلاكها لتقنيات حديثة أو بنية دولة أكثر انفتاحاً على العالم الرقمي، بل أن تركيا و سوريا بدأى بـاستخدام الخطاب الحديث، والسياسات الاستراتيجية، وحتى التحالفات الاقتصادية والجيوسياسية المبنية على الذكاء الاصطناعي والمصالح المشتركة ، لتثبيت الهيمنة تحت غطاء “الانفتاح”، و”الديمقراطية”، و”التنمية”.

بينما تستمر القوى الكوردية في تقديم خطاب أيديولوجي ثابت، ومطالب جمودية، وأحياناً متناقضة، تعتمد على الشعارات التاريخية، دون رؤية استراتيجية شاملة تستند إلى المتغيرات الجيوسياسية والاجتماعية والتكنولوجية في العصر الحديث .

وحتى عندما تحاول بعض الجهات الكوردية التحديث، فإنها تفعل ذلك بشكل محدود وغير متكامل، وبدون خطة واضحة، مما يجعل هذه المحاولات تبدو رمزية أكثر منها عملية .

الخطاب السياسي الكوردي: هل هو  خطاب مقاومة أم تخلف؟

إذا كان الهدف هو ضمان حقوق الشعب الكوردي القومية والإنسانية ، فإن السؤال الذي يجب طرحه بصراحة:

كيف يمكن لحركة سياسية أن تقود شعباً نحو المستقبل وهي تستخدم أدوات وخطابات وتكتيكات الماضي؟

ففي الوقت الذي تستخدم فيه تركيا سياسة “الذكاء الاصطناعي الدبلوماسي ” عبر تحليل البيانات ورسم السياسات بناءً على مصالح متناثرة بين الأمن والاقتصاد والاستقرار الإقليمي،
وفي الوقت الذي تعيد فيه الدولة السورية الجديدة تشكيل خطابها السياسي ضمن إطار التعاون الأمني مع الولايات المتحدة وتركيا، وإعادة هندسة العلاقات مع المكونات المحلية عبر بيانات إعلامية وتشريعات جديدة ،
نرى أن القوى الكوردية، سواء في العراق أو  سوريا، ما زالت تراوح مكانها، وتعيد إنتاج نفس الرؤية: الحكم الذاتي، الفيدرالية، الوحدات العسكرية، المظاهرات المؤيدة للغرب، والاعتماد على الدول ذاتها التي استخدمت الكورد دروعاً بشرية في حروبها، ثم تخلت عنهم عند أول منعطف .

الكورد اليوم: بين الواقع المفروض وغياب المشروع الوطني البديل

الواقع يقول إن الكورد لم يعودوا مجرد مكوّن مُهمَش في الشرق الأوسط، بل هم مكوّن استراتيجي ، ووجودهم الجغرافي والبشري في أربع دول احتلالية يجعل منهم عاملاً حاسماً في إعادة ترتيب المعادلات الأمنية والسياسية في المنطقة.

لكن غياب المشروع الوطني الموحّد لدى القوى الكوردية، وضعف القدرة على التفاعل مع المتغيرات العالمية، وعدم الاستثمار في أدوات العصر الحديث مثل الاقتصاد الرقمي، والبيانات الكبرى، والشبكات الاجتماعية كوسيلة لنشر الوعي السياسي، جعلهم ضعفاء أمام سياسات التقسيم أو التهميش أو التطبيع المجتمعي ، حتى داخل مناطقهم الخاصة.

وبالنظر إلى  بعض التصريحات الكوردية  الصادرة في سوريا والعراق، يبدو أنهم لا يملكون رؤية حقيقية لشكل العلاقة مع الدولة الوطنية، أو مع العالم الخارجي .
فبدلًا من تقديم حلول مبتكرة، تُكرر هذه القيادات شعارات “اللامركزية” دون تحديد آليات واضحة، وتتحدث عن “الحقوق القومية” دون تمكين حقيقي للمجتمع، وتتهم الآخرين بالتطبيع بينما تتعامل هي نفسها مع ذات الجهات المُطبّعة بمنطق ردود الفعل وليس التوجيه الاستراتيجي .

السبب الحقيقي: انعدام التجدد السياسي والمؤسساتي

إن المشكلة ليست فقط في الخطاب السياسي الكوردي ، بل في الهيكلية الداخلية للتنظيمات والأحزاب الكوردية ، والتي ظلت مغلقة، ولم تُحدث ذاتها منذ عقود.
فهذه القوى لا تُنتج أفكاراً جديدة، ولا تفتح المجال أمام الشباب أو الخبرات المدنية أو المهجرية لصنع القرار ، وبالتالي، فإن كل خطوة تقدم عليها القوى الكوردية تُقرأ من قبل الخصم بأنها “معروفة”، وبالتالي يمكن التنبؤ بها ومن ثم التصدي لها بكل سهولة.

وهذا هو السبب الأساسي في أن الدول المحتلة لكوردستان ، سواءً تركيا أو إيران أو حتى الحكومة السورية الجديدة، تشعر بأنها “قادرة على التعامل مع القضية الكوردية دون خوف “، لأنها تعرف أن “الطرف الآخر لا يملك خطة B، ولا يملك أدوات ضغط حديثة، ولا يملك رؤية سياسية مرنة تناسب التحولات الدولية “.

الحلول المعاصرة: كيف يمكن للقضية الكوردية أن تدخل القرن الحادي والعشرين؟

1. تجديد الخطاب السياسي والمؤسساتي

يجب أن تبدأ القوى السياسية الكوردية بتحديث خطابها، وإعادة تعريف مفاهيمها الأساسية ، مثل:

  • اللامركزية بمفهومها الاداري الواسع : التي هي ليست مجرد مطلب قومي، بل نظام إدارة مدني حديث يناسب التنوع السوري والعراقي.
  • الحوكمة الذاتية : التي هي ليست انفصالاً، بل إدارة محلية مبنية على الكفاءة والشفافية والمشاركة المجتمعية.

2. التحول نحو بناء مؤسسات وطنية حقيقية

بدلاً من التركيز على الشخصيات أو الزعامات التاريخية أو الأسر السياسية ، يجب أن تنتقل الحركة الكوردية إلى بناء مؤسسات مدنية وعسكرية وقضائية مستقلة ومهنية ، تكون مُستعدة لإدارة المناطق وحمايتها، ولكن داخل إطار الدولة وليس خارجها . و التركيز على الزعامات من أجل بناء تلك المؤسسات و ليس العكس.

3. استخدام أدوات العصر الحديث في الدفاع عن الحقوق

القضية الكوردية تحتاج إلى مشروع رقمي شامل :

  • حملات إعلامية ذكية توظف الذكاء الاصطناعي لرصد الانتهاكات وتوثيقها عالمياً.
  • مشاريع تنموية رقمية تخلق فرص عمل للشباب وتبني اقتصاداً مستقلاً بعيداً عن التبعية النفطية أو الزراعية العتمدة على حكومات المركز.
  • برامج توعية سياسية تستخدم المنصات الرقمية لإعادة تعريف الهوية الكوردية ضمن سياق مواطني حديث، وليس في سياق قومية  تجد نفسها في أزمة.

4. إطلاق مؤتمر وطني كوردي جامع

لا بد من مؤتمر سياسي كوردي شامل يضم جميع القوى السياسية والمجتمع المدني والمهجر الكوردي ، ليضع أسساً جديدة لفهم القضية، ولتحديد الآليات الحديثة لتحقيق اللامركزية بمفهومها الاداري الواسع، وضمان حقوق الكورد في التعليم، واللغة، والثقافة، وفي المشاركة في صنع القرار .

ويجب أن يكون هذا المؤتمر:

  • مستقلاً عن التدخلات الخارجية
  • شاملاً لكل الأطياف السياسية والثقافية
  • قائماً على رؤية استراتيجية طويلة الأمد، لا على مواقف رد فعل

5. التحول من المقاومة المسلحة إلى المقاومة الذكية

الصراع اليوم لم يعد فقط على الأرض، بل هو صراع على المعلومات، وعلى الرأي العام، وعلى البنية التحتية الرقمية .
لذلك، يجب أن تفكر القوى الكوردية في:

  • بناء شبكة إعلامية كوردية عالمية تنقل قضيتهم بصدق، وبصيغة تتماشى مع العصر. (هناك بعض القنوات في طريقها الى العالمية)
  • تدريب الشباب على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي والبيانات لدعم المطالبات القانونية والسياسية .
  • تحويل الإدارة الذاتية إلى نموذج إداري رقمي مفتوح يعتمد على الشفافية والمشاركة المجتمعية ، وليس على التعيينات الحزبية.

النتيجة: لا مستقبل للقومية بلا تقدمية

الشعب الكوردي شعب عريق، وحضارة عظيمة، وكيان بشري له الحق في الحياة والحرية والمساواة.
لكن إذا كانت القيادة السياسية لا تزال تراهن على الشعارات، والتعبئة الأيديولوجية، وحرب الغواصات الدبلوماسية بين الدول الكبرى ، دون أن تبني مشروعاً وطنياً متكاملاً يتجاوز الحزبية الضيقة ويواجه العالم الحديث برؤية معاصرة ، فإن الكورد سيكونون دائمًا في موقع الدفاع، وليس الهجوم .

الذكاء الاصطناعي لا يميز بين عربي وكوردي، والاقتصاد الحر لا يرحم من يعتمد على الريع، والسياسة الدولية لم تعد تسمع إلا لمن يملك مشروعًا.
والكورد، وللأسف، لا يملكون مشروعًا جديدًا بعد.

“الكورد والقرن العشرون: بين استمرارية الخطاب الثابت واستحقاقات الذكاء الاصطناعي واللامركزية الحديثة”

ماذا بعد؟

  • دعوة ملحّة لبناء جبهة سياسية كوردية مدنية مستقلة ، تضم الليبراليين، والوطنيين، والحداثيين، بعيداً عن الحزبية.
  • إطلاق برنامج تدريبي استراتيجي للشباب الكوردي في مجال الإعلام الرقمي، والاقتصاد الأخضر، والحكومة الذكية .
  • استثمار في التعليم العالي الكوردي المستقل ، لبناء جيل قادر على صياغة السياسات وفقاً لمعايير العصر.
  • التحول من المقاومة المسلحة إلى المقاومة المدنية الذكية ، التي تُستخدم فيها الكلمة بدل السلاح، والقانون بدل المدفع، والذكاء بدل الانفعال.

الكورد يستحقون أفضل من خطاب عفا عليه الزمن، ومشروع سياسي يعيش في الماضي، وحركات مقاومة لا ترى في الذكاء الاصطناعي إلا “أداة استعمار”، بينما هو في الحقيقة أداة التحرير والتأثير في العصر الحديث .

إذا أراد الكورد حقاً أن ينجحوا حيث فشل غيرهم، عليهم أن يتعلموا من الماضي، لكن لا يعيشوا فيه.

2 Comments on ““الكورد أسرى الماضي و لا زالوا في القرن العشرين.. بينما العالم يتجه نحو الذكاء الاصطناعي و الحداثة – هشام عقراوي”

  1. ** من ألأخر { ١: الحقيقة مقال مهم في مكانه وتوقيته ، لذا على القيادات الكوردية الاعتماد على العقول وليس على الموالين والعملاء والذيول الذين عمرهم ما بنو دولة ، فحتى الدول التي يبنونها لن تعمر لابل وقد تسبب لهم ولشعوبها الكوارث؟ ٢: يقولون من يسير مع الفقير سيفقر أكثر ومن يسير مع الغني سيغنى أكثر فما بالكم مع من يسيرون ضد المنطق والعقل والعلم؟ ٣: يقول ألأمير نيكولا ميكافللي {الطريقة الأولى لتقييم حكمة الحاكم هي النظر إلى الرجال المحيطين به} أللهم بلا حسد، سلام ؟

  2. 5. التحول من المقاومة المسلحة إلى المقاومة الذكية

    • انا اقول ان الجولاني الذي لم ترفع عنه رسميا صفة الارهابي في امريكا جاء الى سوريا محتلا بقوة السلاح وحفنة من الارها بيين لا تتجاوز الالفين وغد في الوقت ذاته كانت قوة قسد اكثر من مئة الف ولم تحاول استلام زمام المبادرة مع العلم ان كثيرون من العشائرالعربية معها . الم يكونوا هم الاولى ان يغتنموا زمام المبادرة للاطاحة بالسلطة الدكتاتورية البعثية ولكن خانتهم الجرئة .
    الم تحتل تركيا وما زالت تريد احتلال اجزاء اخرى من كوردستان الملحقين بسوريا والعرق بقوة السلاح وارهابيين مرتزقة أتين من جميع اصقاع الارض .
    جنوب السودان الافريقي الم يحرر بقوة السلاح . البوليساريو ها هو يحصل على الحكم الذاتي بقوة السلاح من المغرب المحتل لاراضيهم . ان كانت معك التقنية الذكية حتى ولم تك تملك السلاح والشجاعة للمبادرة اولا باغتنام الفرصة ودحر المحتل ستبقى اسيرا .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *