“الدستور العراقي و بالدلائل يمنع وقف رواتب موظفي كوردستان.. فلماذا تُستخدمه الحكومة العراقية كورقة ضغط سياسية؟” هشام عقراوي

الدستور العراقي لعام 2005، في بابه الأول (المادة الرابعة) وفيما يتعلق بالفدرالية ونظام الحكم، ينص على أن “العراق دولة فيدرالية واحدة، مستقلة، ذات سيادة “، ويؤكد أن “حق تشكيل إقليم كوردستان الفيدرالي لا يزال قائماً، وأن الإقليم يتمتع بسلطات تشريعية وإدارية واستقلالية مالية ضمن الوحدة الوطنية والسيادية العراقية “.

لكن المشكلة الحقيقية التي أدت إلى أزمة رواتب موظفي إقليم كوردستان ، والتي تفاقمت بشكل خاص في مايو 2025، تكمن في التفسير المختلف للنصوص الدستورية بين بغداد وأربيل .

تحليل صلاحيات إقليم كوردستان المالية حسب الدستور العراقي:

المادة 113:

  • “الحكومة الاتحادية ملزمة بإدارة الموارد الطبيعية بطريقة عادلة لتغذية الخزينة العامة للدولة ولضمان التنمية المتوازنة بين المحافظات والأقاليم”.
  • وهذا يعني أن الموارد النفطية هي ملك للشعب العراقي ككل، لكنها يجب أن تُستخدم لتحقيق العدالة بين الأقاليم ، وهو ما يثير الجدل حول “كيف يتم تحديد الحصة؟ وهل يُعتبر عدم تسليم نفط الإقليم انتهاكاً للدستور؟ أم أن الطرفين يمكن أن يكونا مخطئين أو ملتزمين جزئياً؟

المادة 114:

  • “الإقليم يملك سلطة تنظيم موارده الداخلية، بما فيها الكمارك والضرائب المحلية، لكنه يُرسل نسبة من هذه الإيرادات إلى الحكومة الاتحادية، وفق نظام تحدده القوانين الاتحادية”.
  • وهذا النص يُعطي الإقليم صلاحية التحصيل، لكنه يُلزم الحكومة المحلية بتوزيع أجزائها مع الحكومة الاتحادية، وليس حرمانها من حقوقها الدستورية .

المادة 115:

  • “الحكومة الاتحادية ملزمة قانونياً بدفع رواتب موظفي الدولة، بما في ذلك موظفو إقليم كوردستان، شريطة أن يُرسل الإقليم حصة الموازنة المقررة له من النفط وغير النفط”.
  • وهنا تظهر نقطة الخلاف الرئيسية. فبغداد ترى أن “الإقليم لم يرسل كامل المستحقات المالية، وبالتالي فإن وقف الرواتب هو ردّ فعل دستوري مشروع “، بينما يرى الإقليم أن “الحكومة الاتحادية هي المسؤولة عن دفع الرواتب بغض النظر عن الخلافات المالية، لأن الموظفين مواطنون عراقيون، ولا يجب استخدامهم كورقة ضغط سياسية “.

المادة 116:

  • “الخلافات المالية بين الإقليم والحكومة الاتحادية تُحل عبر الحوار أو اللجوء إلى المحكمة الاتحادية العليا”.
  • وبما أن الإقليم قد أحال قضية وقف الرواتب إلى المحكمة الاتحادية، فإن الحكومة الاتحادية لم تلتزم بهذا البند عند قرارها الأخير، لأنه كان عليها الانتظار حتى قرار المحكمة قبل اتخاذ خطوة حكومية أحادية الجانب بوقف رواتب الموظفين .
هل يُعد وقف رواتب موظفي كوردستان وفقاً للدستور العراقي خطوة قانونية؟

من وجهة نظر بغداد:

  • تقول الحكومة الاتحادية إنها “تمارس حقها القانوني في وقف الرواتب بسبب تجاوز الإقليم لحصته المالية وعدم تسليمه الإيرادات النفطية وغير النفطية كما يُفترض بموجب قانون الموازنة وتعليمات البنك المركزي “.
  • وتضيف أن “الاتفاقات السابقة بين بغداد وأربيل تتضمن التزام الإقليم بتسليم النفط مقابل الحصول على حصة مالية في الموازنة، وهو ما لم يُنفذ بالكامل من جانب الإقليم، مما يجعل وقف الرواتب خطوة دستورية “.

من وجهة نظر أربيل:

  • يقول المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني إن “الحكومة الاتحادية تمارس سياسة التجويع ضد المواطنين الأكراد، وهي تتجاهل البنود الدستورية التي تُلزم الدولة بدفع رواتب الموظفين، سواءً كانت هناك خلافات مالية أم لا “.
  • ويؤكد أن “الرواتب ليست هبة من الحكومة الاتحادية، بل هي حقوق للموظفين المدنيين، الذين يخدمون الدولة تحت علم العراق، وعليه فإن أي تصرف بوقفها يُعد انتهاكاً صارخاً للدستور “.

🧾 ما هي الشروط الجزائية في حال عدم تسليم الإقليم لإيراداته؟

بحسب الدستور العراقي والمفاوضات السابقة، لا يوجد نص دستوري واضح يُحدد “عقوبات جزائية مباشرة ” على إقليم كوردستان إذا لم يسلم إيراداته، لكن هناك آليات غير مباشرة، مثل:

  • إحالة القضية إلى المحكمة الاتحادية العليا ، التي يمكنها إصدار قرار يُلزم الإقليم بالتنفيذ.
  • استخدام سلطة وزارة المالية لتحديد حصة الإقليم بناءً على التزامه، وفقاً لقانون الموازنة .
  • تقديم طلب رسمي للتحكيم الدولي أو الوطني ، خاصة إذا كانت هناك اتهامات متبادلة حول عدم الوفاء بالتزامات النفط والحدود.

لكن الدستور لا يمنح الحكومة الاتحادية الحق في استخدام الموظفين المدنيين كوسيلة للضغط، بل يجب أن تكون الحلول مبنية على الآليات المؤسسية، وليس على القرار الأحادي الذي يؤثر على حياة الناس .

🏛️ مقارنة مع الولايات الأمريكية: هل هناك تماثل؟

في الولايات المتحدة الأمريكية:

  • كل ولاية لديها “إدارة محلية مستقلة “، لكنها تابعة للحكومة الفيدرالية .
  • الولايات تُساهم في الاقتصاد الوطني، لكن الحكومة الفيدرالية ملزمة بتقديم الدعم الأساسي، خصوصاً الرواتب الحكومية، إذا تعذر على الولاية توفيرها .
  • البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي) ملزَم بدعم الاستقرار المالي في الولايات، وضمان استمرارية الخدمات الأساسية، حتى في حالات الأزمات المالية أو الكوارث الطبيعية .

أما في العراق:

  • فإن حكومة إقليم كوردستان ليس لها وضع قانوني كاملاً كالدول الفيدرالية الأمريكية ، بل هي إدارة ذاتية ضمن إطار الدولة العراقية، وليست “ولاية” بمعنى النظام الفيدرالي الحقيقي .
  • الحكومة الاتحادية ليست ملزمة قانونياً بدفع رواتب الإقليم في حال عدم التزامه بتسليم النفط والإيرادات الأخرى، لكن هذا يخلق حالة من الازدواج في التعامل: فهي تتعامل مع الإقليم كجزء من الدولة عندما تريد توقيع عقود أو فرض عقوبات، ولكنها تتعامل معه ككيان منفصل عندما تريد وقف الرواتب .

السؤال الأخلاقي هنا:
هل يمكن اعتبار الموظف المدني في كوردستان عراقيًا حينما تُفرض عليه الضرائب، لكنه يُعامل كـ”غير مواطن” عندما تُقطع عنه الرواتب؟

🔍الجدل حول قرار وقف الرواتب: هل هو دستوري أم سياسي؟
الجهة
الموقف
التبرير
الحكومة الاتحادية
وقف الرواتب
بسبب عدم تسليم الإقليم لإيرادات النفط والجمارك والمطارات، وفقاً لقانون الموازنة
حكومة كوردستان
رفض وصف القرار بدستوري
واعتباره “سياسة تجويع سياسية“، وتشبيهها بـ”الإجراءات الأمريكية ضد الولايات المتمردة، لكن بدون الضمانات التي تُقدمها واشنطن لأمريكا الشمالية”
المحكمة الاتحادية
لم تصدر قراراً بعد
لأن القضية أحيلت إلى هيئة الرأي، ولم تُحسم

📊 الجدول التالي يوضح الفرق بين الولايات الأمريكية واقليم كوردستان من حيث المسؤوليات المالية والالتزامات الدستورية:
البند
الولايات الأمريكية
إقليم كوردستان – العراق
المسؤولية عن رواتب الموظفين الحكوميين
الحكومة الفيدرالية تتدخل إذا فشلت الولاية
الحكومة الاتحادية ترفض التدخل إذا فشل الإقليم، وتطالبه بدفع حصته أولاً
الالتزام بتسليم الإيرادات
الولايات تُرسل ضرائبها إلى الخزينة الفيدرالية، لكن الفيدرالية تدعمها عند الحاجة
إقليم كوردستان مطالب بتسليم النفط والجمارك، لكن الحكومة الاتحادية تُعلّق الرواتب دون وجود ضمانات دستورية واضحة
الآليات الجزائية
يتم التعامل مع الولايات عبر المحاكم الفيدرالية، وليس عبر العقوبات الاقتصادية المباشرة
الحكومة الاتحادية تلجأ إلىالعقوبات الماليةدون انتظار قرار قضائي
اللامركزية السياسية
موجودة بشكل كامل، مع صلاحيات مؤسسية حقيقية
اللامركزية مكتوبة في الدستور، لكنها غير مطبقة بشكل متوازن أو شفاف
الشفافية في تقاسم الموارد
موجودة، مع وجود محاسبة دقيقة وشفافة
غائبة، والصراع حول النفط والموازنة يخلو من الشفافية، ويتناقض مع المعايير الدولية

🧭 التحليل النهائي: لا يوجد نص دستوري يُعطي الحكومة الاتحادية الحق في استخدام الرواتب كسلاح مالي

رغم أن الدستور العراقي يُعطي الحكومة الاتحادية بعض الصلاحيات في “ربط المصروف بالدخل “، إلا أنه لا يُعطيها الحق في استخدام الرواتب كأداة ضغط سياسية ، خاصة أن هذه الرواتب هي مستحقات موظفين مدنيين، وليس فقط التزامات حزبية أو إدارية .

🎯 الخلاصة:

  • الدستور العراقي لا يمنح الحكومة الاتحادية الحق في وقف رواتب الموظفين المدنيين كإجراء عقابي مباشر، بل يُشير إلى أن الخلافات المالية يجب أن تُحل عبر المحاكم أو اللجان المشتركة، وليس عبر وقف رواتب مليون شخص .
  • حكومة كوردستان ملزمة بتسليم النفط، لكنها ترى أن حصتها المالية غير عادلة، وأن بغداد تستغل هذه النقطة لتحويل الإقليم إلى منطقة تابعة بالكامل، وليس كياناً لامركزياً .
  • المقارنة مع الولايات الأمريكية تُظهر أن العلاقة بين الإقليم والمركز في العراق ليست علاقة فيدرالية حقيقية، بل علاقة إدارية مشوهة، تفتقر إلى الشفافية والعدالة .
  • الحل الحقيقي لا يأتي عبر المقاطعة أو التجويع، بل عبر إعادة ترتيب العلاقة بين المركز والإقليم، بحيث يكون النفط والجمارك والموازنة موضوعاً يُداران عبر مؤسسات مستقلة وشفافة، بعيداً عن السياسات الحزبية والحسابات الضيقة .

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *