الديمقراطية في كوردستان – كامل سلمان

الديمقراطية بمعناها المصطلحي نظام حكم الشعب الذي ينتخب ممثلين عنه في مجلس النواب ومنهم تترشح قيادات الدولة ، وهو نظام سياسي قديم نشأ وتأسس في الحضارة الأغريقية وتحديداً في أثينا على يد القائد اليوناني
( كليسنثنيس ) في القرن الخامس قبل الميلاد وفي القرن السابع عشر الميلادي أي قبل أكثر من 300 عام أحيته من جديد الدول الغربية وبشكل مختلف كلياً عن الديمقراطية القديمة ثم مرت هذه الديمقراطية الحديثة بمراحل تطور كبيرة خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية …… مفردة الديمقراطية باللغة الإنكليزية Democracy التي لا توجد لها ترجمة حرفية في اللغة العربية وباقي اللغات لذلك بقية اللفظة مشتقة من أصل التسمية الإنكليزية , ومفردة الديمقراطية بالأصل اللغوي تعود إلى اللغة اللاتينية التي تلفظ ديموكراتية ، وهي مركبة من ديمو بمعنى الناس و كراتية بمعنى حكم أي حكم الناس أو الشعب كما ذكرتها المصادر اليونانية ( demokratia) في القرن الخامس قبل الميلاد … رغم إنتشار النظام الديمقراطي عالمياً فأن المثير للإستغراب في كل بلد تأخذ الديمقراطية طابعاً خاصاً يختلف عن البلدان الأخرى من حيث الفهم والتطبيق ولا توجد ديمقراطيتين متشابهتين في الفهم والتطبيق في جميع دول العالم مع العلم جميعها تعتمد رأي الأغلبية في الانتخابات ، والنظام الديمقراطي عطفاً على أنه أفضل نظام حكم توصل إليه العقل البشري إلا إنه مازال مليء بالعيوب منها على سبيل المثال دائماً هناك تزوير وتلاعب بالنتائج و مساواة بين رأي الجاهل مع رأي العالم ومنها أيضاً أنها تفسح المجال للدولة العميقة أن تتحكم بالأمور ومنها الدافع العنصري والديني والطائفي عند الناخب الجاهل وقت الإنتخابات ومنها ومنها إضافة إلى أنها سبباً للفتن والكراهية أحياناً لكن قياساً بجميع أنظمة الحكم الأخرى والتي تمت تجربتها تأريخياً تبقى هي الأفضل والأكثر إحتراماً لكرامة الإنسان ولحرية الإنسان .. في إقليم كوردستان هناك ديمقراطية أيضاً حالها حال الديمقراطيات الأخرى هي ديمقراطية معيوبة وناقصة وتتعرض للنقد بإستمرار لكننا إذا وضعناها في مقياس الديمقراطيات الأخرى في معظم دول المنطقة تكاد تكون الأفضل بلا أدنى شك لأن جوهر الديمقراطية التي هي فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بشكل كلي عن بعضها وحرية الرأي علامة مميزة لديمقراطية كوردستان وهذا بإعتراف الجميع بأنها النسخة الأقرب للديمقراطيات العريقة في العالم من هذه الناحية ، والشيء الملفت في ديمقراطية كوردستان عدم وجود الدولة العميقة لأن كوردستان فيها الدولة العميقة هي نفسها الدولة الظاهرة فليس من الضرورة أن تكون الدولة العميقة موجودة لتلعب دورها من وراء الكواليس ، في معظم دول المنطقة الدولة العميقة لها جذور وخيوط ومؤثرات في دول أخرى ، وهذا الشيء غير موجود في كوردستان . من العيوب الظاهرة في ديمقراطية كوردستان هي دور العوائل الكبيرة في تداول السلطة حصرياً وقد يكون لهذا الشيء ما يبرره على اعتبار تلك العوائل الكبيرة تمثل لبنة الحركات الثورية أكثر مما تمثل نظام الحكم بسبب عدم صيرورة كوردستان كدولة مستقلة وبما أن هذه العوائل تكفلت منذ انطلاق الحركات الثورية أن تكون هي الراعية لمنهج التحرر والكفاح المسلح وتحت قيادتها سارت الأمور لعقود طويلة ونجحت تلك الحركات الثورية في تخطي مراحل صعبة جداً من عمر النضال الثوري ولولاها لإنتكسة كوردستان وكانت هذه العوائل سباقة في تقديم التضحيات فلابد أن تبقى القيادة تحت إمرتها عن طريق الإنتخابات ولو للفترة الإنتقالية حتى تأسيس الكيان المستقل لكوردستان ، ولا أظن أي إنسان عاقل يعتبر هذا شيء باطل ولكي نكون منصفين وتكون الصورة أكثر وضوحاً فللنظر إلى قوة أعداء الكورد الذين لهم القدرة على تمزيق لحمة كوردستان بمجرد حصول تغيير كبير في قيادات كوردستان وفقدان نقطة التوازن ، أنا لست مع حكم العوائل ولكن في الحالة الكوردستانية وفي الظرف الراهن تحديداً هي مجازفة كبرى لمستقبل كوردستان أن تتخلى هذه العوائل ورموزها التي عرفها العالم كقيادات لامعة ومفكرة أن تتخلى عن قيادتها للنظام السياسي وتتخلى عن خبراتها الواسعة التي إكتسبتها خلال السنين العجاف من النضال وتتخلى عن شعبيتها الكبيرة الواسعة بين أوساط الأمة الكوردية ثم تترك المجال لأعداء الكورد التفرد بالتجربة الكوردستانية الفتية وربما وأدها وإجهاضها ، ولا ننسى بأن بعض القيادات الكوردية أصبح لها ثقل دولي وإقليمي معتبر وفعال يشار إليه بالبنان فمثل هذه القيادات هي عنوان عريض للأمة الكوردية في هذه المرحلة وهي مفخرة للأمة الكوردية ، فعلى كل مثقف كوردي واعي أن يأخذ هذه الأوليات والمعطيات والظروف المحيطة بنظر الإعتبار قبل الشروع بتوجيه النقد اللاذع لديمقراطية كوردستان وقبل الحكم على قيادات كوردستان سلباً ، أنا لا أشيد بأشخاص وإنما أشيد بنظام ديمقراطي ثقيل فرض نفسه على العدو والصديق . كلنا نرى بأم أعيننا إنه لا يمر يوم إلا وتشهد بنية كوردستان طعنات غادرة من الذين يتألمون من النجاحات الكوردية في جميع المجالات الحياتية وآخرها محاربة أرزاق الشعب الكوردي ، فالمسؤولية تقع على عاتق الجميع لإنجاح أية تجربة حتى ولو كانت تجربة مشلولة ضعيفة وزقها بالحياة لأن الهدف أسمى من كل اعتبار وهو مصير أمة ومستقبلها .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *