الفيتو الأمريكي وخرافة الحمقى السياسيين- سمير عادل

الحمقى وحدهم من صدّقوا أن إدارة ترامب كانت تسعى إلى السلام، والحمقى وحدهم من رَوّجوا للأوهام بأن ترامب رجل صفقات اقتصادية وليس رجل حروب. لقد بنوا كل تحليلاتهم السياسية على هذا الوهم، متناسين أن الممثلين السياسيين للطبقات الحاكمة يعبّرون، أولًا وأخيرًا، عن المصالح الاستراتيجية لدولتهم.

هؤلاء الحمقى، الذين إما أصابهم قصر النظر فلم يروا أبعد من أقدامهم، أو ظلّوا أسرى لما تروّجه وسائل الإعلام المأجورة، أعربوا عن دهشتهم وصدمتهم وغضبهم من الفيتو الأمريكي الذي استخدم، يوم أمس الموافق 4 حزيران، في مجلس الأمن، لإيقاف مشروع قرار يهدف إلى وقف الحملة الوحشية التي تقودها إسرائيل – الدولة النازية الحديثة – في إبادة سكان غزة. هذه الحملة، والتي يسمونها “حرب إسرائيل في غزة”، لا يمكن اعتبارها حربًا بالمعنى الحقيقي للكلمة، لأن الحرب تفترض وجود طرفين متكافئين، بينما في الحالة الإسرائيلية، لا يوجد سوى طرف واحد يملك آلة قتل متوحشة تستهدف الجياع والمحرومين الذين نَجَوا من قبضتها.

فما الجديد في الفيتو الأمريكي؟ ولماذا تتفاجأ الدول الأعضاء في مجلس الأمن من دعم الولايات المتحدة لإسرائيل؟ ألم نقل مرارًا أن هذا الدعم استراتيجي، بغض النظر عمن يكون في البيت الأبيض؟ ألم نوضح أن بقاء نتنياهو في السلطة يخدم المصالح الاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية، وأنه رجل المرحلة؟

ما جرى يوم أمس في مجلس الأمن هو استمرارية لنهج الإدارة الديمقراطية السابقة، التي سعت إلى إضفاء الشرعية على جرائم إسرائيل. لكن، في المقابل، فإن الضغط الشعبي العالمي المتزايد – لا سيما في أوروبا – بدأ يُسقط حلفاء إسرائيل الواحد تلو الآخر. ألمانيا، على سبيل المثال، بدأ مستشارها الجديد يتخذ مسافة من تل أبيب، بعد أن باتت رائحة جرائمها تزكم الأنوف. يومًا بعد يوم، تُجَرّ دولٌ جديدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية.

الفيتو الأمريكي هو رد مباشر على تلك الدول الغربية، التي لا تزال حكوماتها تفتقر إلى الضمير الإنساني. إنه محاولة استباقية لإجهاض أي تحرك نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وعلى رأسه المؤتمر الفرنسي-السعودي المزمع عقده في مقر الأمم المتحدة بين 17 و20 حزيران الجاري. وقد سبقت الفيتو تصريحات للسفير الأمريكي في إسرائيل، قال فيها ردًّا على نية فرنسا الاعتراف بفلسطين: “لديها ساحل طويل، ويمكنها نقل الفلسطينيين إليه وتأسيس دولتهم هناك”، في تعبير فجّ عن الاستخفاف بالقضية الفلسطينية.

إن النظر إلى الفيتو الأمريكي، في هذا التوقيت بالذات، وفي خضم الصخب الإعلامي الذي تديره آلة الإعلام الأمريكي المأجور ببراعة، يكشف بوضوح عن مساعٍ لإعادة رسم التوازنات السياسية وصياغة معادلات جديدة بين المعسكر الأوروبي-الكندي من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى. كما أن هذا التوتر يمتد ليشمل العلاقة بين أمريكا وباقي دول العالم التي تحاول التحرر من الهيمنة الأمريكية. وكما هو الحال في أوكرانيا، فإن غزة أصبحت ساحة جديدة لتصفية الحسابات الدولية.

الدموع الزائفة التي يذرفها قادة الغرب الأوروبي-الكندي ما هي إلا جزء من استراتيجية جديدة لإعادة التموضع السياسي في مواجهة الولايات المتحدة. وما هو واضح وجليّ اليوم، من منظور مواثيق الأمم المتحدة والقوانين الدولية التي وضعتها نفس هذه الدول، أن جميع الأنظمة التي تبرر جرائم إسرائيل فقدت شرعيتها السياسية، سواء من الناحية القانونية أو في مواجهة الوعي العالمي المتنامي والغضب الشعبي المتصاعد ضد المجازر الإسرائيلية في غزة.

One Comment on “الفيتو الأمريكي وخرافة الحمقى السياسيين- سمير عادل”

  1. نظرا لأنك استخدمت كلمة “احمق” اكثر من مرة، لنرى من هو الأحمق الحقيقي من خلال مقالتك. تقول نصا (هذه الحملة التي تسمونها “حرب إسرائيل في غزة” لا يمكن اعتبارها حربا بالمعنى الحقيقي للكلمة، لأن الحرب تفترض وجود طرفين متكافئتين، بينما في الحالة الإسرائيلية لا يوجد سوى طرف واحد يملك آلة قتل متوحشة تستهدف الجياع والمحرومين). وعلى أساس هذا التوضيح، هل نستطيع أن نصف زعماء حماس الذين خططوا لهجوم 7 اكتوبر على إسرائيل وخطف الرهائن وجلبهم إلى غزة، هم مجموعة من الحمقى؟ الم يكونوا يعرفون بأن إسرائيل تملك (آلة قتل متوحشة) بحسب وصفك؟ اذا كنت انت شخصيا قد هللت لهجوم 7 اكتوبر تكون بذلك من حيث لا تدري قد أدخلت نفسك في خانة “الحمقى”. ثم تقول في فقرة أخرى (لماذا تتفاجأ الدول الأعضاء في مجلس الأمن من دعم الولايات المتحدة لإسرائيل) ومن قال لك انهم تفاجأوا؟ اي احمق أخبرك بذلك وصدقته انت؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *