على منصات التواصل الاجتماعي، وتحديدًا “تيك توك”، تصاعدت حملة منظمة يحيي فيها البعثيون أمجاد حربهم ضد إيران، مستحضرين إرث الصراع وترسيخ خطاب الكراهية.
هذه الحملة لا تأتي بمعزل عن السياق السياسي الراهن؛ فإيران اليوم تواجه خصومًا إقليميين ودوليين يسعون إلى تقويض دورها، وقد وضع البعثيون أنفسهم في خدمة هذه الأجندة.
الخطاب الذي يروج له البعثيون والمستند فقط على تمجيد الكراهية والتذكير بانتصارات وهمية ضد ايران خلال حرب الثمان سنوات، ليس مجرد تذكير بماضٍ مضطرب، وإلا لماذا يتجاهلون عمدا حربهم ضد الكويت وقد سمّاها صدام “أم المعارك” ويركزون فقط على حربهم ضد ايران؟
لا شك أن البعثيين ينسجمون مع التحالفات الإقليمية المناهضة لإيران، حيث لم تعد مواقفهم مجرد امتداد لعداء تاريخي، بل تحولت إلى جزء من المشهد السياسي الراهن.
لقد كانت الحرب العراقية-الإيرانية واحدة من أبرز المحطات التي رسمت طبيعة الصراع الإقليمي، وساهمت في تشكيل توجهات القوى الفاعلة حتى اليوم، وهو ما يجعل البعثيين يتبنون خطابًا يخدم الأجندات التي تستهدف إيران ضمن هذا السياق المتجدد.
وبعد أن وجدوا انفسهم خارج الملعب بعد سقوط نظامهم في 2003، صاروا يبحثون عن موطئ قدم جديد يعيد لهم دورًا سياسيًا في المشهد العام.
هذا البحث عن دور جعلهم ينخرطون في الحملات الإعلامية التي تتماشى مع مصالح القوى المناهضة لإيران، مما منحهم منصة لتسويق انفسهم من جديد وإعادة توجيه العداء التاريخي في إطار جديد.
تجدر الاشارة الى ان هذه التحركات ذات بعد تنظيمي، إذ تشير المعطيات إلى أن جهاز المخابرات العراقي يلعب دورًا محوريًا في إدارة هذا الملف، لا سيما فيما يتعلق بتوجيه الخطاب الإعلامي للبعثيين تجاه إيران.
وقد استعان هذا الجهاز بالأرشيف الاسرائيلي الخاص بالحرب العراقية – الايرانية بعد ان فقد ارشيفها في العراق بعد 2003، ليعيد تشكيل الرواية التاريخية بما يخدم مصالح القوى المناهضة لإيران.
هذا الدور يعكس كيف أن البعثيين لم تعد لهم أيديولوجيا مستقلة، بل تحولوا إلى أداة وظيفية تخدم استراتيجيات إقليمية ودولية، تُستغل كلما اقتضت الحاجة لتأجيج الصراع.
لكن العراقي وخصوصا في وسط وجنوب البلاد ، لم يعد يُدفع إلى مغامرات عسكرية بقرارات خارجية او حملات دعائية، وإنما بات أكثر قدرة على التمييز بين مصالحه الحقيقية والمشاريع التي تُفرض عليه خدمةً لأجندات الآخرين.
ووسط كل هذا الضجيج الإعلامي، يبقى العراقيون أكثر حذرًا، مدركين أن إعادة إنتاج خطاب الحرب ليس سوى محاولة لتكرار مأساة لن يكونوا جزءًا منها من جديد.