١١\٦\٢٠٢٥
قال الفیلسوف الجزائري مالك بن نبی (١٩٠٥- ١٩٧٣) “الحقوق ليست هدية تعطى ولا غنيمة تغتصب وإنما هی نتيجة حتمية لتأدیة الواجب، فحقوق الشعب و واجبات السلطة تجاه تنفیذ تلك الحقوق متلازمتان، والشعب لا ينشئ دستور حقوقه إلا إذا عدل وضعه الإجتماعي المرتبط بسلوكه النفسي”. نقتبس هذا القول من فيلسوف عربي مسلم ولیس من بین فلاسفة غربیین معاصرين لكی لایتنرفز أحد فیعتبر هكذا قول بدعة أو دعاية كفر وإلحاد ضد الإسلام و الحكام المسلمين أو السلطة الحاكمة بإسم الشعب، وذلك بعكس الإطاعة كما فی العبارة القرآنية ”أولي الأمر منكم”. و تظهر أهمية هذا القول لهذا الفيلسوف بالأخص فی ربطه بین الواجبات والحقوق المذكورة فی الدستور الذی تم وضعه والموافقة عليه من قبل برلمان تم إنتخاب أعضائه من قبل شعب يعتبر نفسه كفۆا” للتعبير عن عدالته الإجتماعیة و التمتع بسلوكه الدیموقراطی فی الإنتخابات العامة كالتي تجري فی العراق عموما و فی أقلیم كوردستان العراق بصورة خاصة، وكذالك بتشخيصه لسلوك الشعب بإعتباره من مكونات نفسیته الثلاث؛ التفكیر والشعور و السلوك. من هنا تأتي الصفة العلمية لهذا القول ومصداقيته وفق مقاییس العلم الحديث والمعرفة المعاصرة فی الوقت الحاضر.
هكذا يمكننا محاولة إجراء تحليل نفسیإجتماعی لهذا القول الدقیق ودراسة مدى انطباقه علی مایجری حاليا من واقع مأساوی حول موضوع الرواتب كحق من حقوق الفرد فی أقلیم كوردستان العراق وهو یعیش فی مجتمع یسیر فی تحول سريع من مجتمع جماعی مغلق نحو مجتمع فردی منفتح، و یمر نتيجة لذلك فی مسيرته بمغالطات وأزمات ملحة فی عدة جوانب وإتجاهات فيما يتعلق بالخلط وغياب التنسيق بین القدیم والجدید، وبين الجهل والعلم، وبين الدين والسیاسة، وتلوث ما هو محلي نقی أصیل بما هو أجنبي المصدر ومستورد للإستهلاك المحلي واحتلاله من أجل مصلحته الداتیة لیس إلا، و كذلك فی إعتبار الخطأ صحيحا والسليم مریضا والمذنب بريئا والرذالة فضيلة. وذلك فی زمن یفقد فیه المجتمع قيمه الأخلاقیة وعاداته الأصيلة التی تكونت وفق حاجات المجتمع الجماعی وهی فی طريقها الآن تدریجیا نحو الزوال عندما یسیر الفرد من المعيشة الجماعیة نحو الحیاة الفردية ولكنه، وإن كان قد فقد قیمه الأخلاقية الأصيلة، لم یصل بعد إلی إيجاد قيمه الخاصة بهذا التحول الضروري نحو التقدم و الإزدهار.
التحول والتغییر والتجديد عبارة عن عمليات ضرورية لكل كائن حی للبقاء علی قید الحياة. وهی تجري بصورة طبیعیة فی جسم الفرد و نفسه و روحه وفق قوانين وأنظمة موروثة أبا عن جد، إستطاع العلم الحديث تدریجیا أن یكشف عن أسرار ما یحدث فی الجسم والنفس ولكن الروح لازالت تلتزم بقول الله تعالى “ویسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربی” وهی بذلك ليست فی قدرة البشر أن یكشف عن أسرارها. وإذا تابعنا تحليلنا النفسیإجتماعی لهذه التحولات السريعة التی تجري فی مجتمعنا الجماعی فی أقلیم كوردستان العراق نجد بأنها مصطنعة ومفروضة من الخارج من قبل قوی بشرية متطورة تسبقنا فی تطورها الطبیعی بقرون من الزمن، وهی بتطورها الطبیعی فی بيئتها ومحيطها إخترعت أدواتها إنطلاقا من حاجاتها فنالت النجاح والتقدم والازدهار. وعندما ضاقت بها الأرض ولم تعد ترضى بإنتاجها لمعيشتها الذاتیة مدت يدها إلی شعوب ومناطق خارج نطاقها فكونت بذلك أنظمة إستعمارية ومن ثم إمپریالیة إستغلت جهل شعوب العالم المتأخر وأسرفت فی إحتلال أراضیها وممتلكاتها وأخذت تتاجر بها لكسب الثروة والسلطة والجاه، فوصلت فی أيامنا الآن إلی إنتاج نوع من البشر لایلتزم بالقیم والأخلاق الموروثة عن الطبيعة بل یجد العالم ملكا له ويفرض علی الشعوب المتأخرة قوانين وأنظمة سیاسیة جديدة تجعلها تستورد سياستها وعلومها و جميع موادها الإستهلاكیة من هذه الدول المتطورة فتلبسها لباسا لا یلیق بها لأنه لیس من إنتاجها المحلي ولا صنعت بأیدیها فهی غريبة عنها ولا تفهم مصطلحاتها ولا تعرف كیفیة إستعمالها فتصبح هذه الشعوب المتأخرة فی حالة من الفوضی تظن بتقليدها للأجانب أنها أصبحت مثلها فی تقدم ورخاء ولكنها لا تستطيع الإستفادة من مستورداتها وقد فقدت أیضا عاداتها وتقاليدها وقيمها الأخلاقية الأصیلة. فالسياسة التی تطبقها السلطات المحلية تحت الإحتلال هی مستوردة من الخارج تظن بأنها تطبقها بعلم ودرایة ولكنها عاجزة عن فهمها وتعریفها فكيف لها بأن تطبقها بصورة صحيحة فی خدمة الشعب. فهل من المتوقع حقا من حكومة أقلیم كوردستان العراق أن تشعر بالواجب الوطنی والإداری تجاه مواطنيها فی الأقلیم وقد تركتهم فی العید دون رواتب وهم ظلوا صامتین كأن الأمر لایهمهم بشئ؟! ألیست حقوقهم معلومة لديهم؟! و أن الحقوق لا تعطی بل تۆخذ؟!