دلالات واضحة على خوف طهران من إنتفاضة قادمة- محمد حسين المياحي

 

مع سعي حثيث ومستمر من جانب النظام الايراني من أجل إستعراض قوته بوجه التحديات الدولية التي يواجهها فيما يتعلق ببرنامجه النووي ومن إنه بمثابة ند للبلدان الغربية عموما والولايات المتحدة خصوصا، ويحاول من خلال ذلك الإيحاء بقوته وثبات أوضاعه ومن إنه متفرغ للعدو الخارجي فقط، لکن وعند التطلع في ما يجري في داخل إيران والتدقيق فيه، نجد إن الاوضاع الداخلية سيئة جدا وتشکل العقدة الاساسية أمامه.

الحقائق المتعلقة بالاوضاع الداخلية والتي يحاول النظام الايراني إخفائها والتستر عليها، تظهر بصورة أو أخرى من خلال تصريحات مسٶولي النظام وتکشف عن عدم إستتباب أوضاعهم الداخلية وإن هناك حرکة رفض ومواجهة قوية ضدهم، وحتى إنهم يتخوفون من المواجهة الخارجية لأن آثارها وتداعياتها على الاوضاع الداخلية ستکون من القوة بحيث تضع النظام في مهب الريح.

في يوم الخميس، ٥ يونيو، وأثناء حديثه أمام تجمع لعناصر الباسيج والميليشيات في ورامين، كشف أحمد خاتمي، عضو مجلس خبراء القيادة ومجلس صيانة الدستور، عن هواجس النظام من خطر السقوط. وفي محاولة لرفع معنويات الحضور، وصف خاتمي بقاء نظام ولاية الفقيه لـ 47 عاما بأنه “إنجاز خارق” لخامنئي، مقارنا إياه بحكم الإخوان المسلمين في مصر الذي لم يدم سوى عام واحد.

هذا الادعاء الواهي الذي يخفي خلفه الکثير من الحقائق الدامغة التي تدين وتفضح النظام، إنکشف على حقيقته عندما هتف أزلام النظام بشعارات ضد مجاهدي خلق ولاسيما عندما قال خاتمي بأن مجاهدي خلق هم من تسببوا بإنتفاضة 2009 و2022، وعاد الى تکرار الرواية الرسمية الواهية التي تلقي باللوم على”الايادي الاجنبية” بل وحتى إن تماديه في الکذب والخداع قد وصل به الى حد ترديد الکذبة السمجة وبالغة السخف بأن”أمريكا أنفقت ميزانية عام كامل لتمويل هذه الاضطرابات” وأنها كانت تدفع أموالا للمتظاهرين مقابل التقاط صور للشعارات في الشوارع. هذه التصريحات، التي تكرر حرفيا كلمات خامنئي بعد انتفاضة عام 2018، لا تعكس سوى حجم الرعب الذي يشعر به النظام من الانتفاضة المنظمة ودور مجاهدي خلق فيها.

والملفت للنظر هنا، إن الامر لم يقتصر على المؤسسة الدينية، بل عبرت المؤسسة العسكرية والأمنية عن نفس المخاوف. ففي مقال تحليلي بتاريخ 29مايو، وتحت عنوان “دور مجاهدي خلق”، اعترف موقع “جوان أونلاين”، التابع لحرس النظام، بأن الولايات المتحدة تولي اهتماما خاصا لدور المنظمة في استراتيجيتها لـ “احتواء إيران”.

بل وإن الاخطر من ذلك، هو اعتراف المقال بالنجاحات السياسية والدبلوماسية للمقاومة الإيرانية على الساحة الدولية. فقد أشار صراحة إلى قدرة المنظمة على تأسيس مجموعة “أصدقاء إيران الحرة” في البرلمان الأوروبي وبرلمانات دول أوروبية أخرى، وعلاقاتها الوثيقة مع أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي ومسؤولين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي. وذكر المقال بالاسم شخصيات أمريكية بارزة شاركت في المؤتمرات السنوية للمقاومة، مثل مايك بومبيو، ومايك بنس، وجون بولتون، بالإضافة إلى ممثل الإدارة الأمريكية الحالية، الجنرال كيث كيلوغ، مؤكدا أن هذا الدعم يمثل استمرارا للسياسة “العدائية” ضد النظام.

ويكشف مقال حرس النظام عن “وجعه الرئيسي” الحقيقي، وهو الخطر الداخلي المتمثل في الربط بين الاحتجاجات الشعبية والعمل المنظم للمعارضة. ويعرب المقال عن قلقه البالغ من “خلق الاضطرابات والعنف الداخلي وتقديم الدعم المادي والمعنوي لاستمرار التوترات”، في إشارة واضحة إلى دور “وحدات الانتفاضة”، وهي الشبكات الداخلية للمقاومة.

وقدم المقال مثالا محددا يوضح هذا القلق، حيث كتب: “كمثال، يحاول مجاهدو خلق عبر مؤامرة متعددة المراحل تحويل احتجاجات بعض سائقي الشاحنات إلى طاقة لمواجهة النظام، ومن خلال تعميمها على المجتمع بأكمله، يسعون لإنجاح مشروع الفوضى”. هذا الاعتراف يدل على أن النظام لا يخشى الغضب الشعبي العفوي فحسب، بل يرتعب من وجود قوة منظمة قادرة على توجيه هذا الغضب وتحويله إلى تحد وجودي له.

إن هذه التصريحات المتزامنة من المؤسستين الدينية والعسكرية، ليست دليلا على القوة، بل هي مؤشر على حالة من الذعر. فهي تكشف أن قادة النظام يرون بوضوح أن السخط الشعبي الناجم عن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية لم يعد مجرد ردود فعل متفرقة، بل أصبح وقودا لانتفاضة منظمة تقودها شبكات المقاومة الداخلية. وهذا هو الكابوس الأكبر الذي يقض مضاجعهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *