مع اللحظات الأولى لسقوط النظام السابق نظام صدام حسين في العام 2003 م على يد التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية تحركت مجاميع كبيرة من أبناء الشعب نحو مؤسسات الدولة ودوائرها الأمنية والخدمية والصحية لتخربها وتنهب محتوياتها وكأن هذه المجاميع ارادت القول بأن سقوط النظام يعني سقوط الأخلاق ، لم تنتهي الأمور عند حد النهب والسلب بل راحت قطعان أخرى من ابناء الشعب لتأسيس مجاميع مسلحة تحت رعاية دول مجاورة لترهب الأبرياء وتفرض الإتاوات ثم بدأ الإنتقام الطائفي والعرقي والعشائري والديني ، ثم قام غالبية الناس بالإصطفافات العشائرية والمذهبية ، ثم الاغتيالات والرمي العشوائي والفوضى بذلك تكون الأمور قد دخلت نفق تصفير الأخلاق .. من أغرب الحوادث التي شهدتها تلك المرحلة السوداوية حين وقف أحدهم وسط مجاميع من الناس داخل سوق شعبي مزدحم في بغداد رافعاً قنبلة يدوية بيديه مهدداً بتفجيرها وقتل الجموع المحتشدة في السوق مالم يقوم الناس بجمع مليون دينار عراقي له لأنه محتاج ( تسول بالقوة ) وفعلاً قام الناس خوفاً وفزعاً و توسلاً من جمع المال لهذا المتهور لعلهم يتخلصون من شره ، هذه الحادثة كانت بداية الإعلان الرسمي لظهور أول نموذج لشخص ( مكبسل ) بشكل حقيقي في الواقع الجديد . علينا وقبل كل شيء أن لا نرمي باللوم كله على الحظ والزمان والأعداء وننسى بأن بذرة انعدام الأخلاق هي صفة أصيلة وليست هجينة موجودة في تركيبة نفوس قطاع واسع من أبناء مجتمعاتنا ، علينا أيضاً أن لا نستغرب بأن حالة سقوط الأخلاق عند سقوط الدولة وسقوط القانون هي حالة طبيعية في معظم دول العالم وحتى في أرقى المجتمعات لأن الإنسان المتحضر المدني بطبيعته التكوينية هو إنسان القانون أو نتاج القانون فعندما يغيب القانون تغيب الأخلاق وهذا الشيء حدث في دول عديدة . لكن الشيء الغريب والذي لم يحدث في أي مجتمع من مجتمعات الدنيا بعد زوال تلك المرحلة المرعبة واستتباب الأمن وعودة الحياة الطبيعية وظهور الدولة التي بسطت القانون بدأ الفساد الحقيقي الثقيل بالظهور والنهب الحقيقي والعشائرية المتخلفة والسقوط الأخلاقي الحقيقي تظهر تدريجياً وكأن ما حدث أيام سقوط النظام كان مجرد تدريب ( پروڤا ) على عمليات النهب الواسعة والسقوط الأخلاقي الخارج عن كل المقاييس . أصبح الوافدون الجدد الذين كانوا يسمونهم بالمعارضين المجاهدين الصابرين المحتسبين ينادون بتطبيق الشريعة ، السذج من الناس كانوا يعتقدون بأن فكرة حكم الله وتطبيق الشريعة بمعنى العودة إلى الماضي السحيق ، ولا يعلمون بأن الدنيا تغيرت والمفاهيم تغيرت ، فهؤلاء يريدون حكم الله بالمفهوم العصري لحكم الله بمعنى أن يكون كل واحد منهم هو الخليفة والسلطان ومفهوم السلطان عندهم بمعنى الليالي الحمراء والعنف المسلح وسرقة الأموال والممتلكات ومتعة النساء وحج البيت الحرام كل عام والتعطر بأجمل العطور والمحابس ذات الأحجار الكريمة والخدم والحشم ، فهذا هو حكم الله المعاصر الذي غفل عنه الناس وهو الحكم الذي جاهدوا طويلاً من أجله لأنهم يعرفونه تمام المعرفة عندما وضعوا حياتهم على طبق الموت ( أما الموت أو الفوز بالملذات ) عامة الناس المغفلين كانوا يتصورون تطبيق الشريعة ظهور أبا جهل وأبو لهب ومحاربة كفار قريش مثل افغانستان ، لكن الحمد لله تبين أن حكم الله عند أصحابنا أسوأ من ذلك بكثير ( بالضبط مثل صاحبنا المكبسل ) . . في جميع المجتمعات المتخلفة نرى الكلام يُقنع الناس أكثر من الفعل ، بينما في المجتمعات المتحضرة لا أحد يستمع للكلام وإنما ينظرون للفعل ، لهذه السبب في مجتمعاتنا يمكنك أن تفسد في الأرض وترتكب أقذر الأعمال ستنجو من العقاب بمجرد أن تتظاهر بالتقوى وعندك لسان ناعم يظهرك بملبس الحياء والورع ، وهذا ما قام بفعله كل فاسد ينطق بأسم الدين ، ونجحوا نجاحاً باهراً حتى أن بعضاً منهم أخذوا يصرخون بأنهم لصوص فاسدون وأنهم يخدعون الناس ولكن الناس ( الغلابة ) رغم ذلك يظنونهم من شدة تقواهم يصرخون . وأخيراً فأن العقلاء والشرفاء من الناس الذين دائماً يشكلون الأقلية لا يتأسفون على ضياع الأموال ولا على خراب البلدان لأنها كلها يمكن تعويضها ولكنهم يتأسفون على ضياع الأخلاق التي لا تعوض وتبقى أثارها السيئة تنتقل من جيل إلى جيل ، وأسوأ الصور لضياع الأخلاق ليس ما حصل لرجالات السلطة وإنما ما حصل لعامة الناس الذين ضاعت اخلاقهم وضاعت أموالهم وضاعت بلدانهم وهذا يعني بأن السقوط الأخلاقي قد وصل فعلاً للعظم عندما يصل لداخل البيوت ، فالأخوة والأخوات الذين يتحدثون كثيراً عن فساد السلطة وضياع الأموال عليهم أن يتوقفوا قليلاً وينتبهوا إلى ضياع الأخلاق التي قصمت ظهر البلاد