قديماً كانت الحروب تشن من أجل أهداف استراتيجية كأحتلال بلد وضم أراضيه أو إسقاط نظام وتنصيب نظام أخر أو توسعة أراضي الإمبراطوريات أو بسبب ردات الفعل والإنتقام ، لكن اليوم كل شيء تغير ، فالحروب أصبحت من أجل المكاسب السياسية وفي معظم الأحيان تكون هذه المكاسب للرصيد الشخصي للحاكم أو الحزب الحاكم ، فهي بالأحرى تجارة سياسية على حساب الشعوب . الحرب الحالية بين إسرائيل وإيران في الحسابات العسكرية من المستحيل تحقيق نصر حاسم لأي طرف ، فإسرائيل تمتلك قوة عسكرية هائلة وتكنولوجيا متفوقة مائة مرة بقدر إيران وتمتلك دعم دولي غربي كبير لكنها رغم ذلك هي دولة صغيرة المساحة والنفوس فلا يمكن لها أن تحقق كل شيء في الحروب إلا إذا أستخدمت السلاح النووي وهذا مالا يمكن السماح به دولياً بوجود دول عظمى ، أما إيران التي لا تمتلك معشار ما تمتلكه إسرائيل عسكرياً لكنها تمتلك مساحة واسعة من الأراضي ذات التضاريس المعقدة وعدد نفوسها كبير قياساً لجميع دول المنطقة ولها موارد اقتصادية متنوعة ولها قوة عسكرية تتناسب وحجمها فليس من السهولة أن تكون فريسة سهلة بيد إسرائيل خاصة وإن البلدين لا تربطهما حدود جغرافية بل تفصلهما أكثر من دولة ، فإيران في السابق عجزت أن تحتل شبر واحد من أراضي إسرائيل رغم وجود حلفاؤها من كل جهات إسرائيل وإسرائيل عجزت مع كل القوة والتكنولوجيا التي تمتلكها من إنهاء قدرات إيران ، فطالما الأمور معروفة مقدماً للطرفين فلماذا لجئتا إلى الحرب وتحديداً الحرب الجوية والصاروخية وتدمير ما يمكن تدميره ؟ أولاً دعوني أقول إيران ليست أكثر حرصاً على فلسطين من الشعب الفلسطيني وليست أكثر حرصاً على فلسطين من العرب أنفسهم أصحاب القضية وأما إسرائيل فلماذا هذا التخوف المصطنع من إيران وقدرات إيران وهي نفسها إسرائيل لم تتخوف من باكستان التي تمتلك عشرات القنابل النووية فكلاهما ( أي إيران والباكستان ) محسوبتان على الجانب أو الأمة الإسلامية وكلاهما بعيدان عن إسرائيل جغرافياً وكلاهما ليستا من الدول العربية صاحبة الشأن بالقضية الفلسطينية ؟ إذاً القضية وما فيها هو البحث عن المكاسب السياسية سواء لإيران أو إسرائيل ، فلا إيران قادرة على إزالة إسرائيل ولا إسرائيل قادرة على إنهاء إيران وكلاهما يعرفان هذه الحقيقة . في زمن الشاه الإيراني محمد رضا بهلوي كانت المكاسب السياسية تأتي ثمارها من خلال التقارب الإيراني الإسرائيلي وفي زمن النظام الإيراني الحالي فأن المكاسب السياسية تتحقق من خلال العداء الإيراني الإسرائيلي وتزداد هذه المكاسب قوة مع الحروب بينهما . كل الصراعات اليوم في جميع أنحاء العالم تحولت من صراعات أيدلوجية وقومية ودينية وأثنية وعرقية وغيرها تحولت إلى صراعات البحث عن المكاسب السياسية ، ففي الحالة الإسرائيلية الإيرانية حتى لو أحدى الدولتين شارفت على السقوط ستمتد إليها يد الدول العظمى صاحبة القرار لإرجاع عافيتها ومنع سقوطها لأن العالم اليوم ليست إسرائيل أو إيران أو غيرها من الدول من يقرر سقوط دولة أو إنتصار دولة ، فهذا الحق محصور بيد أولي الأمر والقوة وهي الدول العظمى وعلى رأسها أمريكا ، أما بقية الدول لها الحق أن تتحارب وتستهلك بعضها الأخر وتقدم القرابين وتحقق مكاسب عسكرية محدودة ومكاسب سياسية محدودة لا تتجاوز الخطوط الحمراء للدول العظمى . فكل ما يحدث اليوم بالنسبة لنا في هذه المنطقة المشؤومة هي شد وتلف الأعصاب وتفاعل مفرط ودعوات وتحريض شعبي ديني وقومي وطائفي لحساب هذا الطرف ضد الطرف الأخر ، بالنسبة للكبار محسوبة بالملم كما يقولون وبالنسبة للصغار ترقب وقلق وانتظار النتائج فلا التفاؤل والاصطفاف مع هذا الطرف أو ذاك ينفع ولا التشاؤم والابتعاد عما يحصل يشفع ، فما على الإنسان المقيم بين دفتي الشرق الأوسط غصباً عنه سوى أن يعيش الهلوسة اليومية مع هذه الحروب المجنونة .