إلهام شاهين تهزّ العرش العراقي… والعراقيون عالقون في طي النسيان!- راجي سلطان تالزهيري

انفجرت مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية وحتى شاشات التلفزيون العراقية منذ يوم الجمعة الماضي بخبر “جلل” لم يترك بيتًا إلا وتسلل إليه ولم يبقَ وجدانًا إلا وهزه بعنف. لا لم يكن الخبر عن هزة أرضية عنيفة أو كارثة طبيعية مدمرة ولا حتى عن اشتعال حرب إقليمية قد تمسّ وجود المنطقة برمتها. الأمر كان أعظم وأضخم من كل هذه “التفاهات” بكثير!
الخبر الذي شلّ حركة الحياة في العراق وجعل الجميع في حالة ترقب وقلق بالغ كان يتعلق بالفنانة المصرية القديرة إلهام شاهين التي وجدت نفسها “محاصرة” في بغداد غير قادرة على المغادرة إلى القاهرة بسبب إغلاق الأجواء العراقية. تخيلوا معي هذا المشهد البطولي! نجمة بحجم إلهام شاهين تتعرض لمثل هذا الظلم الفادح! كيف يمكن لدولة عظيمة كالعراق أن تسمح بحدوث مثل هذا “الانقلاب” في مصير فنانة بهذا الحجم؟
لم تمرّ ساعات قليلة حتى تحركت جميع أركان الدولة العراقية. هرع الإعلاميون الكبار والصحفيون اللامعون والمسؤولون الرفيعون إلى حيث تقيم الفنانة لتقديم واجب العزاء والدعم “اللامشروط”. تخيلوا معي مشهدًا مهيبًا: رئيس البرلمان ذاته يترك أجندته المزدحمة بقضايا التشريع والسياسة ليلتقي بها شخصيًا ويطمئن على “سلامتها النفسية والمعنوية”. لا شك أن الحديث دار حول أهمية الفن ودور الفنان في بناء المجتمعات وكيف أن إغلاق الأجواء قد يشكل “تهديدًا وجوديًا” للتبادل الثقافي بين الأشقاء!
ولم يكتفِ الأمر بذلك بل سارع نقيب الفنانين أيضًا للقاء الفنانة ليؤكد لها أن العراق كله تحت تصرفها وأن بقاءها سيكون “على نفقة الدولة الكريمة”. بالتأكيد لا يمكن أن نترك فنانة بحجمها تدفع ثمن إقامتها في بلدها الثاني. فما قيمة المليارات التي تنفق على مشاريع البنية التحتية أو دعم القطاعات الحيوية إذا لم تكن قادرة على تأمين إقامة كريمة لفنانة “عالقة”؟
وصلت ذروة الحدث عندما نشر صحفي من محافظة ذي قار – يا للروعة والتضحية! – بشرى سارة للعراقيين قاطبة معلنًا عن وصول الفنانة إلهام شاهين أخيرًا إلى القاهرة! لا أخفيكم سرًا فور قراءتي للخبر أرسلت له تهنئة قلبية. فما أجمل أن نرى أبناء العراق يتفانون في خدمة القضايا الوطنية بهذا الشكل حتى لو كانت تتمثل في تأمين عودة فنانة إلى ديارها!
هنا وفي خضم هذه الفرحة العارمة لا يسعني إلا أن أتساءل: كم نحن سذج إلى هذه الدرجة؟ هل يعقل أن تهتز قلوبنا وعقولنا بهذا الشكل لقضية “فنانة عالقة” بينما الآلاف من العراقيين عالقون في دول كثيرة حول العالم؟ لا يهتم بهم أحد لا يلتفت إليهم مسؤول ولا يخصص لهم الإعلام ولو سطرًا واحدًا. حتى حجاج بيت الله الحرام الذين يتوقون لأداء فريضة عظيمة رفضت الكويت مرورهم برًا بأراضيها ولم نسمع حينها عن قمة طارئة لرئيس البرلمان أو تدخلات عاجلة من نقابة الفنانين!
أليس مستغربًا هذا؟ أليس من المدهش أن نضع أولوياتنا بهذا الشكل المقلوب؟ يبدو أن “البرستيج” الفني والطيران الخاص للفنانين أهم بكثير من معاناة المواطن العادي الذي قد يكون عالقًا في مطار أجنبي بلا مأوى أو في بلد غريب بلا مال أو حتى مجرد حاج يتوق لبيت ربه. ربما حان الوقت لنعيد تقييم أولوياتنا ونتساءل: هل نحن شعب يعيش في الواقع أم في مسلسل درامي بطولته فنانة “منعشة”؟
وفي الختام لا يسعني إلا أن أستذكر كلمات الكاتب الراحل حمدي قنديل الذي لخص حال الأمة العربية بمرارة وسخرية لاذعة:
أه يا أمة جاحدة، يا أمة ناكرة، يا أمة ذليلة، يا أمة واهنة، يا أمة تلفانة، يا أمة عدمانة، يا أمة أونطة، يا أمة كل اللي شغلك النهاردة مسلسل هشام وسوزان بعد مسلسل تامر وشوقية، يا أمة كانت أمة محمد بقينا أمة مهند.”
فهل ما زال هناك أمل في أن نستفيق من غفوتنا ونعود أمة تعنى بقضاياها الجادة، لا بـ “عَلْقَة” فنانة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *