علينا أن نبدأ من الطفل- د. عبدالباقی مایی

 

١٥ \١١\٢٠١٨

 

فی الوقت الذی نلاحظ فیه إنخفاضا لمعدل وفیات الأطفال والأمهات فی العالم إلی النصف خلال السنوات العشرة الماضیة، قامت منظمة الصحة العالمیة بتوسیع تعریفها للصحة لكی تشمل، بالإضافة إلی غیاب المرض لدی الفرد، توفر رفاه عقلی وإجتماعی لدیه أیضا. إضافة إلی ذلك أصبح من المعلوم لدینا الآن بأن أكثر من نصف مجموع الأمراض العقلیة والنفسیة المعروفة لدی الكبار یبدأ ظهورها فی مرحلة الطفولة. هذه المعلومات العلمیة الحدیثة تضع إثنین من التحدیات الرئیسیة علی قمة سلسلة الأفضلیات أمام المحاولات العلمیة فی العالم لتحسین صحة الفرد والمجتمع؛ إحداهما العمل علی توفیر حیاة أطول للفرد، والثانیة التركیز علی تعمیم التعریف الجدید للصحة بأبعادها الثلاث لكی تشمل الأفراد فی جمیع المجتمعات العالمیة أطفالا وكبارا، إناثا وذكورا، فقراء وأغنیاء، أقلیة أو أكثریة من الفرد إلی المجتمع بصورة عادلة فی جمیع أنحاء العالم.

نلاحظ فی الواجهة الأخری للبشریة المعاصرة تصاعد الأزمات والحروب بشكل مخیف بالرغم من تقدم العلم والمعرفة. ترافق ذلك زیادة عملیات التلوث والتدمیر البیئی التی لاتزال تهدد الحیاة والطبیعة بدءا بإنقراض بعض أنواع الحیوانات والنباتات البریة والبحریة مع نقص متزاید فی مصادر المیاه وإصابة مساحات واسعة من سطح الأرض بالجفاف. هذا التصاعد فی الحروب والأزمات و الكوارث تولد قلقا متزایدا لدی الأفراد والمجتمعات یساعد فی نشرها وتعمیقها التقدم التقنی السریع الذی كون عالما جدیدا من شبكات التواصل الإجتماعی السریع الذی یضمن التفاهم والتقارب عن بعد و یسهل نشر الأنباء السلبیة والهدامة بسرعة أكبر من أخبار التقدم والبناء. وهذا القلق المادی یولد بدوره أزمات نفسیة عمیقة ومتواصلة لدی الفرد تجلب له الكآبة والیأس والإحباط. فیتأثر الفرد بها منذ طفولة مبكرة نتیجة للوعی والتقدم العلمی والتقنی والإجتماعی السریع والغیر متناسق. فیتسارع إرتفاع عدد الأطفال اللذین یقضون معظم وقتهم فی مراقبة ورۆیة واللعب مع الشاشة المرئیة مما یۆدی إلی إصابتهم بالأمراض النفسیة والعقلیة والجسدیة وكذلك یقلل من إمكانیاتهم فی البحث العفوی والكشف الطبیعی والتعلیم الضروری والتدریب الفعال.

إعتبارا لكل ما ذكر أعلاه نجد من الضروری الآن ولیس غدا العمل علی تهیئة الظروف الملائمة للنمو الطبیعی والتطور السلیم للطفل منذ نشوئه وذلك لبناء شخصیة سلیمة للفرد عند بلوغه سن الرشد للمشاركة فی بناء مجتمع زاهر سلیم. و من الممكن تحقیق ذلك بفضل التطور التقنی السریع والتقدم العلمی فیما یتعلق بالتأثیر البیئی علی الجینوم البشری. من خلال التعامل الحدیث مع الخلایا الجذعیة والإستفادة من التصویر المبكر لدماغ الطفل منذ بدایة تكوینه، یمكننا إتخاذ تدابیر وقائیة جدیرة بمكافحة غالبیة الإضطرابات والأمراض العقلیة والنفسیة لدی الفردقبل تجاوزه لمرحلة الطفولة والوصول إلی البلوغ. كذلك یمكننا الآن توفیر وترسیخ القیم والمبادئ الإنسانیة المعاصرة فی دماغ الطفل لكی نضع الحجر الأساس لبناء الشخصیة السلیمة لدی الفرد.

وإستنادا علی قیم ومبادئ المساواة وحقوق الإنسان، وتبنی الأسالیب السلمیة لحل الصراعات، ووضع الأسس الدیموقراطیة للحوار والتفاهم، وتشجیع التنوع دون تمییز، یمكننا تربیة الطفل علی هذه القیم دون إستخدام العنف أو الخائات الهدامة الثلاث “الخوف والخجل والخطیئة” فی عملیة تربیة الطفل. وهكذا یمكننا أن ننجح فی مكافحة التعصب المتزاید الذی یشارك فی تكوین جذور الإرهاب محلیا وعالمیا.