تتجاوز أعداد النازحين في اقليم كردستان 139 ألف عائلة تنتشر 60 ألف منهم داخل الأحياء والمدن في السليمانية، فيما تحول حي “سرجنار” في المدينة الى نموذج للتعايش القومي والمجتمعي بين النازحين والسكان، بحسب تقرير لمشروع “تصالح” المدعوم من منظمتي CFI و .MICT
ويشير التقرير الذي أعده الاعلامي “هفال فتاح” وزود NRT عربية بنسخة منه، إلى أنه في احد احياء سرجنار القديمة بمدينة السليمانية تحرص مجموعة من الاطفال ان تملأ اصواتهم العالية زوايا الحي العتيق ويبتكرون افكارا جديدة للعب والانسجام مع بعضهم البعض وهم جميعا في اعمار متقاربة بين التاسعة والعاشرة يملئون أرجاء الحي صخبا وضحكا وهم تارة في وئام وتارة اخرى في خصام، مايثير الانتباه أنهم احيانا يتكلمون العربية واحياننا اخرى يتفاهمون بينهم بالكردية.
يعد “سان” وهو ابن العاشرة والذي يطلق عليه الصبية لقب “قائد المجموعة “، يـذكر أنه تعلم العربية من اصدقائه “مجد وعبدالرحمن وادم ومهند”. ويمتلك “سان” بجانب هؤلاء اصدقاء آخرين ويقول “احب جميعهم فكلهم اصدقائي”.
مايميز حي سرجنار في السليمانية هي تلك العلاقة الوطيدة بين الجيران المتنوعين بفضل اختلاط، هؤلاء الاطفال الذين قربوا المسافات بين اهاليهم رغم اختلاف الثقافات والقوميات والعادات والتقاليد المختلفة.
وقال “سان” إنهم يجتمعون في البيت للعب البلاي ستيشن، ويذهبون الى منزل “ادم” حيث لديه بلاي ستيشن من النوع المتطور وعن لغة التواصل بينهم اجاب “هم يعرفون التحدث باللغة الكردية وانا اعرف العربية”، ولم تساعده اجادة اللغة في التواصل مع اصدقائه فقط بل يتباهى في المدرسة امام اقرانه بها واصبح يشارك كثيرا في درس اللغة العربية والمعلم يثني عليه دائما على حد قول عائلته.
استقبلت مدن اقليم كردستان بعد اندلاع النزاع الطائفي بين 2006- 2007 اعدادا كبيرة من نازحي وسط وجنوب العراق، وتوافدت الاف منهم الى السليمانية بعد دخول تنظيم داعش الى العراق في حزيران 2014، حيث بلغت أعداد النازحين في نفس العام نحو خمسة آلاف و 300 عائلة بحسب مديرية الهجرة والمهجرين في محافظة السليمانية.
ويضيف “سان” أن صديقه المقرب هو (مجد) الذي نزح مع عائلته من محافظة ديالى واشار إلى أنه يلعب في بيتهم كثيرا، لافتا أن والدته عندما تطبخ الدولمة او كبة برغل ترسل بالاطباق الى منزل اصدقائه “مجد وادم وعبدالرحمن ” الذين ينتمون الى مدن عراقية مختلفة.
واشار “ئالان عثمان” الذي يعمل مدرسا في إحدى المدارس الثانوية في السليمانية من نفس الحي “سرجنار” إلى أنه لم يكن يتوقع ان تتطور العلاقة بين ساكني الحي من القوميتين العربية والكردية الى هذا الحد نظرا لما تعرض له الكرد من ويلات ومآسي على يد الأنظمة العراقية الحاكمة المحسوبة على القومية العربية في المخيلة الشعبية للكرد، لكن هذه الصورة تغيرت بعد أن تعرفوا على عوائل عربية وتعايشوا معهم قائلا: “جارنا العربي كلما يذهب ليتفقد ارضه وبستانه يجلب للحي سلال التمور والبرتقال والرمان كهدايا ويوزعها على الجيران لأننا اصبحنا بمثابة عائلة واحدة”. وذكر أيضا أن أطفال الحي يلعبون ويمرحون ويدخلون البيوت وقت ما يشاؤون دون التفكير فيما اذا كان الجار عربي او كردي و “الاحترام المتبادل هو سيد الموقف بين اهالي حي سرجنار القديم”.
وقال مدير دائرة الهجرة والمهجرين في السليمانية “جيا حسين فارس” إن معظم العوائل التي نزحت واستقرت في السليمانية والمدن التابعة لها تنتمي لمحافظات صلاح الدين والانبار وديالى وأن مجموع تلك العوائل التي تقطن المخيمات ومدن وقصبات محافظة السليمانية وادارة كرميان تنهاز 60 ألف عائلة وان حوالى 85% منهم تسكن داخل مدن والاحياء السكنية بجانب خمسة مخيمات منتشرة في انحاء المحافظة.
ويقول صاحب مكتب عقارات تبعد بضعة امتار عن حي سرجنار “الحاج ابراهيم قرداغي” إن اهل الحي رفضوا تأجير البيوت الفارغة للعرب في البداية فكانت المنازل عندما تفرغ تؤجر فقط للكورد، وكانوا يرفضون تأجيرها للعرب نهائيا، إلا حتى جاءت عائلة من بيجي “ابو عبدالرحم”، فألح على اهل الحي ان يوافقوا على تأجير المنزل لهم لاسباب انسانية، فوافق اهل الحي على مضض ولم يكونوا يتعاملون معهم لعدة اشهر الا أن العلاقة توطدت بينهم وبين اهل الحي الآن وبعد هذه العائلة، جاءت ثلاث عائلات عربية اخرى وتبعتهم عائلات اخرى حتى اصبح حي سرجنار مختلفا عن المناطق الأخرى قائلا: “الفضل يعود لهؤلاء الصغار، فبرغم صخبهم وشغبهم وصراخهم المستمر في الحي الا انهم كانوا سببا في تقارب وجهات النظر بين الكبار”.
وتشير الارقام الرسمية لهيئة احصاء كردستان، إلى أن عدد العوائل النازحة في اقليم كردستان حتى ايلول هذا العام تجاوزت 139 ألف عائلة وان مجموع افراد تلك العوائل المتواجدة حاليا في الاقليم تجاوزت 837 ألف شخص ينتشر اكثر من 60 ألف منهم داخل الأحياء والمدن في السليمانية وخارجها، ويمتنع الكثير منهم عن العودة الى اماكنهم الأصلية بسبب الدمار والخراب وهشاشة الأمن وسط شعور بالطمأنينة والتآلف المجتمعي مع مواطني اقليم كردستان بحسب تقارير لمنظمات مدنية وحقوقية ومقابلات وشهادات للعوائل النازحة.
nrt