علم الإجتماع وأنواع المعرفة الإنسانية – بيار روباري

 

 

قبل الولوج في الموضوع الذي نحدن بصدده، لا بد من التنويه بأن أنواع المعرفة منبعها علم الإجتماع، ومنبع علم الإجتماع يعود للفلسفة. بمعنى إن الفلسفة هي إم جميع العلوم. ولفهم موضوع بحثنا بشكل أفضل، لا بد لنا التوقف ولو بشكل سريع عند تعريف مفهومي علم الإجتماع والفلسفة، ليكون ذلك خلفية لموضوعنا الرئيسي.

 

علم الإجتماع:

هناك العديد من التعريفات لمصطلح علم الاجتماع، فمثلاً حسب رأي (جيمس فاندر) فإن علم الاجتماع يقوم بدرسة سلوك والتفاعل الإنساني، والذي يظهر في علاقة الأفراد بعضهم ببعض، حيث إنه يهتم بما يحدث بين الناس، وما يمارسونه من نشاطات بين بعضهم البعض، وبالعلاقات التي تنمو وتتطور فيما بينهم، كما أنه يهتم بالمحافظة على تلك الروابط.

أما زميله (ماكجي) فهو يرى أن علم الاجتماع هو العلم الذي يدرس النظام الاجتماعي، والذي يعبر عن النمط الذي تقوم على أساسه الشؤون بين الأفراد في المجتمع، بدءاً من العلاقات البسيطة بين الأفراد كالتعاون مثلاً، إلى العلاقات بين الجماعات التي تشترك بمواقف سياسية معينة، وتتحدث اللغة نفسها.

بينما قدم (لوسيل دبرمان) تعريفاً مغايرآ لعلم الاجتماع، وقال أنه علم يقوم بدراسة سلوك الإنسان وأنماط حياته الاجتماعية، كما عرفه برنارد فيلبس، أنه العلم الذي يدرس سلوك المجتمع، ويمكن أيضاً إضافة تعريف آخر ورد في الكتب العربية وهو أن علم الاجتماع هو العلم الذي يدرس الظواهر الاجتماعية، والأنظمة الاجتماعية، وسلوك الإنسان في إطار علاقته ببيئته ومجتمعه.

أما (ابن خلدون) الذي يُعتبر أول من اكتشفه يطلق عليه تسمية “علم العمران”، وذلك لأنه يهتم بالعمران البشري، والسلوك الإنساني، ويعتبره من العلوم الواسعاة، حيث إنه يشتمل على العديد من الأوجه، فهو يهتم بالبيئة وتأثيرها على حياة الأفراد وسلوكهم، كما أنه يدرس حياة البدو والحضر، ويهتم بالدولة وماهيتها، ونشأتها وأسباب تقدمها أو تأخرها.

في المقابل قد أطلق الفيلسوف الوضعي (أوغست كونت) على هذا العلم مصطلح “الفيزياء الاجتماعية” وذلك لإيمانه أن الظواهر الاجتماعية خاضعة لقوانين الطبيعة، واستعمل كلمة “سوسيولوجيا” للدلالة على هذا العلم. ويرجع الفضل في تأسيس علم الاجتماع على قواعد علمية متينة وواضحة إلى العالم

(إميل دوركايم)، زعيم المدرسة الاجتماعية الفرنسية، الذي عرّف علم الاجتماع على أنه منهج يهتم بدراسة الظواهر الاجتماعية، وهي عبارة عن قوى تفرض على المجتمع نوعاً معيناً من التصرف، والتفكير والعواطف، وهي ليست من صنع أفراد المجتمع بل هي تسبقه في الوجود.

 

 

مجالات علم الاجتماع

يشتمل علم الاجتماع على مواضيع متنوعة وكثيرة في الواقع، حيث يتناول الجريمة، الدين، الأسرة والدولة، والانقسامات في المجتمع، والطبقات الاجتماعية، كما يبحث علم أيضآ في الأسباب والعواقب الاجتماعية لكثير من الأمور، مثل: الحب، والهوية العرقية، والسلوك المنحرف، والشيخوخة، والمشاكل الأسرية، ويدرس الفقر، والثروة، والمدارس والتعليم، ويحلل العديد من الظواهر مثل: النمو السكاني، الهجرة، الحرب والسلام، والتنمية الاقتصادية.

كما تختلف طريقة علماء الاجتماع في إجراء البحوثات الخاصة به، حيث يراقبون الحياة اليومية للأفراد، ويقومون بعمل الإستطلاعات المطلوبة، ويحللون البيانات، ويجرون المقابلات والاختبارات. والجدير بالذكر أن علم الاجتماع يعتبر المجال الخصب، الذي يمكن من خلاله توسيع المدارك، وتحليل العلاقات الاجتماعية بين البشر، بالإضافة إلى دراسة العلاقات بين البشر والثقافات والمؤسسات المختلفة، ويعتبر علم الاجتماع من العلوم الصعبة والمعقدة من حيث الدراسة، إلّا أنه من الدراسات التي تجذب الناس.

ويعود تعقيد دراسته وصعوبته إلى أنه يهتم بالعلاقات الإنسانية، التي تكون في الكثير من الأحيان غير واضحة، وأهم موضوع يقوم بدرسته علم الاجتماع ما يُطلق عليه “النسق الاجتماعي”، وهو مجموعة من الناس الذين يرتبطون مع بعضهم البعض بروابط مشتركة، ويشتركون بنشاط أو أكثر، ومثال ذلك النسق الاجتماعي البسيط المكوّن من الزوج والزوجة، أو المعقّد كمصنع مثلآ يضم العديد من الموظفين والعمال، أو الجيش الذي يضم الآلاف من الجنود والضباط.

الفلسفة:

الفلسفة لغة:

كلمة فلسفة هو اختصار لكلمتين يونانيّتين هما: (فيلو)، وتعني: الحُب، و(سوفيا): تعني الحِكمة؛ أي إن معنى الفلسفة هو حُب الحِكمة.

وينسب بعض المؤرخين هذا الاصطلاح إلى فيثاغورس، الذي أطلق على نفسه لقب فيلسوف، وأرجعه البعض الأخر إلى سقراط الذي بدوره وصف نفسه بالفيلسوف، وذلك رغبة منه على ما يبدو في تمييز نفسه عن السوفسطائيين الذين إدعوا الحِكمة، ويرى آخرون أن مُصطلح فلسفة يعود إلى أفلاطون؛ حيث استخدمها في وصف سولون وسُقراط.

الفلسفة اصطلاحاً:

يختلف تعريف الفلسفة اصطِلاحاً عند الفلاسفة؛ فمثلآ يعرفها (الفارابي) بأنها: “العلم بالموجودات بما هي موجودة”. أما (الكندي) فإن الفلسفة هي: “علم الأشياء بحقائقها الكليّة؛ حيث يؤكد أن الكلية هي إحدى خصائص الفلسفة الجوهرية، التي تميزها عن غيرها من العلوم الإنسانية. ويرى (ابن رشد) أن التفكير في الموجودات يكون على اعتبار أنها مصنوعات، وكلما كانت المعرفة بالمصنوعات أتم كانت المعرفة بالصانع أتم، أما (إيمانويل كانت) فيرى أن الفلسفة هي المعرفة الصادرة من العقل.

والفلسفة ليست مجرد مجموعة معارف جزئية خاصة، بل هي علم المبادئ العامة كما عرفها (ديكارت) في كتابه مبادئ الفلسفة، وكما قال أيضاً: إنها دراسة الحكمة؛ لأنها تهتم بعلم الأصول، فيدخل فيها علم الدين، وعلوم الإنسان والطبيعة، وركيزة الفلسفة عند ديكارت هي في الفكر المدرِك لذاته، الذي يدرك شمولية الوجود، وأن مصدره من الله، أما الفلسفة بمعناها المُبسط كما وصفها (برندان ولسون): فهي عبارة عن مجموعة من المشكلات والمحاولات لحلها، وهذه المشكلات تدور حول الله، والفضيلة، والإدراك، والمعنى، والعلم، وما إلى ذلك.

 

الفلسفة بالمختصر، هي دراسة المشاكل العامة والأساسية التي تتعلق بأمور كـالوجود، والمعرفة، والقيم، والعقل، واللغة. المنهج الفلسفي يتضمن التساؤل، والمناقشة النقدية، والجدال بالمنطق، وتقديم الحجج في نسق منظم.

 

المعارف الإنسانية:

يمكن تقسيم المعارف الإنسانية إلى ثلاثة أنواع هي:

أولآ: المعرفة الحسية:

 

1- دور الحواس في عملية المعرفة:

هناك مدرستين مختلفتين ولكل منها نظرتها وتقيهما لدور الحواس في عملية كسب المعرفة وهما:

عند التجريبيين: آ-

لا خلافبين المذاهب الفلسفية في أن للحواس دورآ ما في عملية المعرفة. ولكن الخلاف بينهما هو في تقييم الدور الذي تقوم به الحواس في تحصيل المعرفة من ناحية، وفي تحليل دور الحواس في هذه العملية من ناحية أخرى. وبعبارة أخرى في مدى اعتماد المعرفة على الحواس وفي علاقة الحواس بغيرها من طرق المعرفة.

 

وبمناسبة الحديث عن المعرفة الحسية، نجد ان التجريبيين والحسيين يبالغون في الاعتماد على الحواس طريقا للمعرفة، بل ويعدونها المنبع الوحيد والسبيل الرئيسي للمعرفة. وتقوم نظرتهم لغيرها من الطرق، كالعقل، على أنه تابع للحواس، بل وتعتمد عليها كلية وينحصر دوره فيما تقدمه له هذه الحواس، بل هو

لا يعدو ان يكون مستقبلآ، هذا إن كان ثمة اعتراف به وبدوره في المعرفة.

فالإحساس عند (الأبيقوريين) مثلا، أصل المعرفة وطريقها الوحيد، والإحساسات تعطينا صورة صادقة للأشياء أي صورة مطابقة لواقعها، “وخطأ الحواس ليس في الإدراك بل في الحكم الذي يضيفه العقل إلى الإدراك”.

و(الرواقيون) من جهتم يبالغون في الاعتماد على الحواس طريقا وحيدا للحصول على المعرفة، إذ هي تتصل بالماديات، والوجود عندهم كله مادي، حتى العقل نفسه فإنه مادة إذ النفس مادية، والإنسان يولد وعقله صحيفة بيضاء خالية من كل معرفة، ثم تنطبع فيها صور الأشياء عن طريق الحواس، والعقل حاسة من الحواس، وهو يقوم بالتجريد، الإضافة، التأليف، النقل والمضاهاة، ولا يستطيع في عمله ذلك الخروج عما تقدمه له الحواس الخارجية.

 

والتجريبية الحديثة كذلك تجعل التجربة أو الحواس طريقا وحيدا للمعرفة. فالتجربة عند (لوك) مثلا نوعان: /تجربة حسية/ أو /إدراك حسي/ يعتمد على الإحساس المباشر ويقوم على تلقي الانطباعات الحسية، وتجربة باطنية أو تأمل يعتمد على التفكير ويقوم على ربط الإحساسات الخارجية وتكوين أفكار منها.

 

فالأفكار العقلية ليست في النهاية إلا صورة من التجربة وإن كان هذا التوسع في معنى التجربة عند ‘لوك‘ يعد تقدما نحو إقرار بالعقل إلا أن مهمته عنده ما تزال سلبية. وإذا ما نظرنا إلى الاتجاه الحسي المتطرف لدى ‘كوندياك‘ نجده يقتصر على الإحساس الظاهري ويستغني عن التفكير كمصدر للمعرفة. ويرى أن أي إحساس ظاهري كاف لتوليد جميع القوى النفسية، وأنه عند أول إحساس يوجد شيء واحد في الشعور وهو إحساس واحد لا غير، ويكون هذا هو الانتباه، ويبقى هذا الإحساس ومع إحساس آخر تحصل الذاكرة، وبتوجيه الانتباه إلى الإحساس الحاضر والإحساس الماضي تحدث المقارنة أو المضاهاة.

 

 

وبإدراك المضاهاة مشابهة ومفارقة يتكون الحكم، وإذا تكررت المضاهاة والحكم كان الاستدلال. إذآ عمليات العقل ليست إلا إحساسآ خارجيا أصلا. أما الفيلسوف الحسي ‘هيوم’، فيرى أن الافكار ليست إلا صورا باهتة للانطباعات الحسية القادمة من الحواس، ومن ثم فهو يجرد العقل من كل فاعلية، وأن ما ينشأ في العقل من انفعالات وإدراكات قوية بارزة فهو من الحواس الخارجية، بحيث تحدث صور لهذه الانفعالات، وتنشأ علاقات فيما بينها وبين المعاني بفضل قوانين تداعي المعاني أو التشابه والتقارن في الزمان والمكان والعلية، وهذه القوانين ليست أولية أو غريزية في العقل وإنما هي تكرار للتجربة كما أنها ليست قائمة في الخارج.

 

ومن ثم فإن للتجريبيين موقفا صلبا من القياس لأنه مبنى على المعنى المجرد الكلي، ولأنه يشهد بوجود العقل وفعاليته في المعرفة وهم ينكرون هذا الدور للعقل، ويعدون الحواس صاحبة المقام الأوحد في المعرفة. ومن ثم فإن الاستدلال عندهم ليس الانتقال من معنى عقلي إلى معنى عقلي وإنما هوالانتقال من محسوس إلى محسوس محكومآ بقانون التداعي. ومن ثم فإنهم يفضلون الاستقراء الذي هو انتقال من محسوس إلى محسوس أو من جزئي الى جزئي، والاستقراء قائم عندهم على مجرد التوقع الأولي أو مجرد عادة يولدها التكرار ذلك أن المستقبل شبيه بالماضي.

 

ب-  دور الحس عند العقليين:

أما العقليون فلا ينكرون وجود الحواس وأن لها دورا ما في المعرفة. ولكنهم يأخذون على التجريبيين اعتمادهم التام عليها طريقا للمعرفة، ثم يخالفونهم في اعتبار العقل محصورا في مهمة الحواس. ويقول العقليون: إن التجربة التي تحصل بوساطة الحواس مضللة موهمة، وإن الحواس لخداعة كذابة مخطئة لو اعتمدنا عليها كل الاعتماد في المعرفة، ذلك أن الإدراك الحسي إنما يخبرنا عما يتعلق بحالة واحدة من أحوال الشيء، كما أن ما تظهرنا عليه الحواس ليس إلا مظهر الأشياء فحسب، ولا تطلعنا على حقيقتها. وهذا لا يعني إنكار دور الحواس نهائيا في المعرفة، ولكن التجارب الحسية إنما تقدم عليها المعاني الأولية التي على اساسها تفهم التجربة ويحصل الإدراك الحسي. فالعقل أساس الحواس وموجه للإدراك الحسي.

والهجوم على دور الحواس في المعرفة يخدم فريقين: فريق السوفسطائية التي تنكر الحقيقة والعلم استنادآ إلى خداع الحواس وقصورها ونسبيتها.. وفريق العقليين الذين يقدمون في الأهمية عليها طريقا آخر وهو العقل، ولكنهم لا ينكرونها كلية. ولعل أقسى العقليين على المعرفة الحسية ودور الحواس في المعرفة أفلاطون، إلا أنه يعتبر الإحساس أول مراحل المعرفة ولكنه يعتبر دور الحواس لايعدو أن يكون مذكرآ للنفس لتعود إلى علمها الازلي الكامن فيها، والذي نسيته بسبب تعلقها بالبدن أو حلولها فيه.

 

بينما جعل أرسطو للحواس دورا رئيسيا في المعرفة معالعقل إذ قسمها إلى حواس ظاهرة وباطنة. وجمع بين عملها وعمل العقل، بل صرح بأنه لا يمكن التعلم أو الفهم من غير الإحساس، وأن المحروم حاسة محروم المعارف المتعلقة بها،وجعل عمل العقل قائما على القوة المتخيلة من القوى الحاسة. ولعل أرسطو قد حاول أن يقف بهذا موقفا معتدلا بين الحسيين المتطرفين والعقليين المتطرفين، إذ جعل الحواس جزءامن النفس بالإضافة الى العقل، فعرف النفس بأنها ‘ما به نحيا ونحس وننتقل في المكان ونعقل أولآ’.

والحس عند الاتجاه العقلي الحديث كاديكارت مثلا، ليس مصدر أساسيآ للمعرفة، ولكنه مصدر أو طريق يقدم للفطرة بما فيها من أفكار فطرية مادة معرفة، والمعاني إنما تستنبط من النفس أو إنما تعود إلى الحدوس العقلية، بل إن الثقة بما تقدمها الحواس، إنما يعود إلى وضوح البديهيات العقلية وتميزها، أما المحسوسات قبل توثيق العقل لها فهي مصدر شك وخداع، وأنه لا قيمة لإحساسنا دون أن نعرفها معرفة واضحة متميزة، وإلا إذا التزمنا اعتبارها أفكارا فحسب، ومن ثم تكون لنا بها معرفة.

 

 

ثانيآ، المعرفة الفلسفية:

 

خصوصية المعرفة الفلسفية، تتلخص في أنها تجد في كل نمط معرفة مشاكل خاصة تتعلق به، وتحاول حلها بمنهج خاص. غير أن الخصوصية لا تعني أن هذه المشاكل قائمة بذاتها ومستقلة عن المشاكل التي يطرحها الواقع، بل يعني تناول ذات المشاكل الواقعية، لكن على مستوى معين أي منظور إليها على مستوى مجرد كلي. وللمعرفة الفلسفية منظورين لتحليل المشاكل ومن ثم البحث عن الحل.

 

1- المنظور التجريدي: أو الفكر المجرد، هو المجرد من الزمان والمكان والمادة، ونقيضه العيني. أي الموجود في مكان معين وزمان معين، وهو الشيء المادي المحسوس. والفلسفة تخصص في الدراسات الفكرية المجردة، لذا فإن موضوعات الفلسفة هي النظريات والمفاهيم والتصورات والأفكار. وكل موضوع عيني فهو علم وليس فلسفة. غير أن هذا لا يعني أن الفلسفة منفصلة عن الواقع، إذ أن المعرفة قائمة على الانتقال من العيني (المشكلة) إلى المجرد (الحل) الى العيني مرة أخرى من أجل تغييره (بالعمل). فالفلسفة بمثابة مقدمات مجردة لا يؤخذ في عزلة عن نتائجها العينية، ووظيفتها إيضاح الأصول الفكرية المجردة لمواقف عينية. وبالتالي فإن كل دعوة للالتزام بأفكار مجردة وراءها دعوة لموقف معين من الواقع المعين.

 

2- المنظور الكلية: الفلسفة هي مفهوم كلي للوجود، فهي تبحث في علاقة الإنسان بالإله والآخرين من طبيعة ومجتمع، لذا فإن مواضيع الفلسفة هي العلاقات. وبالتالي فإن أي موضوع جزئي (أي يتناول نوع معين من أنواع الوجود فهو علم وليس فلسفة).غير أن هذا لا يعني أن الفلسفة بما هي كلية تلغي العلم بما هو جزئي، ذلك أن الكل لا يلغي الجزء بل يحده فيكمله ويغنيه.

 

خصائص المنهج الفلسفي:

للفلسفة منهج خاص لحل المشاكل الفلسفية وهي المنهجية، العقلانية، المنطقية والنقدية.

1- المنهجية:

يقوم هذا المنهج الفلسفي على الشك المنهجي أو النسبي، وهو شك مؤقت ووسيلة لا غاية في ذاته، إذ غايته الوصول إلى اليقين، أي أن مضمونه المنهجي عدم التسليم بصحة حل معين للمشكلة إلا بعد التحقق من كونه صحيح. والشك المنهجي يختلف عن كل من الشك المذهبي والنزعة القطعية.

فالشك المذهبي أو المطلق دائم وغاية في ذاته أي أن مضمونه المنهجي قائم على أنه لا تتوافر للإنسان إمكانية حل أي مشكلة. أما النزعة القطعية فتقوم على التسليم بصحة حل معين دون التحقق من كونه صادق أم كاذب.

2- العقلانية:

يتصل منهج العقلانية بملكة الإدراك (المجرد) كوسيلة للمعرفة، إذ أن الفلسفة هي محاولة إدراك الحلول الصحيحة للمشاكل الكلية المجردة.

3- المنطقية:

يستند هذا المنهج إلى المنطق بما هو القوانين التي تضبط حركة الفكر الإنساني، ذلك أن الفلسفة لكي تصل إلى حلول صحيحة لمشاكلها يجب أن يستند إلى القوانين أو السنن التي تضبط حركة تحول الطبيعة وتطور الإنسان وحركة الفكر.

4- النقدية:

هذا المنهج الفلسفي قائم على الموقف الرافض لكل من القبول المطلق والرفض المطلق، والذي يرى أن كل الآراء (بما هي اجتهادات إنسانية) تتضمن قدراً من الصواب والخطأ ، وبالتالي نأخذ ما نراه صواباً ونرفض ما نراه خطأ.

 

 

ثالثآ، المعرفة العلمية:

 

يعدها الفيلسوف اوغسن كونت (1757- 1857) على انها اخر مرحلة من تطور العقل الإنساني ونضجه بعد تجأوزه للمرحلة اللاهوتية التي تقتصر على مجرد ملاحظة الظواهر ملاحظة بسيطة وعادية، وايضا تأتي بعد المرحلة الميتافيزيقية التي تفسر الإمور تفسيرا غيبيا، إلا أن المعرفة العلمية

تقوم بتفسير الظواهر تفسيرا علميا، تربط بينها ربطا موضوعيا وهذه العرفة تعرف ايضا ”بالمعرفة العلمية التجريبية” القائمة على أسس علمية وهي: وضع الفروض الملائمة ثم التحقق منها بالتجربة والقيام بجمع البيانات وتحليلها، وعليه فإن الباحث في المعرفة العلمية لا يكتفي بوصوله إلى الجزئيات فقط، بل يسعى إلى صياغة القوانين والنظريات العامة التي تربط هذه الجزئيات وتعميمها على ظواهر اخرى ومن  ثمة التنبؤ لها. وهذا ما يجعل من هذه المعرفة ترتقي إلى أعلى المنابر العلمية.

 

تعرف المعرفة العلمية، بأنها المعرفة التي تستند على العلم في تحصيل معطياتها، و بالرغم من أن التأسيس الفعلي للمعرفة العلمية كمعرفة شمولية، كان في القرن التاسع عشر. إلا أن بداياته كانت في القرون ما قبل الميلاد، ولكن كان محصورآ بالتفكير الفلسفي، أي لم يكن مجردآ من الإمور الميتافيزيقية كما هو عليه الأن، وهذه المعرفة نحصل عليها عن طريق إعمال العقل في الواقع، وذلك يكون بربط العقل بالواقع وعدم الفصل بينهما، اذ هي بهذا تعطي ألولوية في بحوثها وقضاياها للواقع والعقل معا وإلا تخرج عن اطار هذه الحدود.

 

هذا النوع من المعرفة كان معمول بها في الأزمنة السابقة، ما يعني ان هذه المعرفة المتوافرة للإنسان المعاصر ليست إلا حصيلة جهود متواصلة طيلة العصور السابقة، حيث ساهمت في بنائها شعوب و حضارات كثيرة.

تختلف المعرفة العلمية عن بقية المعارف في كونها خاضعة للتجربة والعقل، وتنطلق من منطلقات أو مقدمات أو تساؤلات دقيقة، عقلية، منطقية، يقينية، فبالضرورة صدق المقدمات يؤدي إلى صدق النتائج، وبالتالي يمكن الفصل في حكمها على غرار بقية المعارف، التي فيها تضارب في الأراء فإننا نجدها إلا أن تصل إلى حكم أو نتيجة يمكن ان يقتنع بها كل عاقل.

 

خصائص المعرفة العلمية:

لا شك إن مطلب كل معرفة هو الوصول إلى الحقيقة، ولكن تلك الحقيقة نجدها متباينة من حيث اليقين

والمصداقية بين مختلف المعارف، اذ اصبحت اليوم تلك الحقيقة اليقينية والوثوقية والقطعية في بعض الأحيان لا نجدها الا في المعرفة العلمية، التي صارت اليوم الأكثر تواجدآ في ساحات المعارف، وهنا يكمن التساؤل: ما الذي يميز المعرفة العلمية عن بقية المعارف، ويجعلها تحتل هذه المكانة المرموقة في البحوث العلمية؟ للإجابة على هذا السؤال نقوم بعرض خصائص هذه المعرفة وهي:

1- التعميم والشمولية. 2- الدقة والتكميم. 3- اليقين. 4- التجريد. 5- الموضوعية. 6- النسبية. 7- التعليل. 8- التصحيح الذاتي. 9- الواقعية. 10- الوضعية.

وكل خاصية من هذه الخاصيات، لها تفاصيل وبحاجة لشرح مفصل لفهمها، ولا يمكن هنا سرد كل تلك التفاصيل.

 

أنواع المعرفية ثلاثة وهي:

أولآ، العلوم الرياضية:

وهي علوم تبحث في الكم المجرد الحسابي والهندسي، مثل علوم الهندسة والحساب والجبر، المثلثات،

الفراغية … الخ.

 

 

ثانيآ، العلوم الطبيعية:

هي علوم تقوم بدارسة جميع الموجودات الكائنة في الطبيعة ما عدا الإنسان وتنقسم لنوعين:

1- علوم طبيعية حية: مثل النباتات، الحيوانات بجميع أنواعها.

2- علوم طبيعية جامدة:مثل علوم الطبيعة، الكيمياء، الفلك، … الخ.

 

ثالثآ، العلوم الإنسانية:

هي العلوم التي الإنسان من كل جوانبه ونشاطاته وتنقسم بدورها لنوعين وهي:

آ- علم يدرس الإنسان من حيث كائن فرد، وهذه العلوم هي علم التشريح وعلم النفس.

ب- علم يدرس الإنسان من حيث كائن إجتماعي يعيش في مجتمع، وهذه العلوم هي علم الإجتماع، علم الإقتصاد، علم القانون، علم الدين، … الخ.

 

في ختام ورقتي هذه، أتمنى أن وفقت في القاء الضوء بشكل مبسط ومختصر على مفهوم علم الإجتماع والمعارف الإنسانية. لا شك إن هذا الموضوع واسع، وبحاجة إلى كتابت كي يستطيع المرء التطرق إلى كافة التفاصيل المتعلقة به. ولمن يرغب في معرفة المزيد علية قرأة كتب مختصة بهذا الموضوع وهي متوفرة وبجميع اللغات الرئيسية.

 

21 – 08 – 2019

———————————————————————————————–

المراجع و المصادر:

1- جورج غورفيتش:

الأطر الاجتماعية للمعرفة، ترجمة د .خليل أحمد خليل، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر عام 1981.

2- ميشيل فوكو:

حفريات المعرفة، ترجمة سالم يفوت، المركز الثقافي العربي الدار البيضاء، ط2 عام 1986.

3- عبد الباسط محمد حسن:

أصول البحث الاجتماعي ، مكتبة القاهرة عام 1971.

4- كارل ر. بوبر:

أسطورة الإطار في الدفاع عن العلم والعقلانية. تحرير مارك أ. نوترنو. ترجمة: أ. د. يمنى طريف الخولي. مطابع السياسة- الكويت عام 2001.

5- ابراهيم ابراش:

المنهج العلمي وتطبيقات في العلوم الإجتماعية، دار الشروق، عمان عام 2009.

6- احمد بدر:

إصول البحث العلمي ومناهجه، المكتبة الأكاديمية – الدوحة عام 2008.

7- اندروديكسون وايت:

بين الدين والعلم، ترجمة اسماعيل مظهر، مكتبة الهنداوي، مصر عام 2014.

8- رونالد سترومبرج:

تاريخ الفكر الأوروبي الحديث، دار القارئ العربي، مصر، عام 1994.

9- محمد عابد الجابري:

مدخل الى فلسفة العلوم، مركز دراسات الوحدة العربية، لبنان، عام 1976.

10- عبدالرحمن بدوي:

مناهج البحث العلمي، القاهرة – دار النهضة عام 1963.

11- كارل بوبو:

عقم المنهج التاريخي، دراسة في المناهج العلوم الإجتماعية. ترجمة عبدالحميد صبره. الإسكندرية- منشأة المعارف عام 1959.

 

******