ما أن خرجت الجماهير الكردية إلى شوارع مدن وبلدات إقليم جنوب كردستان، وتحديدآ في المناطق التي يسيطر عليها عائلة الطالباني، تبارى أبواق البرزانين والمنتفعين منهم بالتهجم على المتظاهرين وإتهامهم بالعمالة للعبادي وإيران، وذلك دون إجراء أي تحقيق في أسباب التظاهرات، والكشف عن هوية الذين قاموا بتلك الأعمال التخريبية المقصودة مثل حرق السيارات وكسر المحلات، بهدف تشوية صورة المتظاهرين السلمين، وتأليب الرأي العام الكردي ضدهم. وثانيآ، لتبرير إستخدام العنف بحقهم، من قبل سلطات حكم عائلتي الفساد والإستبداد. وهذا بالضبط ما كان يفعله القاتل بشار الأسد مع المتظاهرين السوريين السلمين، ومن ثم إتهامهم بالعنف والعمالة للأجنبي.
لكن الحقيقة في مكان أخر، بعيد كل البعد عن تلك الترهات التي يطلقها أبواق البرزاني والطالباني. الحقيقة تكمن في أربعة أزمات مزمنة يعاني منها الإقليم، منذ سنوات عدة.
أولآ، أزمة الحكم:
الإقليم كما معروف يعيش أزمة حكم منذ سنين طويلة، بسبب سيطرة عائلة البرزاني وتفردها بالحكم، وإقصاء بقية الأحزاب السياسية، وتقاسم الإقليم مع عائلة الطالباني المسيطرة على محافظة السليمانية وما حولها.
إحتكار السلطة بشكل مطلق، أدى إلى تنامي الفساد في مفاصل أجهزة الحكم، وتحولت إلى سرطان ينخر في جسدها، ولم يعد لمؤسسة البرلمان، القضاء أي دور يذكر، بسبب تحكم الحكم العائلي بالقرار السياسي، الأمني، العسكري، الإقتصادي والمالي للإقليم. ومعها إلغيت الحياة الحزبية، وحرية الفكر، وخاصة في المناطق، التي تخضع لسلطة البرزاني وعائلته. وجلال الطالباني لم يكن أحسن من خصمه اللدود مصطفى البرزاني، فأخذ هو الأخر بدوره يورث الحزب وحكم محافظة السليمانية لأبنائه وزوجته، وأفراد عائلته الميمونة، وهذا ما دفع بقيادات الصف الأول للإتحاد الوطني الخروج من حزبهم، وتشكيل أحزاب خاصة بهم.
ومنذ تشكيل حكومة الفيفتي- فيفتي وإلى الأن، الإقليم ينتقل من أزمة إلى إخرى أسوء من الإولى، ومع الوقت تراكمت الأزمات فوق بعضها البعض، مما أرهقت كاهل المواطن الكردي وخنقته إقتصاديآ وسياسيآ، ولم تترك له مجالآ للتنفس، وزد على ذلك شعوره بالمهانة عندما هربت قوات البيشمركة أمام داعش في شنكال، وأخيرآ قيامها بإخلاء مواقعها في كركوك “قدس الكرد”، وطوزخرماتوا، خانقين، شيخان، مندلي، وتسليمهم لقوات الحشد الشيعي الطائفي، المدعومة من ملالي العهر في طهران. هذا مرورآ بأزمة رئاسة الإقليم، وإغلاق البرلمان بالمفتاح، وفشل البرزاني في إقناع العالم بالإستفتاء، وخسارة الإقليم جراء تلك الخطوة الغير مدروسة، الكثير من المكاسب التي حققها الكرد بدمائهم عبر السنين.
ومع ذلك أصر البرزاني الحفيد، البقاء في كرسي الحكم بدلآ من تقديم إستقالته، وتقديم إعتذار للشعب الكردي عن ما لحق به من أذى وضرر، جراء سياسته الحمقاء وحماقات عمه مسعود وخطاياه، بل عاد وتحالف من جديد مع عائلة خصمهم العائلي الطالباني، التي نعتوها بالخيانة والعمالة قبل أيام قليلة! كل هذا أوصلنا إلى ما نحن عليه نحن الأن من أوضاع إقتصادية مزرية، وضياع أكثر من نصف أراضي الإقليم. هذا في الوقت الذي، يتمتع أفراد عائلتي البرزاني والطالباني قدس سرهما، بخيرت الإقليم ويستحوذون معآ على أكثر من 80% من واردت الإقليم النفطية والنشاطات الإقتصادية الإخرى.
ماذا نستنتج من كل ذلك؟ نستنتج بأن هذه الأحزاب ولاءها ليس للوطن ولا الشعب، ولا علاقة لها بمفهوم الحرية والديمقراطي، وإنما هي مجرد تجمعات للميريدين، تتبع شيخ الطريقة أو شيخ العشيرة، وليس لها أي تراث ديمقراطي وحضاري.
ثانيآ، أزمة إقتصادية:
أزمة الإقليم الإقتصادية قديمة، وسابقة لعملية الإستفاء، وغزوة داعش بسنوات. لذا يصعب تحميلهما وزر الأزمة الإقتصادية الخانقة، التي يعيشها الإقليم منذ سنوات عديدة. وأسباب الأزمة عدة منها:
1- إعتماد الإقليم بشكل شبه كامل على عائدات النفط، والتي تشكل حوالي 85% من ميزانيته.
2- غياب الشفافية في عقود النفط الموقعة بين “حكومة” الإقليم، والشركات النفطية.
3- ذهاب أموال النفط إلى جيوب أفراد العائلة المالكة، وهم بدورهم وضعوها في حسابات سرية خارج الإقليم. أي حرمان إقتصاد الإقليم من تلك الثروة الهائلة، والتي تقدر بمئات المليارات من اليوروهات.
4- إنخفاض أسعار النفط.
5- عدم إصدار قانون النفط والثروة الطبيعية من قبل البرلمان العراقي، بسبب الخلافات بين الطرفين الكردي والشيعي العراقي.
6- تهريب النفط الخام عبر الصهاريخ إلى للخارج.
ومع إشتداد الأزمة الاقتصادية وكثرة العاطلين عن العمل، وغلاء اسعار المواد بشكل غير طبيعي، وإنقطاع رواتب الموظفين المدنين والعسكرين، لعدة شهور متتالية. بدأت الأزمة تأخذ أبعاداً سياسية خطيرة، وتؤثر على المزاج العام لمواطني الإقليم، وموقفهم من السياسين الكرد، والأحزاب السياسية الحاكمة في الإقليم. في النهاية إنفجر الوضع، وإندفع المواطنين للشوارع من جديد، والتظاهر ضد الطبقة الحاكمة المستبدة والفاسدة، المكونة من العائلتين.
قال الملا نجيرفان البارزاني في لقاء صحفي معه قبل يومين، التالي: ” ليس هناك شيء إسمه حل حكومة الإقليم، ولم نفكر بالموضوع بالأساس، وأستغرب مثل هذا الطلب. وتابع قائلآ: لا أعرف لماذا سنقوم بحل الحكومة” ولم يكتفي بذلك، بل أتهم المتظاهرين بتنفيذ أجندات خاصة، ووصفهم بالمشاغبين، وادعى أن هناك أيادي خفية تحركهم.
على نجيرفان البرزاني وبافل ولاهور الطالباني، الذين سلموا كركوك وشنكال الى قاسم سليماني على طبق من ذهب، عليهم أن يخجلوا من أنفسهم عندما يتحدثون عن الخيانة والعمالة للأخرين. وبالطبع ستحاول كل من بغداد وإيران وتركيا الإستفادة من الوضع القائم، وتسخيره لمصلحتهم.
ثالثآ، أزمة مالية:
لا شك أن إقليم جنوب كردستان يعاني من أزمة مالية خانقة، تؤثر تأثيرآ مباشرآ في حياة ملايين المواطنين اليومية. ولا خلاف على أن تأثيرها سيمتد للأجيال القادمة.
حيث تقدر بعض المراجع ديون الإقليم بحوالي 50 مليار دولار أمريكي. منهم حوالي 20 مليار دولار للحكومة العراقية، والبقية ديون داخلية وخارجية أكثرها لشركات تركية. أي ما يعادل 160% من الناتج المحلي الإجمالي للإقليم. هذا رغم حصول الإقليم على 17% من ميزانية العراق الفدرالية سنويآ، والتي تقدر بحوالي نحو 12 مليار دولار.
السؤال: على ماذا صرفت هذه الأموال الهائلة، وكيف؟؟ وثانيآ: كيف ستسدد حكومة البرزاني هذه الأموال، ومن أين؟؟
إن أسباب أزمة الإقليم المالية تعود للعوامل التالية:
– فشل حكومة الإقليم والمركز للتوصل إلى حل لمشكلة صادرات الإقليم من النفط والغاز، على شكل قانون متفق عليه، ومصدق من البرلمان.
– إمتناع الحكومة المركزية عن دفع حصة الإقليم من الميزانية منذ سنوات، والتي تشمل رواتب الموظفين وقوات البيشمركة، والأسايش.
– الفساد المالي، والنهب المنظم للمال العام، وتهريب رؤوس الأموال للخارج ووضعها في حسابات خاصة.
– صرف مئات الملايين من الدولارات شهريآ، على جيش من الموظفين الجالسين في مكاتبهم دون القيام بأي عمل.
– غياب وجود نظام ضريبي صارم وفعال، سهل للكثيرين من أصحاب النفوذ والمال التهرب من دفع الضرائب.
– إهمال القطاعين الصناعي والزراعي إهمالآ شبه كامل، وتشجيع إستيراد المواد الأساسية، الإستهلاكية، والكماليات كلها من الخارج.
رابعآ، أزمة أخلاقية:
إن الطبقة السياسية الحاكمة في الإقليم منذ أكثر من عشرين عامآ، فقدت الأخلاق نهائيآ، ولم يعد يعني الوطن لها شيئ، سوى جني المليارات من الدولارات، والبقاء في الحكم مدى الحياة، قمع الحريات وسجن المعارضين، وإن دعت الضرورة قتلهم في وضح النهار. وفي سبيل ذلك تحالفوا مع السلطان العثماني الجديد اردوغان عظم الله شأنه، وأيات الله روحاني قدس سره وجنراله السامي سليماني.
وختامآ، لا يمكن خطو خطوة واحدة في ظل حكم العائلة البرزانية والطالبانية، لقد شهدنا رحيل مصطفى البرزاني وجلال طالباني، فهل إنتهت المشاكل والصرعات في الإقليم؟؟ الجواب أبدآ. لذا بدون حل الأزمة السياسية في الإقليم، وإعادة الأخلاق والمبادئ للعمل السياسي الوطني، لا يمكن حل قضية واحدة، مهما قل شأنها. إن العلة الرئيسية في رأي في أولئك الكرد الذين يمشون خلف العائلتين كالعميان، ودون أي تفكير. وأخيرآ أتسأل، أليست هولير، دهوك وزاخو، جزءً من الإقليم؟ فمتى سنشهد المظاهرات تعم هذه المدن
كما هو الحال مع السليمانية؟
22 – 12 – 2017