لو سأل مذيعٌ في برنامج مسابقات تلفزيوني ، في لندن أو باريس ، أو حتى في القاهرة ودمشق : – ما هي أقدم قلعة في التاريخ .؟ أجزم بأن الجواب سيكون ، هي قلعة حلب في سوريا ، أو هي قلعة بافاريا الألمانية ، وربما قلعة وندسور في المملكة المتحدة ، ولكن لا أحد .. لا أحد قط ، سيذكر قلعة أربيل ، هذه القلعة المسكينة التي وقفت بشموخ في وجه التاريخ وتغوّله ، ولكنها انزوت بإهمال وخجل أمام آلة الإعلام والإعلان المعاصر. أقول ذلك وقلبي يتقطع كمداً وألماً على قلعتنا الغالية ، التي لم تجد من يعطيها حقها من الاهتمام لتتبوأ المكانة اللائقة بها في عالم اليوم. قلعة أربيل .. هذا الصرح العظيم ، الذي ينتصب كعملاق اسطوري يطل على مدينة أربيل ، كشاهد على عراقة هذه الأرض الطيبة ، وحارس للطامعين في أربيل ( وما أكثرهم ) من برابرة ومغول وهمج ، استفزهم اسمها الكبير ، وسال لعابهم على خيراتها الوفيرة ، ولكن القلعة ظلت صامدة بعناد وعنفوان وقوة ، ظلت القلعة وظل أهلها ، ليسجلوا على صفحات التاريخ مأثرة لم يسبقهم اليها أحد من قبل ، وهي أنها أعرق قلعة على وجه الأرض ، و أعرق مكان ظل مأهولاً دائماً على مرالأيام وتعاقب الدهور حتى يومنا هذا * .
تعتبرقلعة أربيل من المواقع الأثرية الكبيرة والمهمة في شمال ميزوبوتاميا (كوردستان ) واساسي لمعرفة سلسلة الطبقات والأدوار الحضارية في المنطقة ، وبالرغم من قدم الإعلان عن أثرية قلعة أربيل سنة 1937، لكن لم تجرفيها تنقيبات أثرية لغاية عام 2006 حيث بدأت البعثة الآثارية الجيكية من جامعة ويست بوهيميا برئاسة كارل نوفيجك بإجراء أعمال التنقيب في القلعة بالتعاون مع قسم الاثار/ جامعة صلاح الدين ، وقد قامت البعثة بمسح جيوفيزيائي حيث توصلت إلى نتائج وادلة على عدم التجانس في عدة مناطق في تل القلعة بعمق9 -21 م وهذا دليل على تدمير كتل حجرية وأبنية ربما اشورية (1).
وقد جمعت البعثة مجموعة من الكسرالفخارية ومواد أخرى من السفح الغربي لقلعة أربيل يعود تاريخها للعصر الحجري الوسيط Mesolithic (13000-8500 ق.م ) وهو دليل قاطع على ان قلعة أربيل كانت مأهولة بالسكان منذ أقدم العصور وقد تعاقبت عليها حضارات وإمبراطوريات عديدة .
وفي عام 2012 قررت اللجنة العليا لصيانة وتأهيل قلعة أربيل تحديد سبع مناطق داخل القلعة لإجراء عمليات التنقيب ، وللبحث عن بقايا السورو التحصينات التأريخية للقلعة ، اختارت اللجنة النقطة E (2) لأنها تقع على الحافة الشمالية الغربية من القلعة ، غرب البوابة الرئيسية (باب أحمدي ) مما سهل عملية العثورعلى سور القلعة التاريخي . تمت التنقيبات في اربع مـواسم 2013- 2014- 2015 برئاسة د.عبد الله خورشيد قادر(3) والعديد من المستشارين الأجانب من بينهم د.جون مكينز من جامعة كامبريدج في بريطانيا . وقد تم اكتشاف جزء من سورقلعة أربيل الذي لم يكن ظاهراً للعيان ، ولم نكن نعرف عنه الكثير سوى إشارات عابرة في الكتابات التاريخية التي تذكر ان السور كان يحيط بالقلعة ، والذي مكن سكان القلعة من الدفاع عنها ضد هجمات الأعداء والغزاة .
وقد ذكرت المصادر مقاومة القلعة في العهد العثماني (1534-1917م ) لهجمات ملك بلاد فارس نادرشاه في سنة 1732 ، ولما عاد الشاه الغازي في سنة 1743 ورأى ان القلعة مصممة على المقاومة أرسل قوة عسكرية مسلحة بالطوب والمدافع ، سلط نيرانها على القلعة وظلت تدك أسوارها المنيعة مدة شهرين ، فخارت مقاومة المدينة الباسلة في النهاية ، واستطاع العدو الغازي دخولها ، وقد ذكرت الكتابات التاريخية ان أغلب أجزاء هذا السور قد تهدم جراء هذا القصف المدفعي .
ويبدو ان القلعة لم تشهد تطوراً خلال القرون اللاحقة ولم يتم تصليح السور وانما تم بناء بيوت جديدة فوقها بشكل متلاصق واصبحت جدران تلك البيوت تشكل سورا مزيفا للقلعة ، وبذلك اختفى سور القلعة ذلك السور الذي قاوم الهجمات المتكررة على القلعة وخلق المتاعب للغزاة على مرالعصور المختلفة ، وقد مر سائح اجنبي من أربيل في سنة 1766 بعد مدة قصيرة من حملة نادرشاه فلم يرى سور القلعة حيث قال .. ” انها اجتمعت عليها البيوت ولاسيما حول حافة التل بصورة متماسكة فلا يستطيع احد ان ينفذ خلالها إلى داخل المدينة يقصد القلعة الا من باب المدينة الحالي يقصد الباب الجنوبي الرئيسي “.
رغم البدء بالتنقيبات في قلعة أربيل واكتشاف جزء من سورها التاريخي لكن لم تسنح لي الفرصة بمشاهدة السور
حتى سنة 2019 ، وقد زودني د. عبد الله خورشيد قادر رئيس هيئة التنقيب مشكوراً بنتائج التنقيبات ، وقبل
ان تطأ قدمي موقع التنقيبات ، وأشاهد سورالقلعة ، راجعت أهم ما كتبه المفكرون والمؤرخون والرحالة عن قلعة أربيل ، بالرغم من قدم مدينة أربيل الا ان الصعوبة التي تواجه الباحث هي قلة المصادر التي تذكر المدينة وتطورها عمرانيا ، فتكوين صورة عن شكل وتطوير المدينة خلال القرون القديمة صعبة جدا خاصة بعد تدمير المعالم القديمة للمدينة ، كما لاتتوفر لدينا معلومات تخص مناعة القلعة ونوعية الاحتياطات التي كانت تتخذ للدفاع عنها ، سوى خندقها العميق ، حتى ندرك أهمية الجزء المكتشف من سورالقلعة ومدى أهمية دراسته من قبل الباحثين والمتخصصين ، وعندما قمت بكتابة هذا الموضوع اعتقدت بأني سأعثر على عشرات الدراسات حول السور المكتشف ولكن مع الاسف رجعت خالية الوفاض !! .
وقبل الذهاب للموقع أخذت أسأل نفسي بشغف كيف يبدو سور القلعة ؟ كم يبلغ طول السور، ارتفاعه ، عدد ابراجه ، كيف اختفى هذا السور الكبير ! ! ولماذا .. ؟ كان شوقي يزداد لرؤية هذا السور يوما بعد يوم وربما زيارة الموقع ستجيب على بعض من هذه الاسئلة .
- الذهاب لموقع التنقيبات ومشاهدة سور قلعة أربيل الأثري ..
اقلتني سيارة الأجرة باتجاه القلعة كان ذهابي هذه المرة مختلفا عن المرات السابقة ، فأنا ذاهبة لرؤية (سور) قلعة أربيل ، كانت السعادة تغمرني وبين الكثير من التساؤلات والتخيلات المستمرة عن شكل السور، وصلت القلعة ووقف التكسي قرب محلات بيع البسط والمنسوجات اليدوية ، حيث نزلت ثم صعدت الى القلعة من بوابتها الجنوبية ، دخلت القلعة ثم سرت بعض الخطوات في شارع عريض يمرمن وسط القلعة ، وقرب مكاتب الموظفين التقيت بالأستاذ سنكر والأستاذ هيزا الأعضاء في هيئة التنقيبات اللذان اصطحباني الى موقع السور المكتشف .
سرنا في اتجاه بوابة الأحمدي إلى أن وصلنا باباً حديدياً مشبكا صغيراً في الجهة اليسرى للقلعة ، فتح الأستاذ سنكر الباب دخلنا في احدى الأزقة القديمة للقلعة واصلنا سيرنا إلى ان وصلنا الموقع فسحة أرض كبيرة ومنخفضة بالتدرج ، كان الموقع مغطى بسقف جملونات محكمة لم اشاهدها في المواقع الأثرية الاخرى التي زرتها ، كانت آثار التنقيبات ظاهرة في كل مكان وكان لون التربة كلون رمال الصحراء القاحلة .. رافقتهما في سيرهما بين حفر التنقيبات شاهدت أسساً لجدران قديمة وآباروالعديد من الحفر ذات احجام مختلفة كان بعضها مبني بالطابوق وذات سقوف معقودة وكان احداها على شكل مدرجات من الخارج يشبه الملوية.. (4)وعن هذه الحفر كتب د.عبد الله خورشيد ان بعضها ربما كانت تستخدم كمخازن لخزن الحبوب بسبب الكسرالفخارية الكبيرة التي عثرعليها في الموقع وفيما كانا يواصلان حديثهما عن اللقى الاثرية المتنوعة التي عثرعليها في الموقع(5) ، كان كل تفكيري عند سور القلعة ، كنت اسأل نفسي أين سور القلعة إذن .. ؟
تتبعتهما بخطوات متمهلة الى ان نزلنا بحذر عدة سلالم ترابية فوق خندق عميق وما ان اكملنا نزول تلك السلالم التفت لرؤية الموقع فاذا بي أمام سور قلعة أربيل (6).. اهتز كل كياني وانا أرى سورالقلعة .. ولم أصدق ما تراه عيناي اخيرا انا امام هذا السور الذي طالما قرأت وسمعت عنه ،.. يا إلهي كيف سأنقل ما تراه عيناي للقارىء فبعض الاشياء لا توصف كما هي ، ان السور اضخم وأعلى مما تخيلت ، ارتفاعه حوالي 9م و طوله اكثر من 24م ، ان منظره مهيب وفي غاية القوة والمتانة ، إنه شامخ رغم كل النكبات التي حلت به .. ان في هذا السور قوة وسحر وجمال لم أره في اي مكان .. علمت الآن وأخيرا .. لماذا كانت القلعة مطمح الطامحين و لماذا كان هولاكو يبعث قواده باستمرار لمهاجمة القلعة رغم هذه المسافات البعيدة ، تمنيت لحظتها ان أكون شاعرة لأنظم أجمل قصيدة تخلد هذا الصرح ، وأرسم اجمل لوحة أجسد فيها هذه العظمة ، وان تتسع عيني أكثر لتضم هذا المشهد البانورامي المذهل .
وقفت انظر لكل جزء من السور الذي كان يمتد باتجاهين شرقا وغربا ، وقد لفت انتباهي برج ضخم خارج عن محيط السور يتألف من مجموعة من الطبقات المختلفة الواحدة فوق الاخرى قطرها (6,75 م ) مبني باللبن والطين يرتفع حوالي 10م ، وقف كحارس منتصب ومدجج كأنه حارس لقلعة أربيل منذ زمن بعيد ، ربما كان منصة للمدافعين عن القلعة ، يبدو ان البرج كان أعلى مما هوعليه الآن (7) ، فالقسم العلوي منه مهدم ربما جراء الحروب الكثيرة أو الامطار، وقد حاول البناؤون اصلاحه وذلك باضافة جدار من اللبن مكسي بالطين من الجهة الخارجية وقد تهدم هو الاخر ، وقد تم إسناد هذا الجزء بعارضة خشبية طويلة من قبل هيئة التنقيبات ، ووقفت حائرة ، فقد نبهني الأساتذة الى خطورة الاقتراب من السور ، وصعوبة التقاط الصور ، وآلمني ذلك كثيراً ، لأنه يعني صعوبة إظهار السور للزوار ، وأن يظل السور في حكم المفقود .
كان الجدار الشرقي للبرج يمتد لمسافة قليلة 2م بسبب وجود ابنية تراثية (8)، مبني من اللبن والطين و قد كان البرج ملاصقا بقوة بهذا الجدار ، وكأن البرج يستمد قوته من هذا الجدار الصلد ، اما الجدارالغربي للبرج فقد كان يمتد لمسافة طويلة تقريبا 16م مبني من الآجر الأحمر ومطلي بطبقة رقيقة من الطين(9) ، تظهرعليه آثار شقوق والعديد من الحفر ذات احجام مختلفة ، لاحظت انه غير ملاصق للبرج وكأنه أضيف اليه في وقت لاحق وخاصة الجهة العليا منه.. ربما تهدم هو الآخر جراء قصف المدافع ثم قام أهالي القلعة بتصليحه .
تقدمنا قليلا حتى نشاهد الجزء السفلي من السور ، ووقفنا بحذرعلى خندق عميق مواز للسور تم حفره بهدف التنقيبات ، نظرت للأسفل كان جدارالسور ذو طبقات والوان مختلفة ، وقد اشار الأستاذ سنكر إلى الأسفل وقال أن حريقا كبيراً قد شب هنا واشار إلى الاتربة المتفحمة والتي تمتد بامتدار جدار السور بشكل منتظم وفي نفس المستوى بارتفاع 60- 70سم تقريبا ، صرخت .. ياه .. نعم هو كذلك .. لقد تفاجأت مما شاهدت .. لأني لم اشاهد هذا من قبل .. حقا كان الجدار متفحماً .. قلت في نفسي .. لماذا لم يقم العمال بإزالة هذه الطبقة المتفحمة بل أضافوا طبقة جديدة فوقها ! هل كانوا على عجالة ؟ ..أو ربما لأسباب أخرى .. لانعرفها .
هذا يعني ان حريقا كبيرا اندلع في سور القلعة مما جعل اثاره باقية لحد الان ، وعن طريق كاربون -14 تم تحديد
تاريخه إلى منتصف القرن الاول إلى منتصف القرن الثالث ميلادي وهذا يؤكد الهجوم الذي تعرضت له القلعة خلال هجوم الإمبراطور الروماني تراجان في عام 116م على المدينة ، والمعروف عن الإمبراطور تراجان هذا أنه كان يقلد الاسكندر المقدوني في جميع أعماله ، اذكر ذلك حتى نتخيل الهجوم الكبيرالذي شنه على القلعة ، قلت في نفسي من يدري يومها ماذا فعل أهالي القلعة عندما هاجم هذا الإمبراطورالكاسح القلعة ، ان كان السور تفحم هكذا فماذا حل بالأهالي .. ؟ .
كنت أسير بخطوات متمهلة حتى أشاهد نهاية الجدارالغربي للبرج ، الذي كان يتوقف عند جدار مصنوع من الطابوق الأصفر ، ارتفاعه 5م وقد كان القسم الأعلى من هذا الجدار مغطى بطبقة من الجص والقسم الأسفل لا يوجد أثر للجص ، و يوجد خط متعرج يفصل بين هذين الجزأين ، وفي الجهة العليا جزء صغير من الجدار كان مقوس ، و لم أعرف هل هذا الجدار هو الذي قطع السور أم السور الذي قطعه ؟
أشار الأستاذ سنكر إلى هذا الجدار وقال .. تلك آثار سلالم هل ترينها … (10)؟ ونافذة ربما كان يوجد هنا غرفة للحراس .. وما ان اخبرني بذلك تذكرت لحظتها حراس القلعة (برنقش) و (خالص) شعرت برعشة هزت كياني وانا اتذكرهما .. قلت في نفسي .. كم من المرات وقف هذان الحارسان هنا ، وأي دوركبير قاما به لمنع دخول الجيش العباسي للقلعة سنة 1233م حتى خلد التأريخ اسميهما ، يعود تاريخ الجدار إلى 900- 1200 م .
لم يسمح لي الاقتراب اكثر لخطورة الموقع .. رغم ذلك تقدمت قليلا لمشاهدة أساس السور(11) الذي يمتد إلى العمق الباطني للقلعة من المؤكد انه أقوي من كل الطبقات التي تعلوها ، كان في الأسفل عدة طبقات من اللبن مبنية بصفوف منتظمة ومشدودة ولون اللبن بني فاتح ، وقفت اتأمل أساس السور وكيف رتب هؤلاء العمال كل هذا ،
لم أتمكن من معرفة العصرالذي تعود إليه هذه الطبقة بسبب توقف التنقيبات ،هذا يعني علينا الانتظار حتى الموسم القادم من التنقيبات .
وأثناء تمعني جدار السور في الأسفل لاحظت وجود جدار مربع صغير تحت حافة القلعة في الجهة التي أقف فوقها مصنوع من اللبن يبعد عن السور قليلاً ، سألت الأستاذ هيزا عن هذا الجدارالصغير فقال .. لانعلم الغرض من بناء هذا الجدار وعلاقته بالسور بسبب توقف التنقيبات وخطورة مكان تواجده ، توقف التنقيبات حالت دون معرفة عرض السور وطوله وعدد أبراجه (12).
التقطت العديد من الصور للسور من كافة الزوايا ، بعدها انتقلنا لنقطة G قرب الجانب الشرقي من البوابة الجنوبية التي اكتشف فيها جزء آخر من سورالقلعة وهو امتداد للجزء المكتشف في نقطة E ، وقبل ان نغادر الموقع أشار الأستاذ هيزا إلى آثار ظاهرة لجزء من سور القلعة قرب الجانب الغربي من البوابة الجنوبية التقطت العديد من الصور لهذا الجزء الظاهر لأحتفظ بها في ارشيفي (13).
وبعد مناقشة الكثير من الأمور حول القلعة وسؤالي الملح عن سبب إغلاق موقع سور القلعة أمام أهالي أربيل والسياح طوال هذه السنين ، أجابني الأستاذ هيزا … مع الاسف ان المواطنين هنا لايعرفون القيمة الأثرية للموقع ، نخشى ان يتعرض للتخريب كما يحصل في الكثير من المواقع ونحن متأكدون اذا فتحنا الموقع للسياح سيتحول جدار السور الى جدار لكتابة الذكريات والتواقيع و الأمنيات .. الأفضل ان يفضل هكذا ربما سنجد طريقة افضل .
بعد ان ودعت وشكرت الأستاذ هيزا والأستاذ سنكر كنت اريد ان اتجول داخل أزقة القلعة لكي أقوم بالتقاط الصور والذهاب لموقع الباب الشرقي والباب الغربي في داخل القلعة هذين البابين اللذان عثرعلى موقعيهما الأستاذ عبد الرقيب يوسف سنة 1986 من خلال كتاب المؤرخ ابن المستوفي ( تاريخ اربل )، لكن لا يسمح التجول داخل ازقة القلعة خشيت ان يصور احد البيوت المتهدمة داخل القلعة.. فقلعة أربيل من الداخل تحولت لحلبجة ثانية ، البيوت متهدمة فوق بعضها (14) ، السورالمكتشف الذي يعود تاريخه إلى آلاف السنين حاله أفضل بكثير من بيوت القلعة !
– أبواب السور ( أبواب القلعة ) :
قررت ان أتجول حول القلعة واكتب عن أبوابها ، كانت القلعة مسورة في العهد الأتابكي (1128 -1233م ) ، ويحيطها خندق عميق لزيادة حصانتها ، وكان في هذا السور أكثر من باب ، فقد ذكر ابن المستوفي الباب الشرقي والباب الغربي ، وكان هناك ايضا باب عمكا ( المواجهة لعينكاوا ) ، كانت هذه الأبواب تغلق ليلا بالبوابات الخشبية العملاقة يقوم بغلقها حراس مكلفون بهذا الشأن و تغلق أثناء الهجمات .
في البداية خرجت من البوابة الشمالية للقلعة (15): وهي بوابة ضخمة مقوسة كانت تسمى قديما باب عمكا كان أعظم أبوابها على الحافة الشمالية الذي سد في وقت ما ، وفي سنة 1926 أو 1927 فتح أحمد افندي متصرف أربيل باب في القسم الشمالي من القلعة ولا يستبعد ان يكون في مكان الباب القديم أي باب عمكا سمى بالأحمدية نسبة إليه .
بعدها بدأت النزول من منحدر القلعة ، قمت بتصوير كل جزء من أجزاء القلعة انه مشهد فريدٌ حقا ، ويأخذ بالألباب كنت أفكر في المهاجمين وكيف كانوا يصعدون اليها رغم شدة انحدارها ، واصلت السير في شارع القلعة بحثا عن موقع البوابة الغربية للقلعة (16) : كان يقع الباب في محلة طوبخانه بين دور خربة … وغلق في زمن بعيد جدا وقد اتخذت المسافة الواقعة بين موقع الباب إلى حافة القلعة داراً سكنية وبعد ان تهدمت الداروجداره الغربي على حافة القلعة فان لجنة تطوير القلعة قد أعاد بناء الجدارعلى حافة القلعة في هذه السنوات بدون ان تعلم شيئا عن هذا الباب ، لا نعرف سبب غلق هذا الباب فقد كان موجوداً في عهد المؤرخ ابن المستوفي المتوفى سنة 1239م.
ثم واصلت سيري حول القلعة إلى ان صعدت منحدر القلعة لكي أصور البوابة الجنوبية للقلعة (17) : شاهدت الصور القديمة لهذه البوابة حقا كان يمثل برجاً عظيماً للقلعة ، هدم في سنة 1956 خوفا من انهياره ، وبهدمه فقدت القلعة هيبتها وبوابتها العظيمة التي كانت تشاهد من مسافات بعيدة ، حل محلها فيما بعد هيكل حديث في سنة 1979 ، قامت الهيئة العليا لإحياء قلعة أربيل بتنفيذ مشروع اعادة انشاء البوابة الكبرى في عام 2015 وهي بوابة ضخمة مقوسة… لكن المهندسين لم يكونوا موفقين في إعادة بناء باب القلعة الجنوبي !
بعدما انتهيت من التصوير نزلت المنحدر بحثاً عن الباب الشرقي للقلعة ، فيما كنت أسير في شارع القلعة وجدت نفسي في مواجهة البوابة الشرقية (18) ظاهرة من بعيد ذو باب حديدي : في الماضي كان الباب يقع بمسافة 18م عن يمين داربيربال اغا حيث ينزل من هناك طريق إلى أسفل القلعة حيث كان الناس يظنون ان ذلك الطريق قد فتح في القلعة في أواخر العهد العثماني لم يعلم أحد ان ذلك الطريق ينحدر من الباب الشرقي الذي كان موجودا قبل تسعة قرون أو في عهود ما قبل الإسلام .
القلعة الآن فيها ثلاثة أبواب هي الباب الكبيرالجنوبي ، والباب الشمالي ( الأحمدي ) ، والباب الشرقي . وفيما كنت أتجول واصور أجزاء القلعة سألني رجل عجوز في يده عصا فيما كنت بحاجه للمساعده ، فأجبته نعم ..سيدي في سنة 1978 كشفت عملية هدم بعض الدكاكين حول القلعة عن وجود نفقين سريين كانا يؤديان إلى باطن القلعة فهل لك ان تدلني على الموقع ان أمكن (19) ؟ هز رأسه و ابدى استعداده وسعادته بذلك وقد سار ببطىء تتبعته وقبل ان نصل البوابة الجنوبية وجدته يقف امام جانب من القلعة ، أخبرني بأن هنا ظهر النفقان ، قمت بتصويرالموقع ، بعدها شكرته كثيرا.. ويذكر ان هناك العديد من الانفاق السرية داخل القلعة ، وقد كانت لها وظائف دفاعية وهجومية وكان يستخدمها أهالي القلعة للحصول على التموين مما زاد في صمودها عندما كانت تتعرض لحصار قوة معادية ، سمعت أسرار كثيرة عن هذه الانفاق وأتمنى في يوم من الأيام ان أدخل في إحداها وأكتب عنها .
والجدير بالذكرأنه لم يبق اثر للخندق الذي كان يحيط بالقلعة ، وقد ذكر البعض ان آثارالخندق كانت باقية إلى أوائل القرن المنصرم وكانت المياه القذرة النازلة من القلعة والمنطقة المحيطة به تتجمع فيه .
بعدما انهيت جولتي وقفت أنظر لموقع التنقيبات في أسفل القلعة ، وفي بالي الكثير من الأسئلة التي لم أجد لها جواباً بعد ، تأملت وتمعنت جمال القلعة وشدة منحدراتها ، هي حقا كما وصفها المؤرخ المغولي بأنها قلعة فريدة من نوعها ، وليس لها نظير في الربع المسكون ، تمنيت لحظتها ان يظهر السور لأهالي أربيل الذين لا يعرفون لحد الان معلومات عن السور المكتشف ، إلى متى سيبقى الموقع مغلقا ان كنا ننتظر ان يعي الناس أهمية السور هذا يعني بأننا لن نتمكن من عرضه نهائيا ، يجب ايجاد طريقة لعرض سور القلعة ، وبأمكان هيئة التنقيبات ابراز اجزاء اخرى من السور في محيط القلعة في مكان العشرات من البيوت المتهدمة على حافة القلعة وتحويل كراج القلعة في الأسفل ( بناية المحكمة سابقا ) (20) إلى منتزه يستطيع المارة الجلوس لرؤية سورالقلعة ، أو يمكن ان يتحول المكان لألقاء كورسات للسكان والطلبة والسياح للتعريف بالقلعة وبسورها المكتشف … لماذا لا يخصص يوم في السنة ، يتم فيه احضار التلاميذ الى القلعة ، لنبين لهم أهمية القلعة ودورها العظيم في الحفاظ على أربيل ونغرس في نفوسهم محبتها والفخر بها والحفاظ عليها .
قبل ان أغادرالمكان ورغم اني لا أرتدي الزي العسكري الا اني وجدت نفسي أؤدي التحية العسكرية أمام القلعة اكباراً واعترافاً بالدور الجبار الذي قامت به للحفاظ على مدينتنا مدينة أربيل ، ورحت أهيم في الأحياء القديمة بحثا عن أي أثر للأسوار التي كانت تحيط بمدينتي الحبيبة مدينة أربيل .
——————————————————————————————————-
* سمح لعائلة واحدة مواصلة العيش في القلعة حتى لا تفقد القلعة لقبها كأقدم قلعة مأهولة بالسكان .
■ برنقش وخالص اختلفت الروايات في تحديد مهنتهما ولكنها اتفقت على دورهما العظيم في الدفاع عن القلعة.
■ اشكركل من الأساتذة على تعاونهم ورحابة صدرهم : عبدالرقيب يوسف ، عبد الله خورشيد قادر ، كارل
نوفيجك ، هيزا زايرمحمد ، سنكر محمد عبد الله ، جمال جميل ، محمد لشكري ، نهاد لطيف قوجة.
■ اعتمدت في كتابة الموضوع على عدد من المصادر اهمها ابحاث ودراسات الاستاذ عبد الرقيب يوسف.
المصادر والمراجع :
- عبد الله خورشيد قادر ، التقريرالنهائي للنتائج الاولية للتنقيب في قلعة أربيل للموسمين الاول
و الثاني .
- عبد الله خورشيد قادرواخرون ، نتائج التنقيبات والكشوفات الأثرية لقلعة أربيل ، ضمن كتاب بحوث
المؤتمر العلمي الدولي الثاني آثاروتراث هه ولير- أربيل ، مطبعة جامعة صلاح الدين أربيل ،2018.
- عبد الله خورشيد قادر، د. نرمين محمد امين علي ، قلعة أربيل بين اعمال التنقيبات الاثرية والمصادر
التاريخية .
- عبد الرقيب يوسف ، اكتشاف (خط ) سور مدينة أربيل وابوابه ، خبات 14،16، 17 / 7 / 2006.
- عبد الرقيب يوسف ، الباب الشرقي والباب الغربي القديمان لقلعة أربيل ، ميديا ، العدد 429 ، 2010 .
- زبير بلال أسماعيل ، أربيل في أدوارها التأريخية ، النجف ، مطبعة النعمان ، 1971.
- زبير بلال أسماعيل ، تأريخ أربيل ، أربيل ، مطبعة وزارة الثقافة ، 1999 .
- عبد الباقي عبد الجبار الحيدري– فارس شكري حميد السليفاني ، سياسات الحفاظ المعماري في المواقع
الأثرية – قلعة أربيل التأريخية حالة للدراسة ، مجلة كلية الهندسة، المجلد11، العدد3، بغداد ، 2008.
- محسن محمد حسين ، أربيل في العهد الاتابكي ، مطبعة اسعد ، بغداد 1976.
- ياقوت الحموي ( معجم البلدان ) ، دارصادر بيروت ، 1977.
- صلاح سلمان رميض ، قلعة أربيل في المنظورالعلمي والاثاري، المؤتمر العلمي الدولي الاول
لأعمار قلعة (هه ولير) أربيل ، 2004، ص132.
- زياد احمد محمد ، قلاع الأمارة السورانية في أربيل من القرن 16-19م ،2007.
- دلشاد عزيز زاموا ، اﻟﻤﻨﺤﻮﺗﺎت اﻟﺼﺨﺮﻳﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ )ﺋﺎﻣﻴﺪي) اﻟﻌﻤﺎدﻳﺔ )دراﺳﺔ ﺗﺤﻠﻴﻠﻴﺔ ﻣﻘﺎرﻧﺔ ( سوبارتو، العدد2 ، 2008 ، ص113
- ئه نجامى سه ره تايى هه لكولينى شوينه وارى له قه لاى هه ولير وه رزى سى يه م و جواره م سالى 2014 – 2015 ، عبد الله خورشيد قادر، سنكرمحمد عبد الله ، صابر حسن حسين ، بروسيدينكى سييه مين
كونفرانسى زانستى نيوده وله تى شوينه واروكه له بوورى كوردستان 2019 هه ولير، لا 45-61.
- net
16-Research of the Arbil Citadel, Iraqi Kurdistan, First Season
By, Karel Nováček with contribution by Tomáš Chabr, David Filipský, Libor Janíček, Karel Pavelka, Petr Šída, Martin Trefný and Pavel Vařeka
17- A Medieval City With in Assyrian Walls: The Continuity of the Town of Arbīl in Northern Mesopotamia.
Karel Nováček, By Narmin Ali Muhammad Amin, Miroslav Melčák
18-Archaeological investigations on the Citadel of Erbil : Background, Framework and Results / Dara Al Yaqoobi, Abdullah Khorsheed Khader, Sangar Mohammed, Saber Hassan Hussein, Mary Shepperson and John MacGinnis
19- . THE HIDDEN FACE OF ERBIL. CHANGE AND PERSISTENCE IN THE URBAN CORE. FARAH W. S. AL -HASHIMI.
20- HCECR-MAIKI Joint study of the ceramic materials from the Erbil Citadel
Dara al-Yaqoobi, Sangar Mohammed Abdullah, Chinar Faris Mohammed and Hezha Zayar Mohammed (HCECR)