ما هو الوقت ولماذا مهم لنا كبشر؟ ما هو الموعد ولماذا علينا الإلتزام به وما أهمية ذلك في حياتنا؟
لم عامة الكرد لا يحترمون الوقت ولا يلتزمون بمواعيدهم؟ كيف يمكن للكرد أن يتعلموا إحترام الوقت والمواعيد مثل الشعوب المتحضرة؟
في عرض هذا المقال سوف نحاول الإجابة على هذه التساؤلات كلها، وهي تساؤلات مشروعة ومحقة وملحة في نفس الوقت. وقبل الإجابة على هذه التساؤلات، دوعوني أن أخبركم بخاصتين مهمتين للوقت لعل الكثيرين من الكرد لا يعلمون بها.
الخاصية الأولى:
الوقت يعتبر العادل الأول في الحياة والموت هو الثاني، حيث يمتلك كافة الأشخاص على وجه الأرض (24) ساعة فقط، دون أي تفريقآ بين وزير وأمير، وبين متعلم وأمي، وكل واحدٍ يملؤها بما شاء من إمور مفيدة وأخرى ضارة.
الخاصية الثانية:
الوقت من المنظور المادي أهم من المال لماذا؟ لأنه يمكنك إستغلال الوقت لجني المال، بينما لا يمكنك جني الوقتة أو الحصول عليه بالمال. وهنا كانت عبارة “الوقت له ثمن” وهذا صحيح مئة بالمئة؟
ما هو الوقت؟
عرف الفلاسفة الوقت على الشكل التالي: ” هو مصطلح يعبر عن الفترة الزمنية القابلة للقياس، إضافة لكونه يعبر عن سلسلة متصلة من الأبعاد الزمنية، والتي لاعلاقة لها بالأبعاد المكانية. وعلميآ تم تعريفه على أنه مقياس لتطور الأحداث، بدءً من الماضي ومروراً بالحاضر نحو المستقبل، وبالترتيب بشكل متتابع بصورة دائمة ونظام ثابت، وباتجاه واحد دون عودة للماضي والخلف، حيث يمكن اعتباره بُعداً رابعاً على الرغم من عدم القدرة على لمسه، وتذوقه أو رؤيته، إلا أنه شيء موجود يمكن قياس مروره ولا يمكن إنكاره”.
أهمية الوقت:
الوقت يستمد أهميته من استحالة إرجاعه للخلف بمجرد انقضائه، والذي سمى “بسهم الزمن” كمصطلح علمي، وهذا الأمر لا يزال لغزاً مجهولاً لم تستطع العلوم تفسيره للآن! وللوقت أهمية أخرى مثل الأهمية الإقتصادية، الحياتية، والإنتاجية، ومن هنا كان ضروريآ تقسيمه وتنظيمه وجدولته بدقة، بحيث يتناسب مع نمط حياتنا ومتطلباتها.
إحترام الوقت:
إن إحترام الوقت والمواعيد التي تربطنا بالأخرين سواءً أفراد أكانوا أم مؤسسات، هي ضرورة أخلاقية وحياتية قصوى، ومن دون إحترام الإنسان للوقت والمواعيد، لا يمكن تنظيم الحياة ولا تسير المؤسسات والمدارس والشركات ولا حتى الدول، لأن الوقت ثمين ولا غنى عنه، ونحن مطالبين بإحترامه والإلتزام
بمواعدينا. ولضمان الإستفادة القصوى من الوقت علينا أن لا نهدر الوقت، وهذا يخدم مصلحة الجميع دون إستثناء ويجنبا الكثير الكثير من المشاكل والإشكالات. إذا أراد المرء أن يكون صادقا مع نفسه أولاً وثم مع الاخرين، عليه إحترام الوقتىوالإلتزام بمواعيده وتنفيذ ما إلتزم به.
الإلتزام بالمواعيد:
إن إدراك أهمية الوقت في حياة البشر، والتعامل معه بإحترام وبتقدير عالي، هو سبب إلتزامنا بالمواعيد وإحترامها، وهذا ينطبق على الأفراد والمؤسسات، وفي الدول المتطورة يعتبرون هدر الوقت بمصابة جريمة يجب لا تقترف بحق الذات ولا بحق الآخرين والمجتمع عمومآ. ومن يهدر الوقت عن عمد أو بسبب قلة الوعي يحاسب من التحذير والغرامات المالية الرادعة وأحيانآ تصل العقوبة إلى الفصل من العمل.
وفي المجتمعات الأوروبية الغربية، حيث الإنسان أكثر رقياً وتأثراً بثقافة العصر وقيمه ومبادئه، تجد أن ثقافة إحترام الوقت والعمل، راسخة في وجدانهم بشكل قوي. لا يضيعون الوقت كما يحلو للكثيرين عندنا مواطنيين ومسؤولين. جميع المؤسسات الحكومية والخاصة، تتبع نظام المواعيد الصارم، لتنظيم مقابلات المواطنين مع الدوائر الرسمية الحكومية مثل البلديات والوزارات، و المشافي والنوادي الرياضية ويفعل مثلها الشركات الخاصة الكبيرة منها والصغيرة.
وهذا في غاية الأهمية، لأنه يمنع هدر أوقات الجميع، فلا الطبيب ينتظر مدداً متفاوتة بين الكشف على المريض والآخر، ولا المراجع يعاني طول انتظاره، أن يفرغ الطبيب من الحالة التي بين يديه، ولا الطواقم الفنية المساعدة أو حتى الإدارية تعاني.
إن إحترام المواعيد وعدم تسويفها هو احترام متبادل، لا يقتصر على الطرف المُلبي، بل يتعلق بالدرجة الأولى إلى الداعي إلى الموعد، وبالتالي فهي علاقة تبادلية تقوم على عقد اجتماعي أساسه احترام الوقت وهذا من إحترام الشخص لذاته، فمن لا يحترم المواعيد وتعهداته فهو بالتأكيد شخص غير محترم وبلا أخلاق. فكم كم نحن الكرد اليوم بحاجة ماسة، إلى إحترام الوقت والإلتزام بمواعيدنا وتعهداتنا، وأولهم مسؤولينا الرسميين والسياسيين والأباء والإمهات والمؤسسات الرسمية والحزبية والخاصة، وليس فقط في جانب من جوانب الحياة، بل في كل مناحيه، وحتى في الحب والعشق والغرام.
كيف يمكن زرع ثقافة إحترام الوقت والمواعيد في المجتمع الكردي؟
إن زرع ثقافة إحترام الوقت والمواعيد في المجتمع الكردي أو أي مجتمع أخر ممكنة وتحتاج لبعض الوقت وعلينا البدء بالنشئ، وذلك عبر التربية البيتية، المدرسية، وموسسات الدولة العسكرية منها والمدنية والجمعيات الأهلية والنوادي الرياضية والمدارس بجميع مستوياتها، ومؤسسات القطاع الخاص، ولا بد من حملة إعلامية لشرح أهمية الوقت والإلتزام بالمواعيد على كافة الأصعدة، وكل من لا يلتزم بالمواعيد بشكل دقيق وصارم، ويهدر وقت الأخرين عليه دفع خرامة مالية معتبرة، والتأكيد على أن إحترام الوقت، هو من أهم المظاهر الحضارية للشعوب في عالمنا المعاصر. ولا يمكن نجاح ذلك ما لم يحترم القيادات الكردية الرسمية منها والمدنية الوقت وإلتزموا بالمواعيد على الصعيد الرسمي والخاص، وكافة مؤسسات الحكومة.
وأختتم مقالتي بقول إبن القيم:
“أعظم الإضاعات إضاعتان هما أصل كل إضاعة: إضاعة القلب وإضاعة الوقت”
15 – 01 – 2021