قراءة في كتاب الايزيدية.. محاولة للبحث عن الجذور- بهزاد حيدر

قراءة في كتاب الايزيدية.. محاولة للبحث عن الجذور- رحلة في اعماق التاريخ- للكاتب والباحث صباح كنجي.. الذي هو في مرحلة الطباعة.


قبل البدء في هذه القراءة أحب ان أقدم شكري وامتناني للكاتب صباح كنجي لأنه أطلعني على محتوى الكتاب.. واوكلني مهمة الاخراج الفني وتصميم الغلاف لهذا العمل الرائع. كان لي الشرف بان اكون من المطلعين على هذا الكتاب من خلال المراجعة الفنية واعداده للطباعة بالشكل الذي سيكون لاحقاً بين يدي القراء..


يحتوي هذا البحث على تسع فصول بالإضافة الى المقدمة والشكر والمصادر والسيرة الذاتية للمؤلف.

 

في الفصل الاول من الكتاب..

يناقش ويبين الكاتب من خلال مصادر كثيرة وعديدة اشكالية تسمية الايزيدية وكيفية فهم هذه التسمية. حاول الكاتب جاهداً انْ يسلط الضوء على عدد كبير من المصادر التاريخية.. التي تناولت موضوع الايزيدية بشكل عام وتسميتها بشكل خاص.


هذه المحاولة البحثية سعى من خلالها الكاتب أن يفتح بابا لنفسه ليكون منفذاً للولوج في اعماق تاريخ المناطق التي يتواجد فيها الايزيدية الآن.. وايضا في المناطق المجاورة التي يفترض وجودهم فيها في أزمنة تاريخية سابقة.


في الفصل الثاني الذي اعتبره اهم فصل في هذا الكتاب، بدأ الكاتب رحلته الاولى حاملا معه امانة نقل المعلومات التاريخية الى العالم عامة والايزيدية خاصة في تبيان العلاقة بين الايزيدية بسكان وادي الرافدين القدامى.


لعله يجد اجوبة دقيقة لأسئلة محيرة عن هذا الشعب المغبون والمضطهد تاريخياً. اعتمد في الفصل الثاني على نقاط مهمة من خلالها بدأ مشواره البحثي لأثبات العلاقة المذكورة اعلاه من خلال.. (المكتشفات في علم الآثار وتقارير المنقبين والمؤرخين، حفريات اللغة، العادات والطقوس، المشتركات مع ديانات بلاد الرافدين والمحيط) انتهى الاقتباس.


الفصل الثاني طويل جداً ويشكل ربع قوام الكتاب تقريبا ومدعوم بالصور والوثائق الأركولوجية.. حاول الكاتب من خلاله تسليط الضوء على عدد كبير من المعابد التي كانت موجودة في بلاد وادي الرافدين وبحث في.. الحضر وسنجار وكهوف بعشيقة وبحزاني. انه فصل مهم جداً وغني بالمعلومات.


في الحقيقة ارى ان هذا الفصل هو باب مهم للباحثين في مجال علم الاثار الايزيدي. اعطى الباحث فيه مفاتيح مهمة لعدد من الابواب وكيفية التركيز على المهم منها. وتوقف عند اهمية الموسيقى في الاديان والتاريخ القديم.. انتبه لأهميتها الكاتب واعتبرها بالاعتماد على المصادر التاريخية ايضا بان (الموسيقى هي أقدم من النحت والرسم وكانت جزءا مهما في الحضارات الأولى ودخلت ايضا ضمن الميثولوجيا) وهذا ما سنتعرف عليه في الفصل الثالث المعنون الموسيقة في الديانة الايزيدية. الديانة الايزيدية حالها حال بقية الديانات التي لها اساطير وقصص تحاكي في مفهومها الايمان والتعبد وهذا لا يعني ان الايزيدية تفردت بهذه القصص وانما اشترك معها من سكن وتواجد في بلاد الرافدين في ذلك.


على هذا النحو لم ينسى الكاتب هذا الجانب من النشأة الايزيدية وهذا ما سنجده في الفصل الرابع (المشتركات في الاساطير والملاحم) حيث سيقدم لنا اساطير مهمة.. منها ملحمة كلكامش واسطورة مير مح والمشترك بينهما في المحتوى والشكل والمضمون الفكري لمفهوم الدين عند الشعوب..


التواجد التاريخي للإيزيديين في سورية هو عنوان الفصل الخامس.. الذي من خلاله حاول الكاتب ايضا اثبات هذا التواجد من الناحية التاريخية والاثارية. لم يكن هذا الفصل سهل جداً باعتبار ان الكاتب ليس من سوريا اصلا وكان الاعتماد بشكل كبير على المصادر التاريخية رغم قلتها وتضاربها مع بعضها البعض.


لكن قدرة الباحث في كيفية ربط الاحداث والصور التاريخية والاثارية والاعتماد على علم اللغة والمفاهيم ساعد على فك الكثير من الطلاسم. علم اللغة وتطورها تشغل الباحثين ومن خلال هذا الباب يستطيعون ايجاد مشتركات كبيرة بين الثقافات التي تبدوا اليوم مخلفة لنا.. لكنها كانت في السابق ثقافة واحدة او على الاقل مشتركة في اهم التفاصيل والجذور..
وهذا ما حاول الكاتب ايصاله الينا في الفصل السادس (المترادفات اللغوية والميثولوجية المشتركة بين المعتقدات السومرية القديمة والايزيدية). الكاتب صباح كنجي من بعشيقة وبحزاني وبالتحديد من منطقة بحزاني القديمة حيث عاصر الكثير وتحدث بلهجتها الفريدة من نوعها في العراق فاستلهمته واحدثت عنده فضول كبير في ان يبحث عنها وعن ابعادها.
كل هذا نقرأه في الفصل السابع من هذا الكتاب بعنوان (أبعاد ودلالات لغة بعشيقة وبحزاني). يحاول الكاتب من خلاله ان ينقلنا الى ابعاد اخرى في فهم ظاهرة اللغة ولهجة المنطقة اعلاه وضرورة ان نتعامل معها على اساس انها لغة مستقلة وقديمة بذاتها مع شرح وافي لأبعادها الجغرافية والتاريخية.


الفصل الثامن يسلط الضوء على الادب الشفاهي الايزيدي.. فهو موضوع مهم لم يلاقي الاهتمام الكافي ايضا لان مدوناته قليلة جدا. لكن حظي باهتمام الكاتب لما فيه من معلومات تاريخية وفلسفية قيمة لا يمكن التغاضي عنها بسهولة. ومن خلال الادب الشفاهي سنتعرف على الكثير من الاساطير والملاحم والاقوال والادعية الدينية.


الفصل الاخير من هذه الدراسة القيمة كانت من حصة معبد لالش واثارها ورموزها وكيفية فهمها وشرحها. كانت الصور هي المساعد الكبير في توثيق رموز معبد لالش.. وفي النهاية نتوقف عند بعض الاستنتاجات.. مع المرور بحالة من التأمل في الديانة الايزيدية.
هذا الكتاب الموسع الذي أبحر من خلاله الكاتب ليقود معه القارئ في رحلة تاريخية عميقة تغوص في باطن الأرض واختار منها اماكن ومحطات عديدة للتوقف وتسليط الضوء عليها لتشخيص ما له صلة وعلاقة بالتواجد التاريخي للدين الايزيدي في بلاد الرافدين عبر مراحل مهمة من التاريخ العريق والمعاصر تبهر القارئ وتمنحه الإجابة على اسئلة كثيرة محيرة حول هذا الشعب ومعتقداته التي جرى التلاعب بالكثير من معالمها والصقت به العديد من التهم الباطلة بفعل الزمن والاضطهاد عبر المحاولات التي كانت تسعى لقطع هذه الجذور والغاء تاريخه بشتى الطرق والوسائل الى حد كنا نصدق الأكاذيب التي الصقت بهم .. ها هي تتهاوى امام هذا البحث الذي سيكون له صدى بين الكتاب والباحثين المهتمين بشؤون الديانة الإيزيدية في القادم من الزمن كما نتوقع ونرى عبر هذه الأسطر.. مما دوناه من انطباعنا عن محتوى الكتاب..

ــــــــــــــ

بهزاد حيدر

10/3/2021