المراقبة الدولية للانتخابات  –  د. ماجد احمد الزاملي  

 

نزاهة الانتخابات تعتبر ركيزة للديمقراطية، والديمقراطية ليست ديمقراطية سياسية تقوم على مبدأ التداول على السلطة فحسب ، فهذه ديمقراطية منقوصة، بل لا بد أن تقوم أيضاً على إزالة الفوارق الاجتماعية وعدم التمييز بين المواطنين في الحقوق على أي اعتبار كان  أو ما يعرف بالديمقراطية الاجتماعية ، وهذا لن يتحقق إلاّ  في ظل إدارة محايدة. والحياد مفهوم واسع وعميق يتعدى إطار الإدارة العامة ليشمل الدولة كلها في تسييرها لشؤون الحكم وحتى في علاقاتها الدولية ، إلاّ أن أهم نطاق لتطبيقه هو الإدارة العامة لما لها من صلة مباشرة بالمواطن، وكذلك ارتباطها بتحقيق المصلحة العامة.  إنّ حياد المرافق العامة لم يكن يعتبر قاعدة مستقلة بذاتها، بل ظل في غالب الأمر مرتبطا بمبدأ المساواة ، ويتمثل المظهر أو الوجه الأول لحياد المرفق العام في عدم القيام بأي تمييز أو تفضيل بين مستعملي المرافق العامة على أساس آرائهم السياسية أو الدينية أو الفلسفية، أو على أساس العرق، والحياد لا يمتلك صراحة أي استقلالية عن مبدأ المساواة, لأنه يعمل أساسا على تأمين احترامه. الإدارة بالنسبة لدارسي العلوم السياسية ، تمثل العلاقة بين جهاز الدولة والإدارة التنفيذية اللازمة لتطبيق سياستها وتنفيذ قرار اتها، وتمثل بالنسبة لدارس القانون الدستوري تنفيذ التشريعات والقوانين التي تُشَرِعها  السلطة التشريعية، أما بالنسبة لدارس إدارة الأعمال والاقتصاد فهي عبارة عن مجموعة من الأنشطة المتعلقة بتنفيذ خيارات اقتصادية متعددة يراعى في المفاضلة بينها عاملا التكلفة والكفاءة.  وبقيت الديمقراطية لوقت طويل تعرف على أنها الوسيلة أو الأداة لممارسة السلطة السياسية ، أو هي حكم الشعب أو إسناد السلطة للشعب عن طريق اختيار ممثليه في المجالس المنتخبة بطريق الاقتراع ، أي تكريس الإرادة الشعبية.   ومع تطور المجتمعات أصبحت  الديمقراطية تعرف بأنها نظام اجتماعي يؤكد قيمة الفرد وكرامة الشخصية الإنسانية ، ويقوم على مشاركة أفراد أو أعضاء الجماعة في إدارة شؤونها والديمقراطية السياسية هي أن يحكم الناس أنفسهم على أساس من الحرية والمساواة وعدم التمييز بين الأفراد بسبب الأصل أو الجنس أو اللغة أو الدين .

وبرغم الضوابط والقيود التي أوردها المشرع على الجهات المشرفة على العملية الانتخابية بغرض تحقيق الحياد الإداري، إلا أنه وقصد إبعاد أي تشكيك في حيـاد الإدارة كان الأحرى أن تسند دراسة ملفات الترشح للانتخابات المحلية والانتخابات التشريعية للجنة الانتخابية الولائية ذات التشكيلة القضائية وليس لممثل الإدارة.  إسناد عملية الإشراف على العملية الانتخابية وتنظيمها إلى الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات ، مع ضرورة الرفع من عدد أعضائها ، وتكوين أعضائها غير القضاة تكوينا انتخابيا.

وتعرف الرقابة الدولية على الانتخابات بأنها تلك الرقابة التي تهدف إلى إطلاع المجتمع الدولي على العملية الانتخابية ومدى ديمقراطيتها، وذلك بناءً على طلب الدولة المعنية بالانتخابات ، لأجل إثبات مراعاة واحترام العملية الانتخابية للمعايير الدولية للانتخابـــات ومدى تعبيرها عن إرادة الشعوب وحماية حقوقهم الفردية. وتتم الرقابة الدولية من قبل أشخاص يتم تكليفهم بشكل رسمي بممارسة أعمال الرقابة والتقصي حول صحة إجراءات العملية الانتخابية، والتحقق من الاعتراضات والاحتجاجات المقدمة بخصوص حدوث تجاوزات أو خروقات تذكر في هذا المجال، مع مراعاة الموضوعية والحياد. ويقوم معظم المراقبين الدوليين ببعثاتهم بــدعــوة . والسؤال الذي يبرز هنا هو فيما اذا كان يتوجب على العملية الأنتخابية ان تحترم القواعد الأساسية لأنتخابات حرة ونزيهة لتستحق مراقبتها . تشعر بعض المنظمات بان على البلدان يفي بمعايير أساسية  معينة قبل أن تقرر على ارسال بعثة مراقبة دولية .  وهم يتخذون هذا الموقف خشية ان ينظر الى المراقبة الدولية كونها تمنح الشرعية لأنتخابات غير شرعية . وعلى أية حال ، قد يحتاج أيضا البلد الذي يتخلف في تلبية المتطلبات الأساسية لعملية أنتخابية للمراقبين الأنتخابيين للمساعدة في الكشف عن الممارسات الغير قانونية وغير النزيهة. وفي البلدان التي تعاني مشاكل أمنية ، تكون يبعض المناطق خارج نطاق عمل المراقبين ان لم تضمن قوات الأمن الحكومية من سلامتهم . والكيفية التي ستؤثر بها مثل هذه التحديدات على نزاهة ونوعية المراقبة ، سوف تعتمد بشكل كبير على المناطق الواقعة خارج نطاق عمل المراقبين في ذلك البلد.

وكثيراً ما تشمل ولاية عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام أحكاماً تتعلق بتهيئة بيئة مواتية لتنفيذ مختلف المهام المدرجة عادة في ولاياتها. في البلدان التي لديها مثل هذه التفويضات، قد يستخدمون مساعيهم الحميدة ودورهم السياسي للمساهمة في خلق بيئة مواتية لإجراء الانتخابات. وقد تساعد بعثات إدارة عمليات حفظ السلام أيضا، من خلال وجودها العسكري والمدني  والشرطة ، في استقرار الحالة الأمنية، وهو أمر ضروري لتهيئة بيئة مواتية للانتخابات. ووفقاً لولاياتها، قد تقرر المفوضية السامية لحقوق الإنسان ومنظمة الأمم المتحدة للمرأة أيضاً مراقبة حقوق الإنسان أو الوضع فيما يتعلق بمشاركة المرأة في بلد ما قبل وأثناء و / أو بعد إجراء الانتخابات من أجل تهيئة بيئة مواتية لانتخابات ذات مصداقية وضمان احترامها. المعايير الدولية ذات الصلة. وفي ظروف محددة، مثل البلدان التي تمر بمرحلة انتقالية أو معرضة لخطر العنف.

المادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنصّ على أنّ: “إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة، ويعبّر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة  وشفافة تجري على أساس الاقتراع السري وبشكل دوري وعلى قدم المساواة بين الجميع أو حسب أي إجراء مماثل يضمن حرية التصويت”. وتنصّ المادة 25 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية  على أن: “يكون لكلّ مواطن، دون أيّ وجه من وجوه التمييز المذكور في المادة 2 ( كالتمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النَسَب أو أي وضع آخر) الحقوق التي يجب أن يتمتع بها دون قيود غير معقولة. ممارسة الحقوق ترتّب مسؤوليات معيّنة، فالواجب المهني يملي على المراقبين المحليين الحياديين أن يضطلعوا بمهامهم بكلّ مسؤولية. لذا، تشدّد مختلف المنشورات الدولية والمواثيق الخاصة بالمنظمات المحلية الفردية، والشبكات المتقاطعة معها، في مجال المراقبة الحيادية للانتخابات على أنّ الحِياد يتطلّب الدقة والتجرد والمهنية.

ويجدر بالمراقبة الحيادية للانتخابات من قبل المنظمات المدنية أن تقيّم مدى تجرد العملية الانتخابية من الممارسات التمييزية التي تحظّرها الأطر القانونية المعمول بها والتزامات البلد الدولية تجاه حقوق الإنسان، بما في ذلك  التقصي عن مدى مراعاة مبدأ المساواة أمام القانون وتأمين حماية قانونية متكافئة في سياق الانتخابات، على نحوٍ يصون حقّ الناخب والمرشح في الاقتراع العام  بمساواة  مع الجميع. كما تتعهّد المنظمات المصادِقة على هذا الإعلان بأن تضمّن تقاريرها ما تخلُص إليه من استنتاجات وتوصيات لجهة مشاركة المرأة و الشباب والسكان الأصليين والأقليات وسواهم من السكان الذين يعانون عادةً من سوء التمثيل في الانتخابات، كذوي الاحتياجات الخاصة والمشردين داخلياً، وكذلك  لجهة الخطوات التي اتخذتها السلطات والمشاركون في المعركة الانتخابية والقوى الفاعلة الأخرى في سبيل تشجيع تلك المجموعات على المشاركة مشاركة كاملة و/أو إزالة العوائق التي تحول دون مشاركتهم، بما في ذلك الأسباب التي تعيق عمليات تسجيل الناخبين، اختيار المرشحين وأهليتهم للترشح، عملية الاقتراع، وتلقي الأقليات بلغتها معلومات دقيقة ووافية تمكّنها من القيام بخيارات انتخابية واعية. ونزاهة الانتخابات التي تعد الأداة والوسيلة الأساسية لممارسة الديمقراطية تتطلب ضرورة وجود إدارة محايدة تشرف على العملية الانتخابية في كافة مراحلها، وهذا لا يتحقق لا بوجود حكومة مستقلة ، لأن الاستقلال المطلق يستحيل تحقيقه، إضافة إلى تكلفة تلك الآلية وصعوبة تطبيقها ميدانياً، ولا بطريق الحكومة القائمة، لأنها ستكون محل اتهام وشك خاصة من قبل أحزاب المعارضة، لهذا كان أمر وضع إدارة انتخابية محايدة الحل الأمثل.

والهدف من المراقبة الحيادية للانتخابات يتمثَّل من قبل المنظمات المدنية  في دعم الجهود  الهادفة إلى صون نزاهة الانتخابات، عن طريق معاينة مختلف مجريات العملية الانتخابية ورفع التقارير بشأنها  بدقة وموضوعية بغية التوصل إلى تقييم الانتخابات، ولمعرفة مدى مراعاتها  لمباديء الانفتاح والشفافية ولأحكام الدستور الوطني والقوانين والقواعد الانتخابية وموجبات الاتفاقيات وغيرها من المعاهدات الدولية المعنية بالانتخابات الديمقراطية. كما تسعى المراقبة الحيادية للانتخابات من قبل المنظمات المدنية أيضاً إلى صون نزاهة العملية الانتخابية عن طريق دعوة الجهات المعنية بالشأن الانتخابي (بما في ذلك المرشحون، والأحزاب السياسية، ومؤيدو المبادرات المطروحة للاستفتاء ومعارضوها، والمسؤولون الانتخابيون فضلاً عن السلطات الحكومية ووسائل الإعلام والناخبين) إلى الالتزام بالقوانين واحترام الحقوق الانتخابية التي يتمتع بها المواطنون كافة كما تدعو المعنيين بالانتخابات أيضاً إلى إخضاع  كل من ينتهك القانون وحقوق الإنسان المرتبطة بالانتخابات للمسائلة والمحاسبة. كما تعمل المراقبة الحيادية للانتخابات من قبل المنظمات المدنية على تشجيع المواطنين ليمارسوا حقهم في المشاركة في الشؤون العامة بصفة مراقبين حياديين للانتخابات وإلى تعزيز المشاركة المدنية على نطاقٍ أوسع في المسارين الانتخابي والسياسي.

إعمال الحق في المشاركة يواجه تحديات رئيسية من بينها انعدام الإرادة السياسية لدى القائمين على السلطة أو تعمّدهم اعتماد استراتيجيات يحتكرون بها صنع القرار. ففي حالات كثيرة، تُشَرَّع القوانين وتطبَّق على نحو تعسفي لحرمان الأفراد من المشاركة، ويُستخدَم التخويف والاضطهاد لحملهم على تغيير منحى قراراتهم . وفي بلدان كثيرة، يتعرّض الأشخاص والمنظمات العاملون في مجال تعزيز وحماية حقوق الإنسان للتهديدات وللمضايقة وانعدام الأمن لمشاركتهم في أنشطة من بينها الدعوة إلى الحق في المشاركة في الشؤون السياسية والعامة. ويؤدي الافتقار إلى وسائل إعلام تعددية وحرة ومستقلة إلى تقويض المشاركة في الشؤون السياسية والعامة أيضاً، نظراً للدور الحاسم الذي تضطلع به وسائل الإعلام في تعريف المواطنين بحقوقهم.

وقد يسهم التصويت الإلكتروني، شرط أن يكون مُيَسَّراً وأن يضمن سرية الاقتراع، في تحطيم الحواجز التي تعوق المشاركة السياسية، لا سيما للأشخاص ذوي الإعاقة، وفي زيادة نسبة إقبال الناخبين. ففي إستونيا مثلاً، يمكن لجميع الناخبين الإدلاء بأصواتهم إلكترونياً في أي انتخابات من بيوتهم أو من موقع آخر في أي مكان في العالم. ويقدّم موقع التصويت الإلكتروني الدعم للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية أيضاً.