قصة قصيرة. – حوار هادئ بين كلب وحصان !!… بهزاد بامرني

بعد تمرين شاق على ما يبدو حول كيفية كشف المخدرات وتتبع آثار اللصوص و … وذلك في أحد أيام الصيف الحارة.

جلس المدرب الأربعيني تحت ظل شجرة عالية في إحدى زوايا غابة كبيرة، والعرق يتصبب منه.

وذلك بالقرب من سياج يحيط بما يشبه ساحة كبيرة تضم العديد من الأحصنة المخصصة للتدريب على رياضة ركوب الخيل.

وليس ببعيد منه، جلس كلبه المرافق له مُنهك القوى، وهو يلهث من شدة التعب.

بعد لحظات، اقترب حصان من تلك الأحصنة من الكلب وسلم عليه من خلف السياج.

بدوره، بادر الكلب إلى رد التحية، ودار بينهما الحوار التالي :

الحصان : يبدو أنك تعمل مع ذلك الشخص الجالس هناك ؟

الكلب : نعم.

الحصان : وماذا تعمل يا تُرى ؟

الكلب : مهمتي هي مساعدة الأجهزة الأمنية في تتبع آثار الخارجين على القانون، وكشفهم للقبض عليهم و …

الحصان : وهل انت مقتنع بعملك هذا ؟!!…

الكلب : حتماً، وأنا فخور به أيضا.

الحصان: جميل جدا، تُسعدني هذه النظرة الإيجابية إلى الحياة.

ولكن، أين وجه الفخر يا ترى ؟

الكلب : وهل هناك شئ يدعو للفخر أكثر من الوقوف إلى جانب العدالة ؟

الحصان : العدالة … ههههه

العدالة يا عزيزي حالها حال باقي المصطلحات التي نسمعها ليل نهار من قبيل الحرية، الديمقراطية، المساواة، حقوق الإنسان و …

فهذه الشعارات الرنانة لا يأخذ منها المواطن العادي سوى القشور دون المحتوى.

القوانين مثلا، التي ينبغي أن تكون مثل الموت لا تستثني أحدا.

نجدها على أرض الواقع أشبه ما تكون ببيت العنكبوت، الذي تعجز الحشرات الضعيفة والصغيرة من الإفلات منه، بينما تقوم الحشرات الأقوى والأكبر بتمزيقه ومواصلة الطريق.

كذلك القوانين عندنا، حيث تحاسب الضعيف بأدق التفاصيل وتودعه السجن، لكنها بالمقابل تنحني للقويّ وتعتذر منه.

تخيل نفسك مثلا، لو أنك تَيقّنت عن طريق أنفك بأن سيارة مسؤول رفيع المستوى تفوح منها رائحة المخدرات، والشخص المسؤول عنك يتعمد غض الطرف عن تلك السيارة رغبة أو رهبة، وذلك لعقاب يتوقعه، أو ربما رشوة ستصله.

كن على ثقة أنك ستقع في موقف لا تُحسد عليه.

بين قولك الحق وفضح المسؤول، وبين سكوتك تنفيذاً للأوامر بإسم القانون مع تأنيب الضمير.

وهذه هي أخطر نقطة ضعف في القانو يلجأ إليها كل الساسة وصُنّاع القرار الفاسدين.

حيث التملص من قبضة القانون، بإسم القانون.

ومن هنا، أدعوك بأن لا تنظر الى كل مَن كشفه انفك، أو تم وضعه خلف القضبان، بأنه شخص سيء خارج على القانون.

فلعل قسوة الحياة، هي التي لم تترك له خياراً آخر.

ولعل الشخص الذي يضع الأغلال في يَدَي اللص، يسرق من تحت الطاولة بإسم القانون، أضعاف ما سرقه اللص.

بل لعل الحاكم الذي ينطق بالحكم، هو مَن سيجلس مكان المتهم، هذا فيما لو كان هنالك قاضياً نزيهاً في محكمة عادلة.

ولذلك قيل :

لِمَنْ تشتكي حبة القمح، إذا كان القاضي دجاجة.

ثم واصل الحصان حديثة، وقد بدا عليه الارهاق، قائلاً :

اقولها ثانية، لا وجود لمفردة العدالة في قاموس البشرية كما تتصور، إلا ما رحم ربي.

فالكل مهووس بشكل أو بآخر بمقولة ميكافيلي : الغاية تبرر الوسيلة.

والكل يحلم بالصعود ولو على أكتاف الآخرين.

الكلب : ألا تعتقد أنك تُبألغ كثيراً في الحط من قيمة الإنسان، وكأنه وحش مفترس !!…

الحصان : إنه فعلا كذلك.

أدناه، إليك ثلاث محطات من التاريخ البشري التي تسببت  بتلوين الحياة بلون الدم والظلم والقسوة.

تأمل فيها جيداً، وأحكم بنفسك.

المحطة الأولى :

حينما كان السلاح الوحيد هو السيف والرمح.

كان الإنسان يستعين حينها بالخيول لتحقيق مآربه القذرة، حيث الإغارة على هذه القبيلة أو تلك، الهجوم على هذا الشعب أو ذاك، مخلفاً وراءه بحوراً من الدماء ومئات الجثث.

فمن فوق ظهور الخيل قام الإنسان بالقتل والسلب والنهب والتشريد لقرون.

ومن فوق ظهور الخيل ظهر الجبابرة والطغاة، الذين بثّوا الرعب والهلع في قلوب كل مَن وضعهم حظهم السيء في طريقهم، فلم يتركوا خلفهم سوى أكوام من أجساد وجماجم الأبرياء.

المحطة الثانية :

بعد اكتشاف البارود والآلة البخارية، ازداد تعطش الإنسان لسفك الدماء، فلقد مزج هذه المرة بين رائحة البارود والدخان، وبين دماء ودموع ضحاياه.

ولعل أسوأ فترة شهدتها البشرية هنا، هي فترة الإمبراطوريات المتغطرسة مثل انجلترا وفرنسا وبلجيكا والبرتغال وإسبانيا و…

والتي باتت تُعرف بفترة الاستعمار، سيئة الصيت.

حيث التنافس الحاد بين هذه الامبراطوريات الحقيرة للاستيلاء على خيرات عموم الشعوب المغلوبة على أمرها، خصوصاً القارة السمراء أفريقيا.

إذ قاموا بسرقة خيراتها، وقتل واغتصاب نسائها وأطفالها، وأخذ رجالها للعمل عندهم كعبيد.

المحطة الثالثة :

فترة الحربين العالميتين الأولى والثانية،  والتي حصدت أرواح عشرات عشرات الملايين من البشر، وأضعاف ذلك العدد من الجرحى والمفقودين و …

ولا زالت مآسي هذه المحطة الدامية تجلد البشرية بسياط الأزمات والمجاعات والحروب و … حتى يومنا هذا، خصوصا في منطقة الشرق الأوسط.

والهجرات المليونية التي شهدناها في العقود الأخيرة ولا زالت، وذلك هربا من جحيم الشرق باتجاه متاهات الغرب، خير مثال على ذلك.

ثم واصل الحصان كلامه، حيث قال :

وهنا، لا بد من الاشارة إلى أنني وفي الوقت الذي أخجل فيه من سيرة أجدادي الذين كانوا بشكل أو بآخر أداةً بيد الجبابرة والطغاة.

فأنا وبنفس الوقت، اُشفق عليكم أنتم معشر الكلاب.

الكلب مستغرباً : لماذا نحن بالذات ؟

الحصان : اُشفق عليكم لأنكم لا زلتم تُصدقون تلك الكذبة التي صنعها الإنسان منذ زمن بعيد لكي يخدعكم، وقد نجح فعلاً في ذلك وللأسف، ألا وهي كذبة : وفاء الكلب.

حيث أن إيمانكم الأعمى بهذه الكذبة وإلى يومنا هذا، يدفعكم إلى التضحية بأرواحكم لإنقاذ الإنسان.

الكلب : هل يعني كلامك هذا، عدم وجود ولو إنسان واحد فقط على هذه المعمورة يحمل شيئاً من الصدق والطيبة  ؟!!…

الحصان : طبعا لا، فالتعميم بعيد عن الإنصاف.

فقد قيل : لو خُليت، لَقُلبت.

لكن ومما لا شك فيه، فإن نسبة الأخيار هي الأقل دائما ً.

الكلب : حسنا، أعطني ولو  مثالا واحداً لصالح الإنسان.

الحصان : أفضل مثال بحسب اعتقادي على مدى تعاطف الإنسان مع الحيوان ومشاركته حزنه ووجعه، هو الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه، صاحب كتاب :

[ هكذا تكلم زرادشت ].

حيث يُنسب إليه أنه فقدَ عقله حينما رأى حصاناً يتعرض للضرب بوحشية من قبل صاحبه، وبقي يعاني من هَول هذه  الصدمة حتى مات بجنونه بعد سنين طويلة.

أخيراً، أود هنا أن أشكرك على حُسن الإستماع، هذا أولاً.

وثانياً، أن أختم حوارنا الجميل والشيّق هذا ببيت شعر للشاعر أبي الطيب المتنبي.

وهو يُلخص فيه وبحق، كل ما تم ذكره أعلاه من ألفه إلى يائه، حيث يقول :

والظلم من شِيَم النفوس فإن … تجد ذا عفة فلِعلة لا يظلم.

:::::::::::::::::

بهزاد بامرني

١٥ / ١١ /٢٠٢١