تاريخ وهوية مدينة سپيرا (السفيرة) الحثية – الكردية – دراسة تاريخية – الحلقة الثانية- بيار روباري

 

Dîrok û nasname ya bajarê Sipîreya Hisî – Kurdî

 

خامسآ، لغة أهل مدينة سپيرا (السفيرة) ومعتقداتهم الدينية:

Zimanê xelkê Sipîrê yên nijad û bîrûbaweriyên wan

كما أشرنا سابقآ أنه وفق الإكتشافات الأثرية والنقوش التي دونت عليها الكتابات، أثبتت أن الذين أنشأوا مدينة “سپيرا” هم الحثيين – أسلاف الكرد. والحثيين وفق جميع المصادر التاريخية التي تناولت تاريخهم ومعتقداتهم ولغتهم وأثارهم الكثيرة، والمنتشرة في أرجاء المنطقة التي يطلق عليها اليوم زورآ (تركيا، سوريا، لبنان)، أكدت بشكل قاطع أن المعتقدات والطقوس الدينية الحثية كلها مأخوذة كلها عن أسلافهم الخوريين مثل كالميتانيين كونهم إمتداد لهم.

إن الكتابات المسمارية التي وجدت قرب عاصمة الحثيين “هاتوشا” والتي تقع شرق مدينة أنقرة الحالية بحوالي 40 كيلومتر، وفي العاصمة الشرقية لدولة الحثيين “گرگاميش” جرابلس الحالية، وفي غيرها من المواقع الأثرية الحثية التي نقبت فيها، قدمت لنا صورة شبه واضحة عن ديانة الحثيين وطقوسهم الدينية والتي لا تختلف بشيئ عن ديانة أسلافهم الخوريين، وكانوا يدينون بالديانة اليزدانية والتي يطلق عليها البعض تسمية “الديانة الشمسانية”.

وكما هو معلوم فإن الخوريين ومن بعدهم أبنائهم وأحفادهم (الميتانيين، الحثيين، ..)، لم يفرضوا الإلتزام الديني الفردي على أحد، كون ذلك غير موجود في فلسفة ديانتهم اليزدانية، بعكس الزاردشتية واليهودية

والمسيحية والإسلام.

وكان النُساخ الذين يعملون في الإدارة الملكية للدولة الحثية، الذين بقيت لهم آثار من أرشيفهم ليومنا هذا، كان جهازاً بيروقراطياً مسؤولاً عن تنظيم ومتابعة الشؤون الدولة أي الشؤون الملكية، التي كان يُنظر إليها على أنها جزءٌ من الدين مثل: تنظيم المعبد، رعاية الطقوس الدينية، أخبار العرافين، والتي تشكل جميعها الجزء الأساسي من النصوص المتبقية.

 

للأسف أن معظم ما نعرفه عن الحيثيين أتانا من مصادر فنية وليست نصية، وهذا صعب بالتأكد من الإلمام بكل التفاصيل في هذا الموضوع. ويعود تاريخ الألواح الفخارية التي تذكر الأساطير الحيثية حتى الفترة المملكة الحثية القديمة، وفي المقابل هناك قلة في المصادر التي تتناول الفترات الأقدم منها. إن النقوش المكتشفة تقدم معلومات هامة بخصوص الأساطير الحثية، وتفاصيل الحياة اليومية في العصر الحثي.

وكان الملك الكاهن هو مَن يؤدي دور الوسيط بين عالم الآلهة والبشر المتربطين ارتباطاً وثيقاً، ولم يكن الحثيين يقومون باحتفالات تعبدية دورية منتظمة لإرضاء الآلهة، ولكنهم كانوا يجرون طقوساً دينية لرفع البلاء أو الإحتفال بمناسبات خاصة معينة. وكان هناك ثمة تلازم بين الأسطورة والطقس الديني، فقد كانت الأساطير مصدراً للكثير من الطقوس الدينية، وكانت تمثل قصصآ ما. كما حفرت عدة مواقع خصيصآ لأداء الطقوس الدينية، للدلالة على قُرب الإنسان من الآلهة، وخصوصاً ما كان منها متعلقاً بالأرض.

كانت مدينة “آرينا”، مركز الطقوس الدينية الحثية، وبكل تأكيد كانت معبدآ لإلهة الشمس وكما هو معلوم فالشمس هي محور الديانة اليزدانية الخورية. ومدينة “آرينا” تبعد عن العاصمة السياسية ومقر الملك “حاتوشا”مسافة مسيرة يوم من العاصمة. وتسمية أرينا هي إسم لإلهة خورية – حثية مسؤولة عن الطبيعة. الحثيين مثل أسلافهم الخوريين كانوا يلجأون للآلهة في مواسم الجفاف وغيرها من المشاكل

الزراعية والحياتية. وكانوا يدعون ويخاطبون آلهتهم بلغة عامية، وعادةً العوام يقدمون طلباتهم إلى الآلهة مباشرةً دون طقوس معقدة أو وساطة الكهنة في الكثير من الحالات والإمور.

كما ذكر البروفيسور “غاري بيكمان” إستاذ الدراسات الحثية في جامعة “ميشيغان”:

“لقد حافظت الكثير من البلدات والمدن الحثية على مجموعات فردية من آلهة الرعد، رافضة الاعتراف بتجسيد الآلهة المحلية لرمز وطني واحد”. ويمكن إعتبار التعددية في الآلهة بمثابة بقية من خصائص الانكفاء المحلي على المستويين السياسي والاجتماعي ضمن الإمبراطورية الحثية، والتي لا يمكن إعادة

 

تمثيلها. على سبيل المثال: آمن الحثيون أن موقع العبادة في (نيريك) الذي يقع شمال العاصمة “هاتوشا” كان مكاناً مقدساً، لأن إله العواصف الذي كان يسمى (ابن وروسيمو)، وهي إلهة الشمس آرينا. كان إله الطقس مرتبطاً بجبل “زاليانو” بالقرب من نيريك، وقد كان مسؤولاً عن هطول الأمطار على الأراضي الزراعية في المدينة.

ونفس العبادات والطقوس تقريبآ كانت تمارس في مدينة سپيرا، وبقية المدن والحواضر الخورية – الميتانية – الحثية في المنطقة ومن ضمنها: الباب، أزاز، مبوگ، گرگاميش، أرپاد وغيرهم من المدن.

ثم أليس غريبآ ومريبآ، أن معظم الكتاب والمؤرخين العرب والمستعربين منهم على وجه الخصوص، لم يتطرقوا نهائيآ للمعتقدان والطقوس الدينية لأهل مدينة “سپيرا” الأصليين ولا إلى لغتهم؟؟؟!!!!

كما إن لغة أهل وسكان مدينة”سپيرا” الأصليين هي اللغة الحثية وهي ذات اللغة التي كان يتحدث بها أسلافهم الخوريين، وهي لغة هندو- أوروبية، وكان يتحدث بها كل سكان كردستان قديمآ وللأن يتحدث بها الكرد أحفاد هؤلاء الأسلاف. وليس صحيحآ أنها إنقرضت، وهذه اللغة موثقة في الكتابة المسمارية، في السجلات التي تعود إلى القرن السادس عشر وحتى القرن الثالث عشر قبل الميلاد، مما يجعلها أقدم اللغات الهندو- أوروبية.

كما أن العالم “يورغن ألكسندر كنودتزون” أثبت وبشكل قاطع أن اللغة الحثية هندو- أوروبية وذلك في عام 1902، في كتاب مكرس لرسالتين بين ملك مصر وحاكم حثي، عثر عليه في “العمارنة” بمصر.

وشدد السيد “كنودزون” على أن الذي يثبت أن اللغة الحثية هندو- أوروبية، هو مورفولوجيتها بشكل أساسي.

وذلك بعدما تم اكتشاف العديد من الألواح المكتوبة بالخط المسماري الأكادي المألوف ولكن بلغة غير معروفة من قبل هوغو وينكلر في ما يعرف الآن بقرية (بوغاز كوي) بشمال كردستان، والتي كانت الموقع السابق لمدينة “هاتوسا”، عاصمة الإمبراطورية الحيثية. وبناءً على دراسة هذه المادة الشاملة، نجح السيد “بيدرش هروزني” في تحليل هذه اللغة. وقدم حجته بأن اللغة هندو أوروبية في ورقة بحثية نُشرت عام 1915 (هروزني 1915)، والتي سرعان ما أعقبها قواعد اللغة (هروزني 1917). كانت حجة هروزني للانتماء الهندو أوروبي للحثيين حديثة تمامآ.

———————-

يورغن ألكسندر كنودتزون:

هو مؤرخ وعالم نرويجي، ولد في “تروندهايم”، وهو ابن القنصل (هانز نيكولاي) وعاش بين أعوام (1854-1917)، وعمل مدرسآ للغات السامية في جامعة اوسلو من عام (1907).

———–

الدولة الحثية:

الحثيون كرد، وعاشوا في العصر البرونزي في أقصى غرب كردستان والتي يطلق عليها إسم “الأناضول” وهي تسمية يونانية وتعني الشرق، وهذا صحيح بالنسبة لموقع اليونان. وأنشأوا إمبراطورية في الفترة الواقعة بين 1600 إلى 1180 قبل الميلاد. وكانت عاصمتها في المرحلة الأولى مدينة “هاتوسا” في الغرب، وفي المرحلة الثانية من عمر دولتهم إتخذوا من مدينة “گرگاميش” عاصمة لهم. وكانت تضم كل الأناضول مع أجزاء كبيرة من (سوريا الحالية ولبنان) والمناطق العليان من بلاد الرافدين وأجزاء من شرق كردستان.

————-

رسائل العمارنة:

مكتوبة على أقراص طينية، يتكون أساسًا من المراسلات الدبلوماسية بين الإدارة المصرية وممثليها في كنعان وأمورو خلال عصر الدولة الحديثة بين أعوام 1360-1332 قبل الميلاد. تم العثور على الحروف في صعيد مصر في العمارنة.

مجموع اللوحات المعروفة (382)، منها 358 تم نشرها من قبل عالم الأشوريات النرويجي (يورغن ألكساندر كنودزون) في أعماله: ” الموت العمارنة – تافيلن”، والتي صدرت في مجلدين (1907 و 1915) وما زالت النسخة القياسية حتى يومنا هذا. نصوص ال 24 المتبقية المتبقية كاملة أو مجزأة التي تم حفرها منذ كما تم إتاحتها.

وتتسم رسائل العمارنة بأهمية كبيرة بالنسبة للدراسات التوراتية واللغويات السامية، لأنها تلقي الضوء على ثقافة ولغة الشعوب الكنعانية في عصور ما قبل الكتاب المقدس. الرسائل، على الرغم من أنها مكتوبة باللغة الأكادية فهي ملونة بشكل كبير من قبل اللغة الأم لكتابهم، الذين تحدثوا في وقت مبكر من اللغة الكنعانية، وهي عائلة اللغة التي تطورت لاحقًا إلى لغات ابنتها، العبرية والفينيقية. توفر هذه “الكنعانيات” رؤى قيمة في المرحلة الأولية لتلك اللغات قبل عدة قرون من ظهورها الفعلي الأول.

سادسآ، أصل تسمية سپيرا (السفيرة) ومعناها:

Koka navê Sipîrê û wateya wê

تنفن النصابين العرب ومزوري التاريخ من المستعربين، في تسويق الأكاذيب فيما يتعلق بمعنى وأصل تسمية إسم مدينة سپيرا (السفيرة). فمرة قالوا، أن التسمية تعود للكلمة الأكدية (سبيرو) وتعني البرونز، ومرة أخرى قالو لا، يعود أصلها إلى اللغة السريانية وهي مأخوذة عن المفردة (شبرتا) وتعني الجميلة. ومرة أخرى نفس هؤلاء العصابة قالوا لا، إسم المدينة معناها أكبر قطعة في القلادة، والتي تكون في وسط القلادة عادةً وتسمى السفيرة!!

كل هذه الخزعبلات لها هدف واحد وحيد، وهو التغطية على أصل إسم المدينة، لأن ظهور ذلك يفضحهم ويكشف عورتهم، لأنهم يعلمون حق العلم أن قول الحقيقة يعني أن لا صلة لهم بالمدينة لا من قريب ولا من بعيد، وبكل هذه الجغرافيا برمتها، وإنهم مجرد محتلين ومستوطنيين غاصبين لأرض الكرد.

ومن جهته الرحالة وعالم الجغرافيا في العصور الوسطى “ياقوت الحموي” جاء على ذكرها في كتابه (معجم البلدان) وذكرها تحت إسم أسفيرة وليس السفيرة. وكما ورد إسمها في معجم “تاج العروس” في باب سفر، لصاحبه “محمد بن عبد الرزاق المرتضى”.

الحقيقة أن كلمة السفير والسفيرة والسفارة والسفر، كلها مأخوذة عن المفردة الكردية البهلوية (سپاردة)، والتي تعني تكليف شخص بمهمة أو وضع أمانة عند شخص ما للمحافظة عليها، ومنها إشتقت كلمة سفير. والسفير هو الشخص المكلف بمهمات دبلوماسية محددة لدى دولة أو عدة دول، وذلك بموافقتها ودون أن يكون معتمداً لدى أي منها.

المزراعين الكرد والفلاحين أكثريتهم لم يكونوا يملكون أراضي زراعية، ونادرآ ما كان يملك أحدهم قليلآ من الأرض، وأكثرية الأراضي كانت ملكآ للبكوات والأغوات الكرد. وفي فصل الربيع والصيف وحتى الخريف كان ملالكي الأراضي، يرسلون الفلاحين والمزراعين للعمل في أراضيهم، أي الذهاب للسهول الزراعية، وكما شرحنآ أنفآ بأن من يرسل بمهمة ويؤتمن على أمانة يسمى سپاردة.

ومنطقة “سپيرا” كما هو معلوم منطقة سهلية وخصبة حقآ، وذات مياه وفيرة، لهذا كان العمال الزراعيين والفلاحين الكرد يشدون الرحال إليها ويبقون فيها أشهر طويلة وهم يعملون طوال النهار، وكانت الفترة تمتد إلى نهاية الموسم الزراعي، بما في ذلك الزراعات الصيفية مثل الخضروات. وفي الماضي نادرآ كنت تجد قرى مبنية ضمن الأراضي الزراعية، ولكن مع الوقت تغير هذا الوضع، وأخذ الناس يبنون بيوتهم في أراضيهم الزراعية وهكذا إنتشرت القرى في السهول بكثرة.

 

Navê bajarê Sipîrdê ji peyva kurdiya pehlewî “siprade” hatî û ev têgîn gelekî kevne û hemû kurdên bi zimanê kurdî baş zanin wê dinasin.

Wek tê zanîn navçe an herêma “Sipîrdê” deşt e û erdê wê jibo çandinê, gelek baş e û herwisa ava xwe pir e.

Ji bilî wê em zanin kû berê, kurdan gund li deştê ava nedikirin û bitenê li deştê karê çandiniyê dikirin û hêvaran vedigerîn çiyan jiber hemû gund di çiyan de ava dikirin û têde dijîn. Lê bi demê re ev rewş hate guhartin û hindik hindik gund li deştê jî hatin avakirin û wisa gund li deştan peydabûn û Kurd lê bicî bûn.

سفر:

كلمة كردية بهلوية معربة، ومقتبسة عن لفظة (أسپ – سوار)، وتعني السفر على ظهر الفرس.

Eesp  ——>  Espvaran (Pehlewî) ——-> Siwaran

 

 

سابعآ، الوجود الكردي في مدينة سپيرا (السفيرة) وما حولها:

Hebûna kurdan li bajarê Sipîrê û derdora wê

عندما نتحدث عن الوجود الكردي في هذه المدينة وبقية مدن المنطقة وما يحيط بهم من بلدات وقرى، لا نقصد السكان الكرد الأولين الأصليين، لأن ذلك أمرٌ منتهي بالنسبة لنا، ونحن واثقون من هوية المدينة الحثية – الكردية. إنما المقصود بالحديث هو الوجود الكردي الحالي، وما تعرض له هذا الوجود عبر مئات السنين الأخيرة.

 

رغم كل محاولات التغير الديمغرافي التي تعرضت له مدينة “سپيرا” والمنطقة المحيط بها على مدى (300) الثلاثميئة عام الأخير على وجه التحديد، إلا أن الوجودي مازال قويآ فيها، سواء في المدينة ذاتها والقرى التابعة لها وفي مقدمتهم قريتي: “گر أران” (تل عران) و”گرهزل” (تل حاصل).

وهؤلاء المستوطنيين العرب قدموا إلى المنطقة على دفعتين، الدفعة الأولى قدمت قبل (300) عام من الجزيرة، والثانية قدمت قبل (150) عام في عهد الدولة العثمانية من البادية (السورية)، ولم يستطع الكرد طردهم أو الإعتراض على قدومهم، لأن القانون العثماني كما ذكرنا سابقآ لم يكن يمنع التنقل داخل حدود السلطنة. والأسباب التي أتت بهؤلاء المحتلين والغازين إلى منطقة “سپيرا” إثنين هما:

السبب الأول:

هو تحول معظم أراضيهم إلى أرض جرداء قاحلة، بسبب الجفاف التي تعرضت لها، وهؤلاء كانوا يعيشون على ترابية المواشي. فنزحوا نحو الشمال الكردي الخصب ذات الخضار والماء الوفير.

السبب الثاني:

هو نقل السلطات العثمانية الخبيثة الألاف من هؤلاء البدو إلى المنطقة الكردية لتتجنب التمردات ضدها، وتضمن سيطرتها علي الكرد من خلال الإخلال بالديمغرافيا الكردية للمنطقة، وتهديد الكرد بهؤلاء الهمج وتهديد هؤلاء البدو بالكرد. وهذه كانت سياسة رسمية إتبعتها الدولة العثمانية في جميع المناطق الكردية، ولم تنجوا منطقة واحدة من مناطق كردستان من هذه السياسة الإجرامية.

وللمعلومات كل العشائر العربية الموجودة في هذ المنطقة (سپيرا)، محتلين ومستوطنيين، وهم عبارة عن سرطان ينخر في الجسد الكردي أرضآ وشعبآ، ومن هذه العشائر والقبائل ” شمر، عنزة،  اللهيب، الدليم، البكارة، جيس، العساسنة، الدمالخة، …. الخ”.

والتغيير الديمغرافي الأحدث كان بعد تأسيس هذا الكيان اللقيط الذي إسمه (سوريا) بعد إنهيار الدولة العثمانية الإرهابية، وتسلم القومجيين والعنصريين العرب السلطة في هذا الكيان، فتم تشجيع العرب للتوجه والإقامة في هذه المدينة، ومن الجهة الأخر كانوا يحاصرون الكرد ويضايقون عليهم في كل شيئ ويهددونهم في رزقهم بهدف ترحيلهم من المنطقة، وقلب الميزان الديمغرافي لصالح العرب، وهذا فعلآ ما تحقق في المدينة بنسبة كبير، لكن ظل ريف المدينة رغم كل الضغوط والظروف محافظآ على هويته الكردية إلى حدٍ كبير.

ومع ذلك الكرد لليوم يحتفظون بنسبة جيدة في المنطقة ويفوق عددهم (140) مئة وأربعين الف نسمة. ولا ننسى أن الكثير من العائلات الكردية عربت وبعض الأخر نسي لغته الكردية، بسبب إجبارية التعليم باللغة العربية، والبث الإعلام ومنع اللغة الكردية، ولهذا إضطر الكثيرين من الكرد التنكر لهويتهم القومية، كي يستطيعوا الدراسة والحصول على فرصة عمل في دوائر الدولة، وتجنب المشاكل مع أجهزة الأمن القمعية والإجرامية السورية.

ومن القرى الكردية التي تعرضت إلى عمليات التعريب، كانت قرية “الإمام” وهم من عشيرة “قره كيج” ويبلغ عدد القرى التي يسكنها أبناء هذه العشيرة (7) سبع قرى وقرية الإمام فقط واحدة منها، وعّرب النظام البعثي العنصري البغيض إسمها إلى (الحرمل)، وكما عربوا قرية “دير حافر”، والأن تقريبآ معظم سكانها من العرب، ويبلغ تعداد هؤلاء المستوطنيين نحو ثلاث آلاف مستوطن. وبعد إندلاع الثورة قامت المجموعات الإرهابية وقوات النظام المجرم بطرد السكان الكرد المسالمين أصحاب هذه الديار، كونهم رفضوا الإنخراط مع طرف ضد الأخر، لأن صراع هؤلاء (أعداء الكرد) لا يعنيهم. وبعد دخول النظام الطائفي البغيض للمنطقة من جديد، رفض السماح للكرد الذين هاجروا بيوتهم وأرضهم بسبب العمليات العسكرية، العودة إلى ديارهم وأرضهم، إلا وفق شروط النظام ومن أهم هذه الشروط:

1- تقديم أحد شباب العائلة للقتال مع قوات النظام الأسدي القاتل.

2- دفع رشوة لشبيحة النظام وضباطه وأجهزة مخابراته.

3- العمل مع النظام ضد قوات الحماية الذاتية الكردية، ومحاربتها والتجسس على بني جلدتهم لصالح النظام المجرم.

بالطبع أكثرية الكرد الشرفاء من سكان وأهالي مدينة سپيرا والمنطقة المحيطة بها، رفضوا هذه الشروط المذلة. ومازال الكثيرين منهم يقيمون في منطقة “شاد-با” الكردية بين صفوف شعبهم الكردي.

ثامنآ، التغير الديمغرافي في منطقة سپيرا (السفيرة):

Guhartinên dêmografî li herêma Sipîrê

التغير الديمغرافي الذي تعرض له أهل وأبناء مدينة “سپيرا” الحثية – الكردية، لا يمكن فصله عن إطاره العام. حيث أن كل المستعمرين والغزاة وفي مقدمتهم تلك المجموعات العربية التي قدمت إلى بلاد الكرد من الجنوب، والفرس من الشرق، والعثمانيين من الغرب، مارسوا سياسة خبيثة وتمثلت هذه السياسة في تبني سياسة التغير الديمغرافي السرطانية، كأحد الأساليب القمعية ضد الشعب الكردي وقمعه ومواجهة تمرداته وإنتفاضاته وثوراته، بغية السيطرة عليه وإستعباده. لذا زرعوا في كل مدينة ومنطقة إحتلوها عناصر غير كردية، وتلاعبوا بالديمغرافيا الكردية فيها، ولن تجد مدينة كردية تخلوا من المستوطنيين سواء من العرب، التركمان، الشركس وغيرهم من الأقوام، وسياسة التغير الديمغرافي يعود تاريخها لألاف السنين، وليس فقط إلى المئة أو الثلاثمئة العام الأخيرة كما يعتقد بعض الكرد سذاجة.

وهذه السياسة مورست أيضآ في مدينة “سپيرا” ومازالت مستمرة لليوم سواءً أكان ذلك في كل من غرب كردستان أو جنوبها وشرقها أو شمالها، ومن لا يدرك هذه الحقيقة من الكردإ فإما أنه مصاب بخلل ما في دماغة، أو أنه باع نفسه للشيطان وبكل بساطة يعمل لحساب أعداء إمته الكردية، وما أكثرهم هؤلاء في صفوف شعبنا الكردي للأسف الشديد وفي الأجزاء الخمسة من كردستان.

في الثلاثمئية العام الأخيرة، شهدت مدينة “سپيرا” الكردية تغيرين ديمغرافيين كبيرين:

الأول:

كان على يد السلطات العثمانية الإجرامية المقيتة، وتحدثنا عن ذلك في الفقرة السابقة، التي تناولنا فيها الوجود الكردي في المدينة والمنطقة التابعة لها من بلدات وقرى كثيرة، ولا داعي لتكرار ذلك مرة أخرى هنا.

الثاني:

وهو الأحدث في تاريخ هذه المدينة الكردية العريقة، وحدث ذلك على يد عصابات العربان والمستعربين العرب الذين قدموا إلينا من عمق الصحراء، وإستطونوا كل من مدينة “هوران” (حوران) الكردية، ومدينة دمشق الخورية، حمص، حماه، دلبين (إدلب) حلب، الرقة، دير الزور، وصولآ إلى مدينة “أمد”

عاصمة كردستان، واليوم يدعي هؤلاء المحتلين والغزاة أن (سوريا) بلدهم، وبكل وقاحة يدعون إنه

بلدي بلدي عربي، ويتهمون الكرد أنهم مهاجرين، وليسوا إمة ولا شعب ولا قومية، وبالتالي ليس لهم أية حقوق قومية ولا سياسية. إذا المسألة لا تتعلق فقط بهذه المدينة أو تلك وإنما القضية يتعلق بالوجود الكردي من أساسه. والأن تعلوا معي وشاهدوا ماذا فعل هؤلاء المحتلين المجرمين والعنصريين العرب بأهل المدينة والمنطقة من الكرد.

 

إن أهالي منطقة “سپيرا” الكردية تعرضوا للتهجير القسري على يد قوات النظام الأسدي المجرم وحلفائه من المليشيات الطائفية الشيعية العراقية واللبنانية والأفغانية، التي قاتلت بشراسة إلى جانب نظام الطاغية أثناء حملته العسكرية الأخيرة على هذهالمنطقة وبقية المناطق السورية، حيث تم ترحيل أبناء الكرد من بيوتهم وأراضيهم ومن قراهم، وثم قاموا بعملية نهب وسلب منظمة وسرقوا بيوتهم، حيوانات، سياراتهم، ثمارهم، وفإلى الأن لم يسمحوا لهم بالعودة مرة أخرى لديارهم حتى اليوم، مما إضطر أبناء الكرد من سكان المنطقة الأصلاء، للنزوح بإتجاه المدن والبلدات الكردية الشمالية القريبة منهم، مثل مدينة الباب، منبج وريفهما، ومازالوا يعيشون هناك، تمامآ كما فعل النظام الأردوغاني الإرهابي الغادر بأهالي منطقة أفرين المسالمة وسريه كانية، غريه سبي، الباب، جرابلس وأزاز من الكرد.

نهاية هذه الحلقة وإلى اللقاء في الحلقة القادمة

ونحن في إنتظار أرائكم وملاحظاتكم السديدة ومنكم نستفيد.