مدينة دارازه (دارة عزة) تنطق بالخورية واليزادنية- دراسة تاريخية – الحلقة الثانية- بيار روباري

 

Bajarê Darazê bi Xorî û Yazdanî daxive

قرية سرگانية (سرقانيا):

قرية “سرگانية” من القرى الأثرية المعروفة والمهمة والغنية بالأثار في جبل “ليلون” وواسعة الأرجاء،

وتقع وسط مجموعة من الآثار القديمة الرائعة، ومن ضمنها أبنية تاريخية محفوظة حتى اليوم بشكل معقول. وتحتوي على كنيس مسيحي من العهد الروماني، والكنيسة مزينة من الداخل عند نقطة سند الهيكلين الشاقوليين، ولا تختلف هذه الكنيسة عن كنائس قرية “برج حيدر” و”برجكه” المجاورتين لقرية  “سرگانية”من الجهة الشمالية الشرقية من مدينة “دارارزه” وتبعد عنها بحوالي (6.5) كم، ويربط هذه

القرى بعضها ببعض طريق سيارات معبد، على الأقل كان كذلك قبل الأحداث في سوريا.

كان يوجد في القرية بقايا لكنيستين صغيرتين (قبل الثورة)، الأولى يطلق عليها تسمية “شابيل” كان باقي منها أحد أقواسها بشكل واقف مع جدران التحنية، هذا بالإضافة إلى تحنية المعمودية الصغيرة الموجودة بقربها، وبقية جدران الكنيسة مهدومة. والكنيسة الثانية كانت قبل عشر سنوات محفوظة بشكل لا بأس به، ولها بهو مستطيل ووحيد، بينما، كان الهيكل يبدو مربع الشكل من الأعلى، أما الغرفة الشمالية إلى جانب الهيكل فتبرز قليلاً عن الجدار الشمالي للكنيسة، بينما الغرفة الجنوبية كانت تبدو أكثر بروزاً نحو الجنوب من الجدار الجنوبي، حيث بلغ بروزها حوالي المترين. وتقع الكنيسة الثانية بعد (200) متر تقريبآ من نبع ماء يجري نحو الوادي بإتجاه الجنوب من القرية، والقرية سميت بهذا الإسم نسبة إلى هذا النبع، وما قاله الكاتب (عبدالله حجار)، حول إسم القرية ليس صحيح ولا يمت للحقيقة بشيئ حيث قال:

“إسم القرية هو (سرقانيا) وهي تسمية سريانية وتعني أمير القصب أو الأراضي”.

السؤال هنا: أي أمير؟ وأي قصب وأي أراضي؟؟؟ فالجبل كله حجارة، ونادرآ ما تجد بقعة أرض سهلية صغيرة يمكن زراعة بعض الخضروات فيها مثل البصل والكوسا. إذا كانت التسمية سريانية كان عليه أن يشرحها للناس، كون (99.9%) منهم لا يتقنون اللغة السريانية، وفي نفس الوقت يعطي أمثلة باللغة السريانية على ذلك، كي يقتنع الناس بكلامه ويصدقه. إن القول إنها تسمية سريانية وثم السكوت، فهي حيلة رخيصة لا تنطلي على أحد، وتدليس على الناس، وهذا أمر معيب بحق من يعتبر نفسه مؤرخ وباحث، وأقول للسيد حجار ومن يمارسون ذات الإسلوب، لا يمكن صنع تاريخ بالأكاذيب وعمليات التزوير والتدليس. فليس لكم أنتم العرب تاريخ في البلد (سوريا) ككل، فما باللك “بجبل الكرد”.

Kanî:  نبع

Ser: فوق، أعلى

Ser  +  kanî   ——–>  Serkanî: فوق النبعة

 

الحياة في القرى الأثرية:

بعد انتهاء فترة الاضطهادات الدينية التي إستمرت خلال القرون الأولى للميلاد، وبعد صدور مرسوم “ميلانو” عام (313)م، وسمح بالحرية الدينية، إختارت نخبة من سكان منطقة جبل “ليلون” عيش حياة الترفع عن الإمور الدنيوية، وتحيا حياة نسك وتقشف وقساوة العيش. وقد عاشت فئة من هؤلاء النساك في العراء التام ولجأ بعضهم إلى الكهوف للإقامة فيها. كانت هناك فئة سميت نساك الأبراج حيث كان واحدهم يعمل في الحقل ثم يعود إلى برج مربع يبيت فيه ويقوم بنسخ المخطوطات ليلا. كما كان هناك من أضاف إلى قساوة العيش في العراء، إختيار الإقامة على عمود طيلة حياته وسموا العموديين، وكان رائدهم القديس سمعان العمودي الذي عاش بين أعوام (390-459 م) وقد أطلق عليهم تسمية: “شهداء أيام السلم”. أما طريقة النسك الجماعي، فقد كان رهبان الأديرة، يأكلون معاً ويصلون معاً، وفي المساء يختلي كل واحد من منهم بصومعته ليبيت فيها. وكان كل من هؤلاء النساك يظل ساهراً ويطلق عليهم “الساهرون” وقد إتبعوا إسلوب الحياة النسكية الجماعية.

إنحصار الحياة في القرى الأثرية:

بدأ انحدار هذه القرى الأثرية إثر حملة قدها كيخسرو القائد الكردي الساساني وإستمرت الحملة من عام (527) ميلاديلا وحتى عام (627م)، وتمكنوا من دحر الرومان واليبزنطيين من المنطقة وليس الفرس، لأن الساسانيين هم كرد أصلاء ولغتهم كانت الكردية البهلوية ولليوم تجد في اللغة الكردية مئات الكلمات إن يكن بالألاف من اللهجة البلوية الكردية، وكانت لغة الإدارة وإستخدمها المحتلين لمدة عشرين في دمشق من قبل الإمويين، واليوم وبكل وقاحة يدعي العربان بأن الكرد لا يملكن لغة!!!!

منذ ذلك التاريخ بدأت تتفاقم أزمة داخلية بين سكان الجبل مفادها محدودية الأراضي الزراعية وإزدياد عدد السكان بحيث لم تعد الأراضي كافية لتأمين معيشتهم، إضافة للزلازل التي تعرضت لها المنطقة، وإجتياح أوبئة في القرن السادس الميلادي هذه المدن والقرى، كل ذلك أدى إلى هجرة تلك المناطق، وأضف إلى تلك الأسباب القطيعة التي حصلت بعد الإحتلال العربي الإسلامي البربري للمنطقة عام (636م) بعد قيام الأمويين بغزو القسطنطينية من البحر، وإنقطاع طرق التجارة أمام تصدير الزيت، أي زيت الزيتون والكرمة إلى أوروبا.

كما كان للحروب بين الحمدانيين والبيزنطيين في المنطقة أثر على تدمير بعض القرى، مما زاد من تدهور حالة القرى آنذاك فهجرت المنطقة إلى السهول الداخلية وحولت بعض مبانيها وكنائسها إلى حصون دفاعية. وعادت الحياة إلى هذه القرى والمدن في القرن التاسع عشر ميلادي بشكل بطيء، إلى بعض المراكز السكنية الرئيسية، وتسارع السكن الجديد والزراعة بعد الحرب العالمية الأولى بفضل زيادة الأمان في الريف وفتح الطرق الجديدة. يمكن القول أن السكن في هذه القرى نما بشكل عشوائي وإزدادت الدور السكنية المبنية بدون ترخيص بين المباني الأثرية، ودون رقابة مما تسبب في هدم العديد من المباني التاريخية والأثرية الهامة.

وبخصوص ما ورد في  سفر (تثنية) الإصحاح رقم (34) في كتاب التوراة  اليهودي حول جبل “نيبو” إليكم وجهة نظرنا.

“نيبو” أو أرض نيبو مذكورة في سفر تثنية الاشتراع في التوارة عند اليهود، وهي الأرض المقدسة، وتُعتبر لدى اليهود أرض محرمة، وإن سيدنا موسى قد نظر من خلالها إلى أرض كنعان، وجبل نيبو

هو الطريق التي مر بها أتباع موسى، حيث كان معهم بعد خروجهم من مصر متجهين إلى الأراضي المقدسة”.

إذا أخذناه هذا الكلام ونزلناه على جغرافية جبل “ليلون”، فلا ينطبق على قمة “نبو” الموجودة ضمن جبل ليلون بأي شكل من الأشكال. وبالأصل (نبو) ليس جبل منفصل أو مستقل، هو بالأحرى معبد إسمه نبو

نسبة إلى إله الإحياء والتجديد، وتجاوزآ يطلق على التلة التي يوجد فوقها قرية “نبو” جبل. كل الأسامي

مع عدا تسمية “ليلون” التي أطلقت على هذا الجبل، مجرد هرطقات وأكاذيب لا أساس لها، الهدف منها هو إلغاء هوية الجبل الخورية – الكردية، وهذا يشمل تسمية (شيخ بركات، جبل سمعان)، وغير ذلك.

 

رابعآ، تاريخ مدينة دارازه:

Dîroka bajarê Darazê

كل الدلائل المادية والحثية، مثل الأثار، الكهوف، المعابد، المقابر، معاصر الزيتون، والبيوت القديمة مثل بيت “ببن”، الذي يحتوي على نقوش وكتابات، تؤكد على أن تاريخ المدينة يعود إلى حقبة الخوريين وما قبلها أي مرحلة ما قبل التاريخ، وخير دليل على ذك كهف “دو- دريا”، الذي لا يبعد عنها سوى بضعت كيلومترات.

والتحريات الأثرية التي قام بها العلماء والباحثين في المدينة وما حولها بجبل “ليلون” على إقامة الإنسان في هذا الجبل في عصور ما قبل التاريخ، حيث تم اكتشاف عدد من الكهوف الأثرية القديمة التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ، في الشمال والشمال الغربي من” قلعة ليلون” ومن أهمها: كهف “دوداريا” الذي يقع قرب قرية “برج عبد ألو” حيث عثرت بعثة سورية – يابانية مشتركة على هيكل عظمي لطفل يعود إلى إنسان “نيادرتال” ويعود تاريخه إلى (100.000) مئة ألف سنة خلت. وليس بعيدآ عن هذا الكهف يوجد موقع “عين دارا” الأثري الحثي، والتي يعود تاريخه إلى الألف الثاني قبل الميلاد، والذي إستمرت فيه الحياة حتى القرن السادس عشر الميلادي.
مدينة “دارازه” التاريخية، في الأصل بُنيت حول معبد خوري يزداني، والكنيسة الرومانية الموجودة في المدينة بنيت على أنقاض هذا المعبد، بمعنى أنه تم تحويل المعبد عنوة إلى كنيس مسيحي، ولم يكن المعبد الوحيد الذي لاقى هذا المصير، على يد المحتلين الرومان والبيزنطيين المجرمين، ولم يكتفوا بذلك بل فرضوا الديانة المسيحية (وهي مجرد خزعبلات) على أبناء الشعب الخوري، والمارونيين المسيحيين هم في الحقيقة خوريين تم تنصيرهم عنوةً.

وكلمة “كنيس” العربية مأخوذة عن المفردة الكردية (كاليس). وكما نعلم أن تاريخ الخوريين في هذه الأرض يعود إلى أكثر من (15.000) عشرة ألاف عام قبل الميلاد، والرومان، البيزنطيين، الكنعانيين، الأشوريين، البابليين، الأموريين، الفرس، العرب، التتر، المغول، الأرمن والعثمانيين وأحفادهم الأتراك،

هم مجرد محتلين أشرار، ولا ينتمون لهذه الأرض نهائيآ، وعلاقة لا لهم بها على الإطلاق، فهذه البلاد وطن الكرد وأسلافهم الخوريين، الميتانيين، الحثيين والميديين.

كنيسة: تسمية كردية بهلوية معربة، وتعني دار أو محل عبادة عند المسيحيين، وهي مقتبسة عن اللفظة

الكردية (كاليس).

Kalîs  ——->  Kanîs  ——->  Kenîs:   كنيس

لقد شهدت مدينة “دارازه” نهضة عمرانية كبيرة وإزدهرت في الفترة الرومانية وما تبعها من المرحلة البيزنطية، حيث تم فتح سوق تجارية كبيرة فيها، وباتت مركزاً هاماً لوقوعها على الطريق المؤدي إلى

“نبي هوري”.

إلى جانب هذه التلال والكهوف، نجد العديد من المواقع والقرى الأثرية التي يعود تاريخ بنائها إلى الفترة الواقعة بين القرنين الأول والسابع للميلاد، أي الفترة الرومانية والبيزنطية مثل تجمعات السكن الروماني كتلك الموجودة في قريتي: “قنطرة، خراب شمس”. وبعد انتشار الديانة المسيحية والسماح بالحرية الدينية في منتصف القرن الرابع، بدأت الكنائس والأديرة تنتشر في كل مكان من جبل “ليلون”، ومعها أخذت تختفي الأثار الخورية، الميتاني والحثية الكردية، ولم ينجوا من يد العبث الرومانية والبيزنطية سوى القليل من تلك الأثار، وهذه البقايا دمرها وحوش داعش وجبهة النصرة والجيش التركي، الذي يحتل المنطقة كلها، وخير دليل على ذلك ما تعرض له الأثار الحثية في قرية “عندارا” بمنطقة أفرين المحتلة. كل ذلك بهدف محو الهوية الكردية لهذه المنطقة الإستراتيجية المطلة على سهل “العمق” الذي يلتقي فيه نهري أفرين والعاصي وثم يصبان معآ في البحر المتوسط.

والعشرات من القرى الكردية المنتشرة في جبل “ليلون”، بجوار القرى الأثرية التي كان يسكنها الكرد اليزدانيين (الايزيدين) إلى قبل الإحتلال التركي الداعشي لمنطقة “أفرين” عام 2018، هذه الأثار ذاتها لا تزال تحمل رموز دينية يزدانية أصيلة، حيث كان هناك قوس لمعبد خوري – يزداني قديم في قرية “كيمار” منحوت عليه طاؤوسين متاقابلين ويتوسطهما الشمس اليزدانية شبيه تمامآ لتلك الشمس الموجودة على المدخل الرئيسي لمعبد “لالش” في شنكال بجنوب كردستان. وهناك رموز كثير كانت موجودة في معبد (خربة الشمس) والتي تعود للحضارات الخورية والميتانية والحثية، ولدينا أثار قلعة عيندارا من الحضارة الحثية. ولا ننسى القبة المخروطية المضلعة لقلعة “نبي هوري” التي تعود لعهد الخوريين (الهوريين). وهناك قلعة “بارسه خاتون” وتنتمي لعائلة (جان پولات) الكردية وتقع في أقصى الشمال من الجبل، ويرتاده إيزيدي المنطقة، إلى جانب عدد أخر من المزارات التي يرتادها الكرد اليزدانيين.

وإطلق العرب على أعلى قمة في جبل ليلون التي تقع في أقصى جنوب الجبل، تسمية (شيخ بركات)، بهدف تغير هوية الجبل الخوري – الكردي.

ثم توالت الحضارات المختلفة على جبل “ليلون”، وكل منطقة “أفرين” وصولآ إلى مدينة دلبين (إدلب)

وهلچ (حلب) مرورآ بمنطقة شاد- با (الشهباء)، مبوگ (منبج)، الباب، گرگاميش (جرابلس)، أزاز،

أرپاد، ووصولآ إلى مدينة ألالاخ (إسكندورنة)، وأوگاريت على شاطئ البحر المتوسط. وتعرض سكانها الخوريين إلى أفظع الجرائم والمذابح وعمليات التهجير، لأنهم كانوا يرفضون تغير دينهم والتخلي عن لغتهم. ولهذا بقيت هذه القرى لفترة زمنية طويلة غير مأهولة، وتجدد الحياة فيها وعاد الناس إليها ما أن هدأت الإمور وساد الأمن ربوع المنطقة.

والملفت أن كل الذين عادوا إليها أي إلى هذه القرى والمدن، هم أحفاد الخوريين والميتانيين والحزبيين من الكرد الحاليين، لأنهم أهل وأصحاب هذه الأرض الطيبة والمقدسة، ويربطهم بها رباط أبدي. واؤلئك العرب والتركمان والشركس الموجودين في مدينة “دارازه” الخورية العزيزة ليسوا سوى محتلين وغزاة ومستوطنيين مجرمين، ولا ينتمون لهذه الأرض بأي سلة. قدموا إليها الغزاة العرب المسلمين الأشرار أثناء غزوهم وإحتلالهم للمنطقة، والبقية جلبهم العثمانيين المجرمين. وهناك مجموعة كبيرة من الكرد المستعربين يقطنون مدينة دارازه، ويكفيكم أن تشاهدون لبسهم، أشكالهم، طريقة حياتهم، إضافة لطريقة تزواجهم، والأعراس والحفلات والعادات، حيث لا تجد فرق واحد بينهم وبين بقية بني جلدتهم الذين أبوا أن يتعربوا، وسنذكر أسماء بعض العائلات الكردية التي تعربت في الفقرة الخاصة بالوجود الكردي في المدينة.

خامسآ، لغة أهل مدينة دارزاه الأصليين:

Zimanê xelkê bajarê Darazê yên nijad

كما أوضحنا في المحور السابق وقلنا: من خلال الشواهد التاريخية الحثية، مثل الأثار والمقابر والمعابد والنقوش والكتابات، إضافة إلى للمحيط الكردي الذي يطوق المدينة، وتاريخ جبل “ليلون” نفسه يؤكد بأن السكان الأصليين لهذه المدينة الأثرية التي إسمها “دارازه” كانوا خوريين، والخوريين لغتهم كما هو معلوم هندو- أوروبية، وهي إم اللغة الكردية الحالية بجميع لهجاتها الكرمانجية الشمالية، الوسطى وحتى الجنوبية .

وخير دليل على أهل المدينة خوريين، هو إسم المدينة الكردي نفسه، وسنأتي عليه بالتفصيل في فقرة لاحقة نناقش فيها أصل التسمية ومعناها. والدليل الثاني الذي يثبت أن أهلها كانوا خوريين – ميتانيين-

حثيين كرد، هو توسط مدينة “دارازه” بحر من القرى الكردية. والدليل الثالث أن مدينة دلبين (إدلب) التي تقع إلى الجنوب منها مدينة كردية خورية، ومدينة هلچ (حلب) التي تقع إلى الجنوب الشرقي منها، هي الأخرى مدينة خورية أصيلة. والدليل الرابع، أن كل العائلات العربية التي تقطن مدينة دارزاه قدمت إليها من مناطق مختلفة منها منطقة اللاذقية، حمص، حماه، البادية، ويعترف الكتاب العرب بأن سكانها هم مهاجرين، وعُمر أقدم عائلة منهم في هذه المدينة لا يتعدى المئة العام. ثم إن أسماء العائلات نفسها تؤكد على عدم إنتمائها لهذه الأرض، وفي الحقيقة هم مجرد مستوطيين ومحتلين لأرض الكرد.

ثم إن تجنب الكتاب العرب والمستعربين منهم، الحديث عن لغة ومعتقدات سكان مدينة دارازه الأصليين، مؤشر واضح وصريح، على تهربهم من مواجهة الحقيقة، لأن الحقيقة لا تصب في صالحهم بكل تأكيد، ولهذا تجنبوا الحديث والكتابة عن هذين الجانبين المهمين أي (اللغة والمعتقد) الخاصة بأهل مدينة دارازه الأصليين، قبل مجيئ المحتلين الرومان والبيزنطيين وسواهم، والسؤال هنا:

بأي لغة كان يتحدث سكان مدينة دارزاه الأصليين ومعهم سكان جبل ليلون؟

لا أظن ويوفقني كل إنسان عاقل معي، بأن الخوريين كانوا يتحثون بلغتهم وليس بغير لغتهم مثل لغة الرومان أو سواهم، لأن في تلك الحقبة الزمنية أي (5000) خمسة ألاف سنة لم يكن يعيش في هذه المنطقة سوى الشعب الخوري، وكل من وفد إليها لاحقآ، لم يكونوا سوى محتلين وقتلة وعلى أسهم الأشوريين، البابليين، الرومان والبيزنطيين والعرب المسلمين.

ومن غير المعقول أن بقية المدن والقرى المحيطة بها كانت تتحدث الخورية وفقط مدينة “دارازه” التي تتوسطها كان يتحدث سكانها بلغة غير لغة أهل وسكان جبل “ليلون”، هذا غير منطقي ومستحيل. لماذا؟

لأن في تلك الفترة من الزمن لم يكن قد تعرضت هذه المنطقة الخورية البحتة للغزوات والإحتلالات وعلميات الإستيطان السرطانية، رومانية أكانت أم فارسية أو عربية. وإذا إفترضنا أن سكانها لم يكونوا يتحدثون اللغة الخورية (أم اللغة الكردية الحالية)، فبأي لغةٍ كان يتحدث أهلها إذآ؟؟ هذا السؤال لم يجيبوا عنه مزوري التاريخ من العرب.

من هنا جاء إنتشار اللغة الخورية على نطاق واسع في المنطقة لأنها سكانها كانور هوريين ومع توسع الدولة الخورية في الألف الثاني والثالث قبل الميلاد، وأصبحت لغة الإقليم، وإحتلت مكانة بارزة في المنطقة. ومن الجدير بالذكر، أن اللغة الأورارتية الشمالية منحدرة من اللغة الخورية، وكانت اللغة الخورية وكتابتها المسمارية هي من أقدم اللغات والكتابات، وكما هو معلوم فإن اللغة “الخورية” لغة إلتصاقية مثل اللغة السومرية وهما في الأساس لغة واحدة.

كما إن إجراء مقارنة بين أشكال العبادة والطقوس الدينية، ونمط البناء وأشكال دور العبادة في مدينة دارازه التاريخية، مع مدينة “نبي هوري” وقرى باصوفان، كيمار، براد، وعندارا، سنكتشف الحقيقة الساطعة والتي مفادها:

أن جميع هذه المدن والقرى بإختلاف أدورها وأهميتها في تلك المرحلة التاريخية من حياة الخوريين،

يجمعهما نفس الديانة والطقوس العبادات والرموز (الشمس، الصليب المتساوي الأضلاع)، القبور وطريقة دفن الموتى بإتجاه الشمس (الشروق)، وأشكال دور العبادة، شكل البناء، كل ذلك يثبت على أن الشعب الخورية إمة واحدة ومدينة “دارزه”  واحدة من مدنهم التاريخية العريقة.

سادسآ، العبادات والطقوس الدينية لسكان دارزاه الأوليين:

Bîrûbawerî û rêresmên xelkê Darazê yên nijad

كما أوضحنا وأثبتنا في محاور سابقة أن مدينة “دارازه” مدينة خورية عريقة ويعود تاريخها على أقل تقدير (5000) الاف سنة قبل الميلاد، وقلنا بأن في هذه الفترة الزمنية من التاريخ، لم يكن يعيش في هذه المنطقة برمتها (سوريا الحالية، تركيا، لبنان، العراق، ايران، أذربيجان) سوى الشعب الخوري سلف الكرد الحاليين، وبقية الأقوام التي تجدونها الأن في هذه المنطقة، كلهم قدموا إليها متأخرين للغاية ومن بينهم: “الأشوريين، البابليين، الأموريين، الكنعانيين، الرومان، البيزنطيين، المغول، الفرس، العرب، التتر، العثمانيين”.

وجبل “ليلون” الذي حاول البعض من الكرد الأخساء ومن ذوي النفوس المريضة من أيتام نظام البعث الإجرامي، لا بل هم أسوأ منه بكثير، حاولوا تغير إسمه إلى جبل (شيروا)، هذه التسمية المقية المزيفة والحقيرة، والتي لا تمت لهذا الجبل الخوري – الكردي الأبي بصلة.

كل أهل هذا الجبل ومنطقة أفرين وألالاخ وباقي المناطق الخورية الواسعة جدآ، كانوا يدينون بالديانة اليزدانية، – الشمسانية، والتي مازال ملايين الكرد يؤمنون بها، وبقية أبناء الكرد مازالوا يحتفظون بالكثير من طقوسها ويمارسونها في حياتهم اليومية، رغم إعتناق البعض منهم للديانة المسيحية والبعض الأخر للإسلام (وهم أكثرية) دين العرب الشرير، الذي فرض على الإمة الكردية بحد السيف. ومن الديانة اليزدانية الكردية إنبثق العديد من الفرق الدينية مثل:

اليزيدية، الهلوية (العلوية)، الدرزية، الشبكية والكاكائية، ولا شك أن الديانة الميثرائية هي بدورها إمتداد للديانة اليزدانية، وسميت هذه الديانة بهذا الإسم، نسبة إلى “يزدان” أي الإله.

بعض أثارات المدينة

كل ذلك كان قبل أن قدوم المحتلين الرومان للمنطقة، وإحتلاهم أجزاء كبيرة من وطن الخوريين، وبعد

تبنيهم الدياسية وجعلها الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية ثم البيزنطية، إنتشرت المسيحية في وطن الخوريين والمشرق، لا بل فرضها الرومان والبيزنطيين على قسم كبير من الكرد في غرب كردستان وشمالها، ومن هنا كان إنتشار دور العبادة المسيحية في المناطق الخورية – الكردية بكثافة وخاصة في جبل “ليلون”.

وإذا ما نظرنا في خريطة المنطقة وموقع مدينة “دارازه” منها، سنجد أنها تتوسط المدن والقرى الخورية الكردية المنتشرة على سفح هذا الجبل الشامخ أي جبل “ليلون” ولا يمكن أن يكون عبادات وطقوس أهلها وسكانها الأولين تختلف عن شقيقاتها من المدن والقرى المحية بها. ثم إنه لأمرٌ مريب وغير منطقي ولا علمي، أن يتجنب معظم الكتاب والمؤرخين العرب والمستعربين منهم، الحديث عن لغة سكان “دارازه” الأصليين وعباداتهم، ويركزون فقط على فترة إستعمارهم وإحتلالهم لها وعدد المساجد المبنية فيها!!!!

سابعآ، كهف دو- داريا:

Şikefta duderiya

قبل حضور البعثة اليابانية والتنقيب في كهف “دو- داريا” بالإشراك مع باحثين محليين وإكتشاف عظام طفل بلغ العام من عمره في عام 1993 وهو معروض في جناح ما قبل التاريخ في المتحف الوطني في مدينة حلب، لم يكن يعلم عن هذا الكهف شيئ سوى أبناء منطقة أفرين وسكان مدينة دارازه. وكان غير مستخدم من قبل الأهالي المحليين من أبناء الكرد سكان المنطقة، وفقط يزورونه الناس لرؤيته لكن معرفة تاريخه والناس الذين سكنوا فيه في الأزمنة الغابرة. السبب في ذلك لعدم إمنلاك الكرد وللأسف للكوادر المختصة في الأثار واللغات القديمة، وإن أحد فهو مهمل ولا يحظى بأي إهتمام ودعم من الأطراف الساسية الكردية، وهذا أمر مخجل ومحزن وبل معيب. إن الكرد إن كان سياسيآ أو أكان أو مواطنآ عاديآ لا يجدون في الأثار علمآ، فكيف سيدرسون علم الأثار وبالتالي يكون لدينا علماء في هذا الميدان الهام للغاية، ويقومون بالتنقيب في المدن الأثرية الكردية ويطلعون شعبهم على تاريخ أسلافهم!!

إنظروا حتى النظام البعثي- الأسدي المجرم والعنصري، لم يستطع تخريج علماء موأهلين للقيام بعماليات التنقيب لوحدهم دون مساعدة الخبراء الأجانب. من هنا إضطروا للإستعانة بالخبراء اليابانيين للتنقب في كهف “دو – داريا” وفي مواقع أثرية أخرى، هذا بعد مئة عام من تأسيس هذا الكيان اللقيط الذي إسمه (سوريا) يا للعار!!!!

 

هذا الكهف إلى جانب ضخامته، فهو قديم للغاية ويعود تاريخه إلى فترة ما قبل التاريخ، وقدر العلماء اليابانيين عمره بحوالي (100.000) عام. وكما بات معروفآ فقد وجدت البعثة اليابانية هيكل عظمي يعود لطفل بلغ السنة الثانية من عمره ويعود لحقبة (نياندرلي) وكان الإكتشاف في عام 1993 ميلادي.

ويصل عمق الكهف حوالي (60) ستين متر، وأقصى عرضه حوالي (40) أربعين متر، وله بابان الأول شمالي وهو الأكبر، والثاني جنوبي وهو الأصغر، يبدو على شكل طاقة كبيرة، ويعتقد كانت تستخدم في إدخال الإنارة للكهف، مع العلم أنها طاقة طبيعية. ومساحة الكهف تصل لحوالي (240) متر مربع، لهذا يعتبر أعمق وأكبر كهف من العصر الحجري المبكر. وتسمية الكهف بهذه التسمية يعود لإمتلاكه بابان وهي تسمية كردية.

Dû:  إثنان

Derî: باب

Du  +  derî  ——–>  Duderî:ذو بابين

Şikeft: كهف

Şikefta duderiya: كهف ذو البابين

 

الكهف يقع تقريبآ في وسط المنحدر الغربي لجبل “ليلون”، حيث ينحدر نحو الوادي “دو- دريا” جنوب مدينة “أفرين” نحو (15) خمسة عشر كيلو متر تقريبآ، وتحديداً بالقرب من قرية “برج عبدالو”، والكهف يرتفع عن البحر بحوالي (450) متر.

لا شك أن ظروف أو شروط الحياة كانت متوفرة في هذه البقعة الجغرافية التي تتوسط العالم، حتى سكنها الإنسان من أقدم الأزمنة وقد يصل وجود الإنسان في هذه المنطقة إلى أكثر من (100) الف عام خلت. ومن هنا برأي يستمد كهف “دو- دريا” أهميته التاريخية، وللأسف لم تقم حكومات البعث الإجرامي والمقبور حافظ الأسد بفتح طريق مأمون ليستخدمه الزوار والسواح أثناء زيارتهم للكهف، وترتيب محيط الكهف وفتح محلات ومطاعم كي يرتاح فيها الزوار وتتبضع من الدكاكين بعض التذكارات من المنطقة.

وطرق تسهل على الزوار سهولة الإنتقال إلى المواقع الأثرية الأخري، بسيارات كهربائية مخصصة لهذا الأمر، ومعهم دليل سياسي يتقن اللغات المختلفة وعلى علم جيد بتاريخ تلك المواقع وأثارها. والوصول إلى الكهف يتم عبر ثلاثة طرق: 1- حلب – دارازه. 2- عفرين – برج عبدالو. 3- حلب – قرية عقيبة – برج عبدالو.

————————

الإنسان النياندرتال (البدائي):

هو أحد أنواع جنس هومو الذي استوطن أوروبا وأجزاء من غرب آسيا وآسيا الوسطى. تعود آثار نياندرتال البيئية التي وجدت في أوروبا لحوالي (350.000) سنة مضت. انقرض إنسان نياندرتال في أوروبا قبل حوالي (24.000) سنة مضت.

سمي النياندرتال نسبة لأحد المواقع الأولى التي اكتُشفت فيها أحافيرهم في منتصف القرن التاسع عشر في وادي نياندر شرق مدينة دوسلدورف في ولاية الراين بمملكة بروسيا (تدعى الآن شمال الراين – وستفاليا في ألمانيا الحالية). سمي الوادي بهذا الاسم نسبة ليواخيم نياندر.

كانت مستحاثة النياندرتال الأولى تعرف باسم (جمجمة نياندرتال) في مؤلفات علم التشكل، وكان تمثيل الجسد الذي أعيد تشكيله على أساس الجمجمة يسمى أحيانًا رجل النياندرتال. اقُترح اسم إنسان النياندرتال الذي وسع شمولية اسم رجل النياندرتال من السمة الفردية للمستحاثة إلى المجموعة بأكملها لأول مرة من قبل عالم الجيولوجيا الإيرلندي وليام كينج في ورقة تلاها أمام الجمعية البريطانية في عام 1863.

عاش إنسان نياندرتال في أوروبا وآسيا الغربية (المساحة الممتدة من إسبانيا وحتى أوزبكستان في فترة تزامنت مع العصر الجليدي الذي جاب معظم أرجاء أوروبا وآسيا قبل مائتين وثلاثين ألف سنة. وكشفت أحدث الدراسات عن وجود هذا الإنسان في فلسطين وليبيا بالقرب من بلدة بلغراي تؤكد معاصرة هذا الإنسان للإنسان المعاصر ويعتقد العلماء بأن أجسامهم القصيرة والممتلئة والقوية هي من أهم أسباب بقائهم في العصر الجليدي. وبمراجعة الأدوات المكتشفة معهم

عرفوا بأنهم صيادون ماهرون ويتغذون على الطرائد. ويسجل العلماء بأنهم كانوا يصطادون في جماعات وفرق مما أدى إلى مواجهة مصاعب الصيد والحيوانات المفترسة الأخرى. يسجل لهذا الإنسان مقدرته على الكلام ولكن يلاحظ عليه افتقاره لتركيب الكلمات المعقدة أو تكوين مفاهيم أكثر تعقيدا كالفن وغيره فقد ظلوا بدائيين جداً. کان معدل حجم مخ النیاندرتال البالغ أكبر من معدل حجم المخ للإنسان الحالي بنسبة 10% تقریبا. لا يعرف إلى الآن سبب انقراض هذا النوع من البشر، ولكن بعض الدراسات رجحت أن عيونه الكبيرة كانت أحد الأسباب لانقراضه.

—————–

الكرد وعلماء الأثار:

كل شباب الكرد يرغبون في أن يصبحون أطباء لكي يسرقون جيوب الفقراء، أو مهندسين كي يتباهون أمام الأخري إنه مرض إجتماعي وتربوي خسيس. وإذا نظرت في الجسور وشكل البناء في كردستان لأصبت بالدصدمة وفزغت من شكلها المخيف والمقزز رغم الكم الهائل من “المهندسيين”. وإن نظرت إلى صحة أبناء الشعب الكردي لكانت صدمتك أكبر، حيث 80% من الكرد يعيشون بلا أسنان، والأمراض تنهش في أجسادهم رغم العدد الضخم من الدكاترة الذين يحملون شهادات طبية!!!!

نهاية الحلقة الثانية من هذه الدراسة التي نتناول فيها تاريخ وهوية مدينة “دارازه”.

ونحن في إنتظار أرائكم وملاحظتكم السديدة ومنكم نستفيد.