فاضل ميراني القيادي وسكرتير حزب البارزاني في تبريره للفساد الإداري والحكومي والحزبي والمالي والسياسي ، يقول : إن أعدائنا يتحدثون عن الفساد كثيراً ، مع إن الفساد كان موجوداً منذ الخلفاء الراشدين والى اليوم ! .
ما ذكره فاضل ميراني لا يدل إلا تبريره لشتى أنواع الفساد الإداري والحكومي والمالي والإقتصادي والسياسي والحزبي في إقليم كردستان العراق ، في السلطة التي يتسلطون على أغلبية مرافقها ، وعلى حزبهم بشكل مطلق . ومن ناحية ثانية قوله يدل على عدم إطلاعه ومدى تواضعه العلمي والمعلوماتي والتاريخي عن الخلفاء الراشدين والتاريخ الإسلامي وغيره بشكل عام .
إن الخلافة الراشدة التي بدأت عهدها بعد وفاة رسول الله محمد بآنتخاب أبي بكر الصديق الذي كان حاكماً نزيهاً تقياً ورعاً وعادلاً في حكمه ، فهو لم يُنصب أحداً من أبناءه وأقرباءه لمنصب ، ولم يُسلمهم مسؤولية من مسؤوليات الحكم والحكومة على الإطلاق . مضافاً لقد كان أبو بكر الصديق ذا فكر عبقري في السياسة والحكم والحكومة ، وهو القائل في خطابه للناس بُعَيْدَ إنتخابه كخليفة : [ لقد وُليْتُ عليكم ولستُ بخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني ، وإن أسأتُ فقوموني ] ! .
أما عمر بن الخطاب الذي تولى سدة الحكم للخلافة الراشدة بعد وفاة أبي بكر الصديق فإنه يُضرب به المثل في نزاهته وتواضعه وتقواه وورعه وتقشفه وعدالته ، فعمرٌ أيضاً طيلة حكومته كلها لم يُنصب أحداً من أبناءه وأقاربه لمنصب حكومي وإداري أبداً .
لقد كان عمر بن الخطاب بعيد النظر ودقيقاً في حكمه ويتحرى العدل ولم يستثني أحداً منه ، وهكذا كان يُراقب المسؤولين والقادة في حكومته ويسمع الى شكاوى الناس وآعتراضاتهم وآقتراحاتهم ، يقول عمر في أحد روائعه : [ أيما عامل من عمالي ظلم أحداً ، ثم بلغتني مظلمته ، فلم أغيرها ، فأنا الذي ظلمته ] يُنظر كتاب [ شرح نهج البلاغة ] لمؤلفه إبن أبي الحديد ، ج 12 ، ص 25 .
كان عمر بن الخطاب حاكماً ديمقراطياً بالمفهوم المعاصر ، فهو كان – كما ذكرنا قبل قليل – يُصغي الى الناس ويقبل إعتراضاتهم ونقدهم له وقادته وحكومته ، بل إنه كان يُشجع المجتمع على ذلك ، يقول الإمام عمر في تشجيع المجتمع على النقد والصدع بالحقيقة : [ رحم الله مَنْ أهدى إلي عيوبي ] يُنظر المصدر السابق ونفس الجزء ، ص 39
مثلما أشرنا آنفاً كان الخليفة الثاني الإمام عمر يُراقب القادة والمسؤولين في حكومته بكل دقة ، فإذا ثبت لديه إن أحداُ منهم أصبح ثرياً بعد المسؤولية فإنه كان يُحاكمه ويُصادر أمواله ويعزله من المسؤولية وله مقولته الشهيرة : [ من أين لك هذا ؟ ] ، وقد فعل ذلك إزاء
العديد من المسؤولين والقادة في حكومته منهم أبي هريرة وأبي موسى الأشعري والحارث بن وهب وغيرهم ، لهذا إعتبر الؤرخ الأمريكي المعروف مايكل هارت في كتابه الذائع الصيت [ المائة الأوائل ] عمر بن الخطاب أحد أبرز القادة التاريخيين الذي غير مجرى التاريخ ! .
وثالث الخلفاء الراشدين ، هو عثمان بن عفان فقد كان النصف الأول من حكمه كحكم أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب في الحكم والحكومة والإدارة ، لكن الفساد الحكومي والإداري والسياسي والمالي دَب فيه في النصف الثاني ، وهذا ما يُؤخذ عليه عثمان بن عفان في النصف الثاني من حكومته وإدارته لشؤون وسياسة الحكومة ، حيث بتأثير من جماعة الضغط الأموية أقدم على عزل المسؤولين الأكفاء وتعيين الأقارب غير الأكفاء الفاسدين محلهم . لهذا إنتقده الناس وتذمروا من حكمه وعارضوه ووقفوا ضده ، وبالتالي ثاروا ضده الى أن قُتل جراء ذلك . أما علي بن أبي طالب فإنه كان أيضاَ حاكماً ورعاً وتقياً ونزيهاً ومتواضعاً وعادلاً ، لكن ظروف حكمه وحكومته قد أصابتها الوهن والضعف والخلافات والصراعات الداخلية العنيفة ، وبالنتيجة عجز من علاجها وفشل في حلها وحسمها الى أن أغتيل من قبل جماعة الخوارج المعارضة والمناوءة له . وبحسب دراستي للتأريخ الإسلامي كان علي بن أبي طالب لم يكن كأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب مُلماً ومطلعاً وعبقرياً بالحكم والحكومة والإدارة والسياسة لشؤون المجتمع . على هذا فإن الصحابة كانوا يتفاوتون في ملكاتهم وقدراتهم المعرفية والعلمية والثقافية والإجتماعية وغيرها .
هذا ما كان بكل إيجاز عن حكومة الخلفاء الراشدين ، أما عن الأمويين والعباسيين فلا شك بأن أكثرهم كانوا لا يتمتعون بحكم عادل بآستثناء عمر بن عبدالعزيز الذي كان حاكماً إجتمعت فيه كأبي بكر الصديق وعمر ب الخطاب جميع خصال وسمات وشروط الحكم والحاكم العادل الصالح والقيادة الصالحة العادلة والعبقرية . فربما العدالة وحدها لا تكفي إن لم يكن الحاكم على دراية وإلمام ممتازين بشؤون الإدارة والحكومة والقيادة والسياسة والإجتماع ! .
تأسيساً على ما ورد كان على سكرتير حزب البارزاني فاضل ميراني وحزبه وحكومته وإدارته أن ينتهجوا النهج السوي والعادل لأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعمر بن عبدالعزيز ، والحكومات الغربية التي تأسست على قيم الديمقراطية والعدالة الإجتماعية لا أن يُبرر فساد وجور حكومته وسلطته بالقول التعميمي الخاطيء بآستمرارية الفساد منذ عهد الخلفاء الراشدين والى اليوم . وقوله هذا معناه بأنهم ليسوا وحدهم ممن يُعاني كسلطة وقيادة وحزب من الفساد الواسع والإستبداد والسُلطوية ، فالفساد وغيره ضاربة جذوره في أعماق التاريخ . في هذا الصدد ينطبق على فاضل ميراني سكرتير حزب البارزاني المثل الكردي والعربي المعروف : [ أراد أن يًكحلها فعماها ] ! .
في عام 2015 حينما آندلعت مظاهرات شعبية في العديد من مدن ومناطق إقليم كردستان العراق ضد الفساد والإستبداد خطب سكرتير حزب البارزاني فاضل ميراني أمام الفضائيات ، فقال : إن مَنْ يُرمي حجراً على مقرات حزبنا سوف نقطع يده ، أجل هكذا قال وصرح ميراني جهاراً نهاراً وأمام الفضائيات ، فبدلاً أن يقول بأن مَنْ يستخدم العنف في المظاهرات سوف يُقدم الى المحاكمة والعدالة كي يحكم القضاء بمقتضى العدل فيمن يُخالف العدل والأمن والنظام في المجتمع . ومن المفارقات والتناقضات هي إن سكرتير حزب البارزاني فاضل ميراني أقام أعواماً طويلة في الولايات المتحدة الأمريكية بعد إنهيار الثورة الكردية عام 1975 من القرن الماضي ، لكنه كما يبدو بكل وضوح لم يُحاول أن يستفيد ويتعلم من الديمقراطية والمؤسساتية والعدالة الإجتماعية الأمريكية ، وأن ينتهجها هو وأقطاب حزبه في إدارة الحكم والحكومة والسياسة والإجتماع في إقليم كردستان العراق ! .