الشّعَر أفيون الشّعوب- بقلم: فرياد إبراهيم


” لا تقل سأفعل كذا وكذا قبل أن تبدأ بالعمل لأن ذلك يثبط عزيمتك وهمتك عندما تحين ساعة العمل.” أوصاني والدي اكثر من مرة وأنا صغير.
وكان أحيانا يداعبني ويقول: ” التقاط الحجر الكبير علامة عدم الرمي.”
ألآن -لا حينذاك – أقول لقد صدق أبي الحكيم .

“لو قلت شيئا ما فعلته”.

كلماته لا تزال ترن كجرس إنذار كلما أجد نفسي أمام الشروع بعمل أو فعل سواء أكان حركيا أو كلاميا.
فعلى سبيل المثال : عندما يكون لدى أحدهم شكوى ضد طبيب أسنان والمقصر في المعالجة. فينفجر غاضبا امام زوجته متوعدا: ساقول وأفعل كذا وكذا… سأحذره، سأصارحه بالقول بانك مهمل وانك تستغل المريض. ولو أقتضت الحاجة سأهدده . و لكن عندما يحين موعد الطبيب فما هو حينذا الا بالون مفرغ من الهواء تماما غير قابل لا للنفخ ولا للانفجار.
وهذا تماما ما يحدث للشاعر. فهذا يفرغ كل من بالون همته قولا على حساب الفعل.
اما عن عجز أو عن خوف أو مرض نفسي اوإحباط.
فكل من حيل بينه وبين ما يريد قال شعرا ففقد العزم على المضي والسعي في تنفيذ المراد.
وكل من احب وصُدّ نظم شعرا، فآثر الكسل على العمل.
وكل من احبط عمله قال شعرا.
وكل من أصيب بداء الحرمان صار شاعرا.
وكل من خرج من السجن حتى لو كان اخرس كتب شعرا.
وكل من جبن عن أداء واجب من صلب مهامه ، انشد شعرا كثيفا غزيرا.
وكل من خاب رجاؤه ورسب في الامتحان او فشل في إنجاز مهمة ما بات شاعرا .
فقد إنفجر البركان على نفسه في اعماق نفوسهم!
ومن حمل قرطاسية شعره المثقل بالهموم كمن حمل حجرا ثقيلا لا ينوي رميه، كما قال والدي.
فالعاجز عن اداء عمل يلتمس طرقا اخرى للترفيه والتعبير والتنفيس . حتى صارالسخط والأعتراض والنقد والرفض يصب في قالب النظم. وهكذا بقي الواقع هو هو والعطب هو هو والعلة هي هي . فقد أدى القول كل الدور، واللسان صار بدلا للأرجل والأقدام ، وحركات الأيادي المنفعلة وراء الميكروفونات غدت سيد الموقف بلا منازع. والفقاعات تتصادم وتتفرقع في الهواء. وانف في الهواء واست في الماء.
هذا باستثناء من يقول الشعر بعد أن أنجز الفعل. ففي هذه الحالة تتحول( سوف) الى ( قد )، وحل فعل الماضي (سعيتُ) محل الفعل المضارع المسبوق بالسين أي سين المستقبل (سوف أسعى..).
الحقيقة التي آمن بها هي: من قال كثيرا فعل قليلا.

والشعراء (يقولون ما لا يفعلون.) كما تنص الآية.
فالشعر قاتل لروح الفعل والتحرك والمبادرة ، والباعث على الكسل والتراخي في نفوس شعب بكامله.

فها هو نصف العراق وربع اهل الشرق قد تحول – رغبة أو رهبة- الى شعراء- هواة أومحترفين. خدّروا انفسهم موضعيا ضد الألم. ومن يخدر نفسه لا يحس بالألم فيكتفي فيخضع للأمرالواقع المؤلم ويرضى بتخفيف الألم – تخدير موضعي- دون السعي الى البحث عن الدواء والعلاج.
الشاعر حاله يمكن تشبيهه بحامل بندقية . وقد اطلق كل الرصاصات حتى فرّغ المخزن. ولم يبق فيه ولا رصاصة واحدة يطلقها في الميدان الحي الحقيقي. لأنه قد نفذت ذخيرته ساعة التدريب على الرمي في معسكره!
فأن الشعر افيون الشعوب !

مخدِّر للعقول !

مُثيط للهمم!
ولا أقول أن الدين افيون الشعوب كما قال ماركس بل الشعر. فالدين -مبادئ واعتدال لا سياسة وتطرف- طبيب كل الأمراض النفسية والعقلية للشعوب المقهورة المظلومة.
فلو تأملت لأكتشفت أن الغرب قد خلا من الشعراء تقريبا . فالشعر اصبح هنا متنفسا وملاذاَ للمعاقين العاجزين عجزا جسميا او نفسيا. أنه يلعب نفس دور الدين في مجتمعاتنا:

( طبيب معالج وملاذ آمن للمكروب.)
فالشعر في الغرب أصبح ظاهرة تعود الى القرون الوسطى.
وزبدة القول: إن سر تأخرنا هو: اننا نقول ما لا نفعل.
وسر تقدمهم أنهم:
يفعلون ما لا يقولون!

&

فرياد

حزيران-2022

 

6 Comments on “الشّعَر أفيون الشّعوب- بقلم: فرياد إبراهيم”

  1. انا اختلف معك ياسيدي رغم انني احترم وجهة نظرك، والذي تقوله ينطبق على فئة من الشعراء الذين يحاولون ان يجدوا في الشعر وسيلة للشهرة والمجد.
    اما التعميم فهذا يعتبر غبن بحق الشعراء الحقيقين المبدعين الذبن يعتبرون صوت الشعب ويعبرون عن هموم ومعانات الانسان.
    اما بالنسبة لاوروبا هناك شعراء عظماء وكبار ويقام لهؤلاء مهرجانات سنوية خاصة بالشعر.
    وخير مثال الشاعر الكردي العالمي حسين حبش حيث نال هذه السنة جائزة أفضل شاعر لعام ٢٠٢٢ في مهرجان الشعر السنوي في البوسنة والهرسك.
    اما ظاهرة الشعر الرديئ فهؤلاء انت تقصدهم ولكن هؤلاء يعتبرون ظاهرة عابرة وسوف تنتهي لانه لامستقبل لكل ردئ.
    ارجو ان تتقبل رأي برحابة صدر لاننا فقط نتنافش وقد اكون انا مخطئ وانت على الصواب لانني لا ادعي بانني املك كل الحقيقة.
    رغم كل شئ مقالتك تعتبر جيدة لانها تسلط الضوء على ظاهرة سلبية في الشعر بشكل عام.

  2. جل احترامي للاخ فرياد على مقالته والذي خص للبعض اصحاب المصالح الشخصيه……… وما روعه اخلاقك واسلوبك النزيه الذي لا يعلى عليه الاخ مصطفى باكو

  3. الاخ العزيز مصطفى باكو المحترم
    تحية طيبة
    اتفق معك بأنه هناك طائفة جاهلة مفلسة تتغذى على نظم الشعر وتتباهى بالشاعرية
    ولكنني في مقالي هذا اركز على حالة التخدير والتنفيس التي يحس بها الشاعر عند كتابة الشعر.
    كنت اكتب شعرا عندما ضاقت امامي السبل وعبرت عن احباطاتى ونكساتى بنظم الشعر.
    وكما هو معلوم اصبح كتابة او قول الشعر مجالا للمكروبين في الغرب المتقدم وان كتب احدهم شعرا فتعبير عن عواطفه الجياشة فقط-حتى تكاد ان تحكم بان تداول الشعر انحصر في فئة معينة دون الفئة الغالبة المسيطرة على السوق والمجتمع- تماما مثل الدين.
    (الشعر والاسلام) صارا من اختصاص الباحثين عن عمل والعاطلين عن العمل ورواد الكنائس من العجزة والمسنين…
    ودمتم بخير وكما قال الاخ خدر كلماتك آية في الطيبة واسلوبك في التعليق جمال وكمال في نفس الوقت
    آمل ان تقبل بكلماتي ولو على مضض!
    مع وافر المودة والاحترام
    اخوك
    فرياد

  4. العزيز مصطفى باكو المحترم
    تحية طيبة
    اتفق معك بأنه هناك طائفة جاهلة مفلسة تتغذى على نظم الشعر وتتباهى بالشاعرية
    ولكنني في مقالي هذا اركز على حالة التخدير والتنفيس التي يحس بها الشاعر عند كتابة الشعر.
    كنت اكتب شعرا عندما ضاقت امامي السبل وعبرت عن احباطاتى ونكساتى بنظم الشعر.
    وكما هو معلوم اصبح كتابة او قول الشعر مجالا للمكروبين في الغرب المتقدم وان كتب احدهم شعرا فتعبير عن عواطفه الجياشة فقط-حتى تكاد ان تحكم بان تداول الشعر انحصر في فئة معينة دون الفئة الغالبة المسيطرة على السوق والمجتمع- تماما مثل الدين.
    (الشعر والاسلام) صارا من اختصاص الباحثين عن عمل والعاطلين عن العمل ورواد الكنائس من العجزة والمسنين…
    ودمتم بخير وكما قال الاخ خدر كلماتك آية في الطيبة واسلوبك في التعليق جمال وكمال في نفس الوقت
    آمل ان تقبل بكلماتي ولو على مضض!
    مع وافر المودة والاحترام
    اخوك
    فرياد

  5. الاخ العزيز خدر المحترم
    لا يمكن نكران ما لكلمات الزميل مصطفى باكو من تاثير ايجابي عليّ وعلى متابعي مقالاتي
    وما يخص الزميل مصطفى انه يمس المادة بقدر ما تمليه عليه التزاماته بحق الشعر والشعراء وصلته وارتباطه بهم من ناحية اقامة الحوار والتقديم الى القارئ
    ومن ثم انه هناك شاعر هاوي وشاعر محترف
    الهاوي من يقول شعرا عفويا بمناسبات خاصة تهزه ولا يملك حيالها مناصا
    اما المحترف وهو المقصود هنا فجعل من الشعر مهنته ومحنته في آن واحد بحيث ادمن عليه ولا تفارقه الصور والالهام الا في المنام فالتصق اسمه بكلمة الشاعر
    هذه الحالة تقضي على روح المبادرة والعمل ويحل القول محل انجاز الفعل
    اي يصبح توكليا معتادا وينحصر دوره في الحياة على التشكي والتذمر من الحالات السلبية الاجتماعية والسياسية خاصة وما اكثر هؤلاء في المجتمع الشرقي المكبل بالقيود الصارمة الفاقد للحرية: حرية الكلام والعمل…
    بوركت ولا كلت يداك ولا شلت يمينك في كتابة اسطر خطت بحبر الانسانية وعلى ورق المحبة والوفاق
    فرياد

  6. الاستاذان الكببران فرياد ابراهيم وخدر المحترمان. اشكر لكما اطرائكم لي فهذه شهادة اعتز بها واعتبرها وسام على صدري وان دل هذا على شيء فهو يدل على سمو ورقي روحكما الوطنيان وسعة صدركما وتقبلكما للاخر، وهكذا تتقدم الامم وتتطور الشعوب.
    ونحن الكرد بحاحة لمثقفين وادباء كرد من امثالكما حتى يكونوا مثال وقدوة للمجتمع، لان مجتمعنا منقسم الى قسمين وذلك بسبب السياسات والانتماءات الحزبية وخاصة في روج افا.
    مرة اخرى لكما كل الود والاحترام.

Comments are closed.