الانكسار ( 6)- عصمت شاهين دوسكي

 

 

لسهولة إدراك ظاهرة الانكسار يلزم أن نذكر هنا اكتشافات جديدة للجماعات الإرهابية إذ أصبح من الواضح إمكان فرز وضعهم التخريبي ومنهجهم ألتدميري لكل مرافق الحياة لأنه يفقد توازنه المكاني ويفقد في نفس الوقت ذاته الإنسانية تماما فينقاد إلى كل ما يأمر به ويشير عليه فيرتكب أشد الأفعال قسوة ،ذاته تسير معهم كلما أمضى زمنا بين الجماعات متفاعلا معهم لا يمسي إلا أن يصير في حالة خاصة تقريبا من حالة الشخص النائم نوما مغناطيسيا بين يديهم وحالة الشخص النائم مغناطيسيا بسبب تأثير الجماعات الداعشية ” أبو جهاد وأبو كرار وأبو عكرمة وأبو سلامة وغيرهم ” هي تعطيل وظيفة المخ وجعله مسخرا لتوجيهات وحركات لا شعورية التي يتحكم فيها المنوم كيف ما يشاء ومثل هذه الحالة تنطفئ الذات الشاعرة وتفقد الإرادة ويغيب التمييز وتتجه جميع الأفكار والمشاعر نحو الهدف الذي رسمه المنوم فتراه عند الإشارة إليه يندفع إلى تنفيذ الفعل المشار إليه اندفاعا بلا مقاومة منه ، وبعدما اشتد القصف على المقرات العسكرية والأمكنة التي يتواجدون فيها اشتد عليهم الضيق ولا أنسى تلك الليلة المفزعة كان عندي ضيوف في البيت عائلة بن أختي ” عمر ” هو وزوجته وأولاده الصغار بين عامي الخامسة والسادسة من العمر” حسين وعلي ” وبنت أختي أحلام وبناتها ” منى ورؤى ” بعمر الثامنة عشر والتاسعة عشر وابنها ذو تسعة سنين ” سالم ” سهرنا بأحاديث وذكريات أيام زمان حيث لا تلفزيون ولا ستلاين ولا انترنيت ونمنا متعبين من السهر وفي الساعة الخامسة فجرا سمعنا صوتا رهيبا اهتز البيت وتكسرت الشبابيك ضربة قوية وبين الهلع والخوف الجميع يصرخ يا الله يا الله يا لله والصغار يبكون تجمعنا كلنا في غرفة واحدة كتلة بشرية وإذا بصاروخ ثاني وثالث ورابع بنفس القوة والاهتزاز نسمع صوت الصاروخ وأزيزه إلى أن ينفجر ومن شدة قرب الصوت نحس انه سيقع فوقنا، أربع صواريخ من طائرة حربية تمكنت من قصف مقر كان سابقا للشرطة قريب من منطقتنا بعدها هدأ الصوت وخيم الصمت وإذا بصوت الجيران ” أبو أحمد وابنه احمد ” وهم يطمئنون علينا :

كيف حالكم أبو سيلين الحمد لله على السلامة

قلت له من خلال الساتر بيننا :

الحمد لله على كل حال فقط الخوف والرعب وكسر زجاج الشبابيك الله يساعد البيوت القريبة من مقر مبنى الشرطة .

قال : ونحن أيضا لم يبقى شباك سليما ، الله يساعدهم، الحمد لله

فقلت له : الحمد لله

وكلما ضاقت بهم الصواريخ والحالة المادية حيث لم يتمكنوا من دفع رواتب المنتمين لهم أصدروا قرارا منع التدخين والنركيلة لا خلسة ولا عامة فأصبحت لهم سوق سوداء وارتفع سعر علبة السكارى أضعافا أضعاف ولتكرار انكساراتهم في ” الرمادي والفلوجة وتكريت ” وخسارتهم ” مصافي ببجي ” الذي كان موردهم الأساسي وتأتي الأخبار كل مدينة ومنطقة لا يتركوها إلا وهي مدمرة بالكامل ولكي لا تصل انكساراتهم وهزيمتهم للناس منعوا الهاتف النقال وخطوط الاتصال المختلفة خوفا من الاتصالات بالجيش أو الأقرباء واستمر خط الانكسار يعلو وكلما اشتد عليهم الوضع لجئوا عمل لتضييق الناس فمنعوا ستلاين الدش وجمعوها من البيوت بحجة الحلال والحرام ومن يعارض يعدم أو يسجن أو غرامة مالية وخلال هذه الفترة اعدم الكثير من الشباب والرجال بحجة الاتصال بالجيش رميا بالرصاص ومنهم حرقا ومنهم رميا من فوق سطح عمارة عالية ومنهم معلقين على أعمدة الكهرباء ،لا يدركوا كل جهاز ذات حدين ايجابي وسلبي حسب استخدامه فالنت وستلاين لهما ايجابيات كثيرة تخدم العاملين عليها في عصر التطور والسرعة وسلبيات كثيرة فكريا وخلقيا مثل السلاح الفتاك ، سابقا كانوا يصنعون السلاح ليدافعوا عن أرضهم أما الآن يخلقون  الحروب ليصنعوا السلاح وشتان ما بين الاثنين فمن يدافع عن الأرض ليس كمن يقتل أبناء الأرض لأي سبب كان فالهاتف النقال وستلاين وألنت وكل أنواع الاتصال السمعية والبصرية والإعلامية أسباب واهية ليبعدوا أنظار الناس للهزيمة والانكسار الذي تكبر مساحته وهم فتحوا لهم مكاتب خاصة للنت ” حلال عليهم وحرام على الناس ” واشتد الضيق والقيد على المواطن الموصلي وهو يسمع كل يوم أخبارا سارة عن تقدم القوات العراقية في كافة القواطع ،هؤلاء الجماعات بدل من الاهتمام بالمعارك والهزائم التي أصابتهم التفوا على محاسبة النساء وتزويج النساء عنوة لرجالهم ومحاسبة الشباب والرجال عن اللحية والإزار الذي هو قصر البنطرون أو الجلباب فوق الركبة والكعب وليثبتوا للناس إنهم موجودون رغم الخسائر والمدارس لم يذهب إليها سوى أولادهم لأن كل المناهج الدراسية تغيرت وبدلا من المناهج العلمية والفكرية والرياضية والأدبية والدينية وغيرها إلى مناهج تعكس أفكارهم وتوجهاتهم القتالية وكمثال بسيط عن حصة الرياضيات كانوا يعلمون الأطفال طلقة زائد طلقة تساوي طلقتان ، أبو جهاد وجد خمسة من المرتدين قتل ثلاثة كم يبقى اثنان ، وهكذا وعلى هذه الصورة الرياضية القتالية ، كما أعيد استدعاء من لهم براءة سابقا من الجيش والشرطة أن يجددوا براءتهم مقابل مبلغ من المال ،واستعملوا كل أساليب الاستيلاء على أموال الناس حتى أهل العربات الصغيرة في الشوارع يأخذون منهم مبلغ رغم قلة الأعمال ومنهم من ترك العربات لأنه لا يستطيع أن يتعب النهار كله ثم يجمعه ليعطيه بسهولة لهؤلاء الذين استغنوا عن ذاتهم بل صاروا آلة بلا تحكم وبلا إرادة ولا تستغرب أن يكون من ضمنهم أستاذا تربويا ودكتورا مثقف العقل ومهذب الأخلاق لكنه عند انضمامه لهم تحت سيادتهم يكون ساذج ، تابع الغريزة ومندفع للشدة والعنف والقسوة ويتأثر بسهولة بالألفاظ والصور ما لم يكن يتأثر سابقا خارج الجماعة وينقاد إلى الأفعال التي تخالف منافعه البديهية والثقافية ويناقض طباعه التي اشتهر بها وحاله كحال الرمال التي تثيرها الريح كلما هبت ويذكرني هذا الحال بكل واحد من رجال الثورة ( كونفانسيون ) الفرنساوية كان فردا متنورا ذا طابع سليم فلما انخرطوا وصاروا مع الجماعة لم يمنعوا تقرير أفظع وأشد الأعمال قسوة حيث خالفوا منافعهم فتنازلوا عن حق احترام الناس في ذاتهم فقد استقلاله الذاتي تغيرت أفكاره ومشاعره تغيرا كليا فيصير المسرف بخيلا والمتردد سريع الاعتقاد والانقياد والتقي شريرا والجبان شجاعا يستفزهم قوادها إلى التقاتل في نصرة الدين وتأييد المذهب ويحلمون بالمجد والخلود وحور العين في الجنان العليا بالاندفاع والغضب وعدم القدرة على التعقل وفقدان الإدراك والتشدد والتطرف وغير ذلك فتارة يهددون من يهرب من جماعتهم بالإعدام وتارة يهددون الكردي وتارة يهددون العربي المرتدين حسب فكرهم وتارة الدول الأوربية ، كانت الوشاية الرجل المخبر من اختيارهم في كل مناطق ” الموصل ” والاختيار يكون شخص من نفس المنطقة وهذا المخبر واجبه نقل الكلام والأحداث وما يجري في المنطقة إلى أميره المسؤول عليه ليستجدي رضاه وفي منطقة ” المحطة ” حيث كانوا يسكنون هناك بيت أولاد أختي ” عمر وأحلام ” وفي المنطقة شخص يدعى “حازم ” مخبر يعرفونه ومشهور بانتمائه لهم وكانوا يحذرون منه قصير القامة مسمر الملامح ، اتصل بن أختي عمر وقال بصوت مضطرب :

خالي أريدك بسرعة تعال

قلت له : ما الذي حدث ؟

قال : تعال وستعرف

شغلت سيارتي وذهبت وطول الطريق ادعوا الله أن يكون الأمر ليس معقدا فمن نبرات صوته شعرت بأن هناك حدث غير طبيعي وصلت للبيت وبعد السلام جلسنا في غرفة الاستقبال وتحدث ما جرى له ولعائلته  قائلا :

في الساعة الثانية ليلا بعض الرجال الملثمين وغير ملثمين دفعوا الباب بقسوة ودخلوا البيت فنهض الجميع زوجتي وأطفالي وأختي وأطفالها ” الساكنين في نفس المنزل  ” برعب وخوف والأطفال يبكون والنساء ، قال واحد منهم :

أنت عمر

قلت له : نعم

قال بقوة : أين أخوتك ؟

وذكر أسماؤهم

قلت له : في مدينة ” دهوك ” مع أمي لأنها مصابة بمرض مزمن

وقال بعصبية : انتم مرتدون ، سنصادر البيت والسيارات والأثاث.

وعلا صراخ زوجتي وأختي وبناتها

ثم قال بأمر : أعطني مفتاح السيارة

قلت له : ليس عندي المفتاح

فإذا يتقدم بسرعة وضربني بقدميه ويديه بسرعة وأذلني أمام عائلتي وأطفالي وأختي وبنات أختي والناس وبدأت دموعه تنهمر بلا توقف وبكيت أنا أيضا ولم يتمكنوا من اخذ السيارة بيضاء اللون ووضعوا رجال خارج البيت لكي لا يتدخلوا واستمر بالحديث قائلا:

غطوا رأسي بكيس اسود وأخذوني لسيارة والصراع والعويل والبكاء داخل البيت وخارجه ، وسمعت صوت السائق يقول لي بعد أن وجد نفسه وحيدا معي :

تعلم يا ” عمر ” الذي بلغ عنكم جيرانكم ” حازم ” وهو يجلس قرب الأبواب ويتصنت على أحاديث الناس احذروا منه .

وبعد توسل الجيران وبكاء الأطفال والنساء حيث الجميع يعرفون أخلاق بن أختي عمر ومساعدته للناس جعل الجميع يحبه ، نزلوه من السيارة وقالوا بلغة التهديد :

سنعود مرة أخرى

ودخلت البيت مرعبا وكأنه كابوس فمن يكون بين يديهم أما أن يقتل أو يذبح أو مصير مجهول .

اتفقنا صباحا أن نقدم شكوى لدائرة العدل الشرعية الخاصة بهم ومقرها في ” حي الضباط “مقابل مبنى الزراعة ، ذهبنا أنا وبن أختي وصلنا الدائرة مكتظة بالناس ، هذا اخذوا بيته عنوة لأنه يقع في موقع استراتيجي والآخر اخذوا سيارته الحديثة ليستخدموها للجهاد ” التفجير ..!! ” وغيرها من المشاكل الكثيرة التي يعاني منها المواطن الموصلي المغلوب على أمره خلال هاتين السنتين التي مرت ، نادانا الحارس ادخلوا للحاكم ، غرفة فيها ثلاث رجال ملابسهم نظيفة ويبدو عليهم الوقار فتحدث بن أختي عن حادثة أمس بالتفصيل فقال له الحاكم :

ما داموا من الأخوة ” الجماعة ” عليك أن تعطيهم السيارة .

فقلت له : ربما  يدعون إنهم منكم  وغايتهم سرقة أموال الناس .

وبسرعة قال : استغفر ربك ، لا احد يتجرأ أن يفعل هذا إلا إذا كان من الأخوة .

قلت : نحن نشتكي وسمعتنا ، ومتى تسمع الطرف الآخر .

فقال : ماداموا من الأخوة أعطوهم ما يريدون وانتهى .

فخرجنا بخفي حنين لا حق بل باطل ظاهر علني ومثل هذه الأحداث مستمرة في كل المناطق ، حيث ” مخبرهم السري ” كان سببا في قتل وذبح وحرق كثير من الناس رجالا وشبابا نساء وشابات بل حتى الأطفال وفي نفس المنطقة المحطة اشتهرت حادثة مرعبة ، شخص أجر ساحة كرة القدم المغلقة من الجماعة بمبلغ كبير صرف عليها ”  ثلاثون ألف دولار ” بعد أن باع ما عنده من أشياء ثمينة وباع ذهب زوجته واقترض من أصدقائه وجعلها ساحة جميلة نموذجية وأحاطها بأبواب وسياج جميل تعلوه أعمدة كهرباء حديثة لتنير الساحة أثناء الليل وغرف للإدارة واللاعبين ومولدات كهربائية حديثة وبعد هذا التعب وتوفير كل شيء فيها كان يؤجرها لبعض الفرق الرياضية الأهلية والشعبية بمبلغ زهيد للعب فيها وقضاء وقتهم ، الجماعات جاؤوا إليه واخذوا الساحة منه عمدا ولم تفيد التوسلات والواسطة رغم انه أجرها منهم ويعطيهم نسبة من الأرباح فقد خسر كل شيء ، وفي الصباح رأوه منتحرا متدلي من سقف غرفته وترك زوجة وأطفال وديون ، ما أصعب أن يسرق منك لقمة العيش هذه التقلبات الداعشية تخضع للمؤثرات الانهزامية والانكسار وهذا هو السبب في إنها تنتقل فجأة من الأعمال القاسية إلى أكبرها قسوة وظلمة فما أسهل أن تصير الجماعات جلادة وما أسهل سيل الدماء في عقيدة التخريب والتدمير والانكسار .

 

**************************

انتظروا الجزء السابع من رواية الإرهاب ودمار الحدباء*