مملكة ميرا (ماري) هويتها وتاريخها – بيار روباري

Kiralgeha Mîra (Marî) nasname û dîroka wê

دراسة تاريخية – الحلقة الثالثة

خامسآ، معتقدات سكان مدينة ميرا الأصليين:

Bîrûbawriyên danîşvanên bajarê Mîra yên nijad

تعتبر “ميرا”، مدينة المعابد والتعبد بسبب كثرة المعابد فيها، بحيث وصل عدد المعابد فيها إلى (6) معابد وجميعها تتوسط المدينة. ولم يحدث ذلك إعتباطآ، وإنما له علاقة بديانة سكان المدينة الأصليين الخوريين الذين كانوا يعتنقون الديانة اليزدانية الشمسانية، نسبة إلى إله الشمس (خور) والذي كان السومريين الكرد يسمونه (شمش) وكانوا يؤمنون بمركزية الشمس بالنسبة للكون. وكما ذكرنا سابقآ إن بناء مدينة “ميرا” بشكلها الدائري بحد ذاته يرمز إلى قرص الشمس أي إله الخوريين (خور- شمش). وحتى الملاك (تا- ويز)، الذي البعض يلفظه خطأ (طاووس)، هو أيضآ يرمز إلى نور الإلهة “خور”. والمعابد التي يضمها المدينة هي معبد: ” شمش، أشتار، نينهورساه، سيدة الجبال، نيني زازا، دوجان”.

مفردة “شمس”:

مصطلح شمس مصطلح سومري – كردي معرب، وهي مقتبسة عن المفردة (شمش). وهي تسمية مقدسة لدى الشعب الكردي منذ ألاف السنين، لأنها ترمز للإله “شمش” أي خور. أخذ اليهود التسمية عن اللغة السومرية الكردية، أثناء وجودهم في وطن الخوريين الذي كان محتلآ من قبل البابليين والأشوررين حينذاك، أثناء فترة سبيهم، والعرب أخذوا التسمية عن اليهود وعربوه وقاموا بتغير حرف (الشين) الثاني وبدولوه بحرف (السين)، وبذلك أصبحت شمس.

ولهذا تجدون الشمس الساطعة تتوسط العلم الكردي وليس هذا وحسب، فهي موجودة أيضآ على بوابات المعابد الكردية اليزدانية قاطبة وفي مقدمتهم معبد “لالش” بمنطقة شنگال في جنوب كردستان. ومن هنا أخذ الكرد أسماء أيام الإسبوع من هذه التسمية، وإليكم أسماء أيام الإسبوع باللغة الكردية، وبالترتيب من يوم السبت إلى يوم الجمعة:

 Şemş —–>  şemî – yekşem – duşem – sêşem – çarşem – pênşem – în.

من أسماء المعابد التي تتوسط قلب مدينة “ميرا”، وأشكال بنائها وتاريخ نشأتها، يتضح كوضح الشمس أن سكان المدينة الأصليين، كانوا يعتنقون الديانة اليزدانية وينتمون إلى الشعب الخوري. ولو نظرنا إلى المدن المحيطة “بميرا”، مثل مدينة: باخاز، خانه، رقه، درزور، وغيرها من المدن، نشاهد نفس المعابد

ونفس الطقوس الدينية، قد مورست من قبل سكان هذه المدن الخورية.

وتاريخيآ معلوم، أن الشعب الخوري وكل أبنائه (السومريين، الإيلاميين، الميتانيين، الهيتيين، الميديين) وأحفاده (الكرد) لم يعتنقوا يومآ دينآ أخر، سوى هذا الدين لألاف السنين، ولم يعبدوا الأصنام بخلاف كل شعوب الأرض. وبقيوا على دينهم اليزداني رغم كل ما تعرضوا له من غزوات وإحتلالات، وحتى النبي

الكردي “زاردشت” عندما جاء بدينه الجديد رفضه الشعب الكردي، ولهذا لم تلقى الزاردشتية إنتشارآ واسعآ بين أبناء الشعب الكردي، إلا في حدود ضيقة للغاية، وذلك بسبب تعلق الشعب الكردي بدينه اليزداني السمح والمسالم.

ويتمحور الديانة اليزدانية حول عبادة “إله الشمس” بشكل أساسي، ولهذا سميوا (بالخوريين) كونهم كانوا يعبدون الإله “خور”، وهذه التسمية كانت تطلق على الشمس باللغة الكوردية القديمة. وكلمة الشمس ذاتها هي الأخرى مأخوذة عن المصطلح السومري “شمش”، كما أوضحنا ذلك أنفآ. ولألاف السنيين كان الشعب الخوري هو الشعب الوحيد، الذي يقيم في هذه المنطقة، والتي كانت تضم البلدان الحالية التالية: (تركيا، سوريا، لبنان، العراق، الكويت، ايران، أذربيجان) وكلها كيانات مصطنعة. فكل الشعب الخوري حيث ما وجد، كان يعبد نفس الألهة ويمارس نفس الطقوس الدينية، وكلمة “دين” ذاتها مأخوذة عن المفردة السومرية – الكردية (دينا)، كي لا يزاود أحدٌ علينا نحن الكرد.

 

هذا الوضع تغير، عندما إحتل الرومان بلاد الخوريين وفرضوا مع المحتلين البيزنطيين الأوباش الديانة المسيحية على جزء من الشعب الكردي بالقوة، وعندما غزا الغزاة العرب كردستان، فرضوا لغتهم على الإمة الكردية برمتها، ودينهم الإجرامي الشرير بحد السيف. هنا جرى التحول العميق والكبير في حياة وتاريخ الشعب الكردي وديانته اليزدانية ولكن للأسوأ، ومنذ ذلك الحين تحول الكرد إلى عبيد عند اولئك الهمج والبرابرة وحتى يومنا هذا، وتغربوا عن ديانتهم اليزدانية، إلا القلة القليلة التي أبت أن تترك دينها اليزداني، ولهذا تعرضت لظلمٍ شديد وعلمليات ذبح وقتل لا مثيل لها، وأخرها عام 2014 على يد تنظيم داعش الإرهابي.

وسكان مدينة “ميرا” الأثرية، كانوا يملكون ذات الثقافة والدين ويتحدثون اللغة الخورية أم اللغة الكردية الحالية مثل بقية الخوريين، وكانوا يعبدون نفس الألهة، مثل سكان بقية مدن منطقة الجزيره، ولقد ذكرنا أسماء البعض منها أنفآ، وغيرها من المدن الخورية – السومرية – الميتانية.

ومن ضمن الألهة التي كان يعبدها سكان مدينة “ميرا” إله العاصفة (تيشوب)، الذي كان يعتبر ملك الآلهة هذا إضافة إلى إلهة الأم (هيبات)، التي كانت إلهة الشمس عند الهيتيين (الحثيين)، وكانت زوجة لإله العاصفة (تيشوب). وإلى جواهما، كان يوجد الإله (شاروما)، وهو إبن كل من إله العاصفة وإلهة الأم، الإله (كوماربي) وهو بدوره سلف إله العاصفة، وكانت مدينة “أوركيش” التي يطلق البعض عليها تسمية (گريه موزان)، المركز الرئيس لعبادة هذا الإله. وكان هناك إلهآ أخر، هو إلهة الخصوبة والحرب والشفاء ويسمة بي (شاوشكا)، التي كان مركزها في نينوى. وإلى جانب كل هذه الألهة، كان هناك إله الشمس (شيميگي)، وإله القمر (كوشوه).

ولليوم الكرد اليزدانيين، يقومون بنفس العبادات ويمارسون ذات الطقوس الدينية اليزدانية، وأي زائر للقرى والبلدات اليزدانية سيجد ذلك بإم عينه، وخاصة إذا زار منطقة “شنكال”. ولليوم هناك العشرات من القرى الكردية في منطقة الهسكه، التي يدين سكانها بالديانة الخورية، والإيزيدية فرقة منها وهناك فرق عديدة إنشقت عنها بسبب الإحتلالات لكردستان كالإحتلال الداعشي الأخير.

وفي تلك الحقبة الزمنية، كانت هناك معتقدات وليست أديان بالمعنى المعروف لنا حاليآ، ولم يكن هناك رسول أو ما أطلق عليهم لاحقآ تسمية الأنبياء. والألهة كانت كثيرة للغاية، بحيث كل شأن كان له إله خاصٌ به ومسؤولآ عنه، ومن هنا جاء تعدد الألهة، والكرد الخوريين كانوا متسامحين للغاية مع معتدات الأخرين، ولم يمنعوا الأخرين من ممارسة عباداتهم وطقوسهم الدينية الخاصة بهم. ولم تعرف البشرية قط الحروب الدينية، إلا بعد ظهور اليهودية كديانة شمولية، ولحقت بها المسيحية والإسلام والثلاثة أسوأ من بعضهما البعض.

حظيت الإلهة “أشتار” بأهمية كبيرة في الإطار المعتقدي في مدينة “ميرا”، لا بل في المشرق عامة، فنجد معابدها في كل من مدينة: ميرا، أوروك، كيش، إيبلا، … إلخ، و”أشتار” هي إلهة الخصوبة وتتصف بأنها بقيت بلا زوج. وكان للكهنة والمتنبئين دور هام في ميرا، ويدعى أحدهم “نبو” حيث يقدمون للملك رؤاهم حوال مجريات الأمور والأخطار المحدقة بالمدينة، وتشير إحدى وثائق “ميرا” خطها “نبو” ونقلتها “شيبتو” الملكة إلى زوجها الغائب في المعارك، حيث تطمئنه إلى أن الإله يحمي مدينة “ميرا” وأن أحداً لا يستطيع المساس بها.

الملاحظ أن النصوص المسمارية، أكدت أن الآلهة مؤنسنة، فهي من صنع الإنسان أي من إختياره، ولذلك فهي تأكل وتشرب وتسمع الموسيقى وترقص. وكانت الذهنية الاعتقادية تعتقد أن تقديم القرابين للآلهة يجعلها في مزاج حسن وبالتالي تتجنب غضبها، وهذه القرابين كانت تسمى “تهدئة كبد الآلهة”.

المدينتان الأولى والثانية كانتا ذات طابع خوري – سومري بالكامل. والمجتمع الميري كان يقوده نخبة مدينية حضرية، والمواطنون كانوا يعرفون من خلال تصفيفات شعورهم واللباس الذي يرتدونه. هذا وقد إعتمدت المدينة التقويم الشمشي، الذي كان مقسمآ إلى (12) أثني عشر شهرآ، ونفس هذا التقويم إستخدم من قبل مملكة “إيبلا”. واللغة المستخدمة كانت اللغة الخورية – السومرية، وشكل الفن في مدينة “ميرا” كان ذاته، الذي كان معروفآ في المدن السومرية وحتى النمط المعماري. وهذا دليل قاطع على خورية المدينة وهويتها القومية الواضحة.

الإله “شمش”، كان أهم من كل الآلهة في الديانة اليزدانية بل هو رئيس جميع الألهة أي (إله الألهة)، ووفق معتقدات اليزدانيين أنه يعرف كل شيء ويراى كل شيء. وشملت الآلهة السومرية نينهورساج ودوموزي وإنكي وآنو وإنليل. كان للعرافة دور مهم في المجتمع، حيث ضمت المعابد من العرافين الذين قدموا الاستشارة للملك وشاركوا في الأعياد الدينية. وضمت مدينة “ميرا” آلهة سومرية، وطوال تاريخها كان “داجون” رئيس البانثيون، بينما كان “مير” هو الإله الراعي. وحفلت مدينة “ميرا” بالرموز الإلهية ومعابدها، فمن معبد أشتار إلى معبد شمش، ونينهور ساج وعشتار تونيني زازا وأخرين.

قدمت نصوص ميرا ما يزيد على 125 اسماً إلهياً مقدساً مثل: شمش، سين، أدد، أشتار، إيا، ننهورساگ داجان، الخ.. أما الأضاحي المقدمة للآلهة فكانت دوماً من الخراف الذكور، وكانت تؤكل بعد ذبحها. وتشير الوثائق أيضاً إلى ظهور اسم إله هو “أتور مير” وتعني بوابة ميرا، وربما هذا يعطي دلالة إلى وجود إله قديم في ميرا أعطاها إسمه.

كما وعثر على زقورات ذات وظيفة إعتقادية ودنيوية في المدينة. كما أن مساكن الكهنة كانت تقام إلى جوار المعابد. وقد أبانت مكتشفات ميرا على نشوء ظاهرة جديدة تمثلت في إنشاء قصر ـ معبد، وهي ظاهرة مميزة بين مدن الخوريين – السومريين آنذاك. وربما هذا يدل على وجود نوع من التصالح بين السلطتين الاعتقادية والزمنية.

كما عثر في الموقع على مجموعة كبيرة من تماثيل العباد الورعين في معابد ميرا، الأمر الذي يرجح أنه كانت هناك ورشات عمل تنتج تماثيل بشرية متشابهة تبيعها للراغبين من الرجال والنساء. وعلى مدى عدة قرون (2700 ـ 2350) قبل الميلاد، أنتجت ورشات ميرا تماثيل رجال مثلوا وقوفاً، أو في بعض الأحايين جلوساً، حفاة يرتدون مئزراً معذقاً بأكمله أو طرفه فقط. يوشده إلى الخصر أحزمة ويستر النصف السفلي من الجسم، أما النصف العلوي فيبقى عار. ومثلت النساء واقفات وجالسات حفاة يرتدين ثوبا فضفاضآ يستر الجسم.

سادسآ، معنى تسمية مدينة ميرا وأصلها:

Wateya navê bajarê Mîra û koka wî

دون أي تفسير وشرح علمي يستند إلى “علم إصول الكلمات” المتبع عالميآ، أرجع سراق التاريخ من العرب المستعربة أصل تسمية “مير” إلى اللغة العربية، وظن هؤلاء اللصوص أن الناس تبحث لن تبحث في أصل الكلمة، ونسوا أو تناسوا أن هناك أناس على دراية بإصول المصطلحات وأكثر وعيآ ومعرفة منهم. وإعتقدوا أن كذبتهم ستنطلي على الناس، وخاصة أن الكرد غائبون عن كتابة التاريخ وتدوينه ولا يملكون الكوادر والإمكانيات للبحث في إصول المصطلحات والكلمات والأسماء. سأورد ما قالوه حرفيآ هانا، ومن ثم سنقدم وجهة نظرنا وباللغتين الكردية والعربية، ونفند أكاذيب هؤلاء المدلسين الذين قالوا ما يلي حرفيآ:

“يمكن رد اسم المدينة إلى مير إله العاصفة القديم في شمال بلاد ما بين النهرين وسوريا والذي كان يعتبر الإله الراعي للمدينة، كتب عالم الآثار والأشوريات جورج دوسين أن اسم المدينة هُجِّئَ بشكل مطابق لاسم إله العاصفة وخلص إلى أن ماري سميت باسمه”.

وعن لغة سكان مدينة “ميرا” قالوا ما يلي:

“أما لغة سكان ماري فيلاحظ وجود لهجات أو لغات عدة حيث أكدت الأبحاث أن سكان ماري كانوا يتكلمون السومرية والأكادية القديمة والحورية واللهجات العمورية، وكان ملوك ماري في تلك الفترة يحملون أسماء سومرية”.

قبل أن نناقش معنى التسمية وأصلها، ولغة السكان الأصليين لمدينة “ميرا”، لا بد من ملاحظتين هنا:

الملاحظة الأولى: هذا الكلام الهجين، ورد في كتب صدرت عن المدينة، ولأشخاص يسمون أنفسهم مؤرخين وباحثين في التاريخ، وتبنته الجهات الرسمية في (سوريا) وطبعته ونشرته.

الملاحظة الثانية: هو قيام هؤلاء المدلسين بخلط الأكاذيب مع إمور صحيحة، حتى يستطيعوا تسويق أكاذيبهم وخداع القراء، أي بمعنى دس السم في العسل.

بإمكان أي شخص العودة إلى قواموس (عربي- عربي)، فلن يجد إسمآ أو مصطلحآ عربيآ بتسمية (مير) نهائيآ. هذه أول كذبة كذبها العرب المستعربة، عندما إدعوا أن كلمة “مير” مفردة عربية، وهي ليست كذلك بالمطلق. الكذبة الثانية هي عندما غيروا إسم المدينة الأصلي وحرفوه إلى (ماري) وهو ليس كذلك، وعلى الكرد عدم إستخدام هذه التسمية المقيتة المعربة. وللمعلومات مصطلح “قاموس” مصطلح كردي رصين، أخذه العرب عن اللغة الكردية وينكرون ذلك!!!

هم يعلمون أن المدينة خورية، وسكانها خوريين ولغتهم خورية والخورية هي إم اللغة السومرية، واللغة الميتانية، الهيتية، الميدية، البهلوية والكردية الحالية، ولا يستطيعون نكران ذلك نهائيآ، فلجأوا إلى إسلوب أخر خسيس، وهو دس المعلومات الكاذبة ضمن المعلومات الصحيحة، بهدف صنع تاريخ مزيف لهم في المدينة عبر تسويق الأكاذيب. وخير مثال على ذلك هو قولهم: أن أهل المدينة كانوا يستخدمون عدة لهجات ولغات ومنها اللغة الأمورية (الأمورية ليست لغة وإنما لهجة عربية)، والأكدية. إنظروا كيف تجنبوا الحديث عن لغة سكان المدينة الأصليين وهم الخوريين، ولم يقولوا بأن الأموريين، الأكديين، الأشوريين محتلين لمدينة “ميرا”، وهناك فارق كبير جدآ بين هذا وذاك. عتدما تريد الحديث عن لغة سكان “جنوب أفريقيا”، لا تتحدث عن لغة المستعمرين الهولنديين والإنكليز، وإنما عن لغتهم الأصلية فلغة المحتل لا تدخل في إطار ذلك.

إن وجود بعض المحتلين المستوطنين في المدينة الثالثة، سواءً أكانوا من الأموريين أو الأكديين وغيرهم من المحتلين لا يعني أن المدينة أصبحت عربية. اليوم في مدينة كركوك والموصل الكرديتين، تجد ألاف المستوطنيين العرب والتركمان الأوغاد، فلا يعني ذلك أن المدينتين باتتا عربيتين أو تركمانيتين، ونفس الشيئ ينطبق على كل من مدينة الهسكه، قامشلوا، غريه سبي، سريه كانية، كوباني، رقه، درزور، تگريت، كوت، بگدا، دو-يالا، البصرة، هلج، دلبين، دمشق، وغيرها من المدن الخورية – الكردية.

مصطلح “مير” تسمية كردية معربة وأضافوا إليها حرف (أ) وباتت أمير، ومنها إشتق الكرد تسمية “ميرشينا” أي الإمارة. وهناك أغاني شعبية كردية قديمة جدآ يدور قصتها حول “مير”. وحرف (الألف) هي لاحقة تأتي بمعنى الجمع، التسمية ككل تعني مدينة “الأمراء”. والتسمية كردية أصيلة ولا علاقة لها بالفارسية، مثلما حاول بعض العربان إلصاقها بها. إن إستخدام الفرس لكلمة “مير” لا تعني أنها باتت فارسية، ولذلك هذا الإدعاء كاذب ومحاولة بائسة بالمرة.

إضافة إلى ذلك، في كل اللغات الهندو- أوروبية، ستجد أسماء نسائية ورجالية تتضمن إسم “مير”، وهذا لم يحدث إعتباطآ، وإنما نتيجة الأصل الواحد لكل هذه اللغات ومن ضمنهم اللغة الكردية. ومن هذه الأسماء: ميرندا، ميرنا، فلادمير، ميران، ميراس، ميرون، …. إلخ.

 

Navê “Mîr”navek kurdî resene û ti têkeliya xwe bi zimanê erebî re nîne û hûn kanin li ferhenga: Erebî – Erebî vegerin û bixwe binêrin û temaşekin. Kurdan ji vî

navî têgîna “mîrşîne” sazkirin û herwisa gelek stranên gelêrî kurdî yên kevn hene kû li ser mêr Mîr stranî û tên gotin. Herwisa ji bilî wê, di hemû zimanên Indo-Ewrupî de navê Mîr derbas dibe wek: Mîranda, Mîrna, Vladmîr, Mîran, Mîro, Mîrka, …. ûhd.

Û gotina kû navê “Mîr” farisî ye, ev derew pir mezin e û nedriust e. Ereb wisa dibêjin jiber kû naxwazin nvê “Kurd” bikar hûnin, jiber hin sedemên ramyarî (siyasî). Ereban ev nav ji zimanê kurdî birine û tîpa (E) lê zêdekirin û bû (Emîr) û ji wê jî peyva Îmra (mîrşîne) sazkirin.

Tîpa (A) ew paşgîn e û bi wateya piranî tê û tîpa (n) ketî û ta roja hîro Kurd pir caran wisa daxivin û peyvan dinivsînin.

Mîr: أمير

Mîran: أمراء

An: لاحقة

Mîr  +  an  ——>  Mîran  ——>  Mîra:  أمراء

إن السكان الأصليين لمدينة “ميرا” كانوا من الخوريين، وبالتالي لغتهم خورية، كون الخوريين أسلاف الكرد، هم من بنوا المدينة الأولى والسومريين بنوا الثانية، واللغة السومرية هي بنت اللغة الخورية مثلها مثل اللغة الكردية الحالية والكردية البهلوية لغة الدولة الساسانية الكردية. والسومريين هم كرد خوريين إتجهوا من غرب وشمال كردستان إلى جنوب الرافدين. توافدت لغات أخرى إلى المدينة في عهد المدينة الثالثة والأخيرة، ولكنها لم تصبح لغة أهل المدينة نهائيآ. التعريب حدث مع قدوم الغزاة العرب المسلمين المتوحشين، مثل الذين سبقوهم كالأموريين، الأكديين، البابليين والأشوريين الدمويين والقتلة، ولليوم يمارسون نفس الإجرام بين قتل وسبيٍ ونهب وسلب وتدمير، أي لم يتغيروا قيد إنمولة واحدة بعد مضي ألاف السنين، ورأيناهم ماذا فعل هؤلاء الأشرار في شكال وكوباني وأفرين.

سابعآ، الوجود الكردي في مدينة ميرا ومحيطها:

Hebûna kurdî li bajarê Mîra û derdora wî

الوجود الخوري – الكردي في منطقة الجزيره الفراتية، يسبق نشأة مدينة “ميرا” بعشرات ألاف السنيين، فإن نشوء القرى والمدن جاء متأخرآ للغاية، فتاريخ الوجود البشري في هذه الأرض يعود لمئات ألاف السنين إن لم نقل ملايين السنين.

هناك العشرات من المدن التاريخية في الجزيرة الفراتية، تتقدم على مدينة “ميرا” الأثرية بألاف الأعوام من حيث القدم ومنها: مدينة هموكاران، گوزانه، أوركيش، وباخاز، خانه، رقه، درزور وغيرها من المدن الخورية. وجميع هذه المدن والحواضر نتاج حضارة الشعب الخوري الثرية والمتطورة، والوجود الخوري – الكردي شمل كل المنطقة التي تضم الكيانات التالية: (العراق، سوريا، الكويت، لبنان، تركيا، ايران) وجميعها دول مصطنعة ولقيطة.

ولا ننسى أن منطقة الجزيره وجبال زاگروس وطوروس، هي الموطن الأصلي للشعب الكردي وأسلافه ومدينة “گوزانة”، كانت هي المنبت التي إنطلقت منه الإمة الكردية وإنتشرت في أرجاء هذه المنطق التي تسمى حاليآ (الشرق الأوسط)، ومن هنا ذاك الكم الهائل من المدن الأثرية والتاريخية الخورية- السومرية الميتانية – الهيتية – الميدية في هذه المنطقة، وخير دليل على ذلك وجود عاصمة الدولة الخورية في هذه المنطقة ألا وهي مدينة “أوركيش” التي تسمى حليآ (گريه موزان)، وبالقريب منها توجد عاصمة الدولة الميتانية “واشوكاني”. والأهم منهما تاريخيآ هو مدينة “هموكاران” الخورية الواقعة إلي الشمال من جبل “شنگال” الواقعة داخل حدود غرب كردستان الحالية، والتي تعتبر أول مدينة أنشأت في تاريخ الحضارة البشرية.

مدينة “ميرا” والمناطق المحيطة بها مثل مدينة: “باخاز، ترگا، درزور، رقه” الأثرية تعرضوا لعمليات غزو وإحتلالات عديدة عبر التاريخ، وأكثرية تلك الغزوات والهجمات والإحتلالات كانت تأتيها من جهة الجنوب والشرق، وثلاثة إحتلالات فقط أتتها من الغرب (الرومان، البيزنطيين، شعوب البحر). وعمومآ المناطق الجنوبية من بلاد الخوريين تعرضت للتغير الديمغرافي أكثر من غيرها لثلاثة أسباب رئيسية هي:

1- تعرضها للغزوات المتكررة، بهدف نهبها وسلبها، وهذه الغارات وعلميات الغزو تسببت وعلى المدى الطويل في عدم الإستقرار هذه المدن وهجرة قسم من سكانها الكرد نحو الشمال المرتفع، أي المناطق الداخلية لحماية أنفسهم، لأن المناطق الجنوبية من وطن الخوريين (كردستان) سهلية ويصعب الدفاع عنها.

2- الإحتلالات العربية بكل مسمياتها الأمورية، الأشورية، البابلية، العربية الإسلامية، كانت في منتهى الوحشية، وكانوا مجرد همج وبرابرة وإحتلالهم كان إحتلالآ إستيطانيآ سرطانيآ، وهذا شكل ضغطآ كبيرآ

على السكان الخوريين الكرد، مما إضطر الكثيرين منهم الرحيل عن مناطقهم لرفضهم العيش تحت سيطرة هؤلاء الوحش البشرية. والقسم الأخر من سكان المدن الجنوبية الذين بقوا في ديارهم، مع الزمن

تم تعريبهم، وهذا جرى على مدى ألاف السنين وليس في يومٍ واحد.

3- التغيرات المناخية وتحول تلك المناطق إلى أراضي قاحلة بسبب قلة الأمطار، وتسبب ذلك في إختفاء الغطاء النباتي، الذي كان يعتاش عليه ماشية سكان المنطقة من الخوريين والميتانيين الكرد، وهذا ما دفع بهم التوجه نحو الشمال، وحل محلهم مع الزمن قطعان البدو العرب. وهكذا تعربت تلك المناطق سواءً في غرب كرستان أو جنوبها (سوريا، العراق) الحاليتين.

وإذا نظرنا إلى عموم منطقة الجزيره بمدنها الأثرية العريقة والتاريخية مثل: مدينة درزور، الهسكه، الرقه، أوركيش، واشكاني، گربراك، هموكاران، ميرا، ترقا، باخاز، وعشرات المدن الأثرية الأخرى التي يعود تاريخها إلى ألاف السنين قبل الميلاد، ستجدها خورية – سومرية – سوبارتية – ميتانية – هيتية – ميدية – كردية خالصة، ونفس الشيئ ينطبق على منطقة ساحل البحر الأبيض المتوسط وشواطئ خليج “إيلام” الكردي وشمال غرب كردستان (الأناضول)، أما بخصوص اولئك المستوطنين من العرب أو الأشوريين في المنطقة، ليسوا سوى محتلين وغزاة، ومجرمين بحق الشعب الكردي ولصوص، سرقوا كل شيئ والأن يريدون سرقة تاريخنا أيضآ، بعدما سرقوا أرضنا. إن وجود هؤلاء المستوطنيين في هذه الأرض غير شرعي، ولا يملكون أي شبر فيها على الإطلاق، والربع الخالي في إنتظارهم.

الوجود الكردي في محيط المدينة وريفها، للأسف الشديد ضعيف للغاية، وذلك يعود لسببين رئيسيين هما:

الأول: فرض الدين الإسلامي مع اللغة العربية على أبناء الشعب الكردي، الكثرين من الكرد تعربوا مع الوقت بفضل هذه السياسة الإجرامية الإحتلالية.

الثاني: هو تعرض المنطقة إلى عمليات تهجير قسرية، وبفعل الحروب ودمار المدن الثلاثة التي بنيت فوق بعضها البعض.

++++++

الاموريين:

هم مجموعة سامية اللغة تشير أقدم المصادر المسمارية إلى أنهم بدؤوا منذ نهاية الألفية الثالثة أي حوالي (2200) قبل الميلاد. بالانتشار في البادية جنوب بلاد الخوريين على شكل موجات متتالية، منطلقين من شمال الجزيرة العربية بحثآ عن الماء والكلآ لمواشيم. وهم عبارة عن قبائل بدو همجية بعيدة كل البعد عن الحضارة ومفهوم المدنية والزراعة والإستقرار، ولا يعرف لليوم إلى أي قبيلة كانوا ينتمون. وتسمية الأموريين هي تسمية سومرية وتعني الغربيين، كونهم سكنوا غرب مناطق سومر. وجاء ذكرهم الكتابات السومرية والأكدية والتوراة، وجاء على ذكر أوصافهم كالتالي:

الرجل الأموري يعيش في خيمة معرضة للرياح والمطر، يقضي يومه بين البحث عنةالكمأة في سفوح الجبال للأكل والنوم. يكره الزراعة ولهذا لم يكم ممكنآ تجده جاثيآ على ركبه. طعامه ني بما فيه اللحوم.

لم يملك الرجل الأموري بيتآ طوال حياته ولا قبرآ عند موته، بمعنى كانت الوحش البرية تأكل جثثهم، أي لا حرمة للميت عندهم. لم يكونوا يعرفون القرى والمدن ولا الحبوب كالقمح والشعير وغيرهم من المزروعات. وكل تصرفاتهم كانت غرائزية كاليوانات ويمكن تشبيهها بغرائز الذئب.

وبعد كل هذا يأتيك أحفاد هؤلاء الوحوش البشرية، ويدعون أنه كان للأموريين حضارة وبنوا مدنآ مثل مدينة “ميرا”!!!!! إذا كان كان لليوم العرب لا يستطيعون بناء جسر، فكل قصورهم والأبنية التي يعيشون فيها في جزيرة محمد، بناها الغربيين، الصينين، اليابانيين، …. إلخ.

ثامنآ، علاقات مدينة ميرا ببقية الممالك:

Têkeliyên bajarê Mîra li gel kiralgehên din

أي مدينة أو مملكة أو دولة بالمفهوم الحديث، لا تستطيع العيش معزولة عن العالم كليآ، فما بالك بالمدن الصغيرة قبل ألالاف السنين، وخاصة إذا كانت هذه المدينة أو المملكة تقع وسط مجموعة من المدن تحيط بها من كل جانب.

فالتواصل سمة من سمات الحياة وضروراتها، ولولا هذا التواصل الإنساني والثقافي والتجارية، بين المجتماعات والدول المختلفة، لم تتطورت البشرية وقفذت هذه الخطوات الكبيرة وفي كل مجال. ولا يمكن لأي بلد مهما عظم شأنه أن يستغني عن الأخرين، وهذا ينطبق أيضآ على مدينة “ميرا”، وإذا عدنا لتاريخها، لرأينا مدى عمق العلاقات التجارية والتواصل بينها وبين المدن الأخرى في المنطقة، وخاصة المدن الفراتية منها على وجه الخوص، كونها جميعآ يشتركن في مياه نهر الفرات العذب شمالآ أو جنوبآ.

وأظهرت النصوص المحفورة على الألواح الطينية أسماء حكام مملكة “ميرا”، وقدمت تفاصيل كثيرة عن تاريخ المدينة وسكانها، وفتحت نافذة مكنت العلماء والباحثين من الاطلاع على سياسة الشرق الأدنى القديم والدبلوماسية المتبعة في تلك الحقبة، وذلك من خلال الإحتفاظ بخطابات ملكية متبادلة بين ملوك “ميرا” وحكام الممالك المجاورة لها.

وبعض التواصل والإختلاطات كانت نتيجة الغزوات والإحتلالات والإستيطان المباشر من قبل المحتلين الذين إحتلوا المدينة في فترات متعددة. والذي ميز المحتلين الأموريين عن المحتلين هو الإستيطان بشكل أساسي عن الرومانيين، التتر، العثمانيين.

وقد عاشت مدينة “ميرا”، كلا النوعين من التواصل، التواصل القصري والطبيعي، ولم يكن ذلك جديدآ على أهل المنطقة ومدنها، كان ذلك النمطين سائدين وخاصة من قبل الشعوب السامية والرومان وعموم شعوب البحر إضافة للمصريين القدماء. وكونها مملكة مزدهرة وواقعة على نهر الفرات، وكانت محطة على الخط التجاري النهري الأهم، فطمع الكثير من القوى الكبرى فيها، ولهذا تعرضت لغزوات كثيرة على أيدي قوى إستعمارية كانت أقوى منها مثل: الأموريين، الأكديين، البابليين، الأشوريين، ولهذا عانت المدينة من إضطرابات داخلية عديدة بسبب تلك الغزوات والهجمات المتكررة، وخلال مرحلة المدينة

الثالثة، جرى أكبر تغير ديمغرافي فيها، ووفدت إليها لغات أجنبية وعادات وثقافات غريبة عنها كليآ.

بالطبع ليس كل تواصل مفيد، وخاصة إذا كان من النوع الغير طبيعي، وبفعل الحروب: الهجرة القسرية، التوطين الإجباري، فرض لغة ودين أخر،… إلخ. أو العوامل الطبيعية مثل: كالجفاف، الزلازل، الأوبئة، البراكين، … إلخ. ومثلما تأثرت مدينة “ميرا” بالمدن الأخرى وثقافتها نتيجة التواصل معها والإحتكاك، فأثرت بهم أيضآ دون شك في ذلك.

إلى جانب العلاقات التجارية والإنسانية، أشارت المدونات التاريخية إلى الصلات السياسية الوثيقة بين  الملك “همورابي” القائد البابلي، الذي عقد حلفاً مع “زمري- لم” ملك مملكة “ميرا” ضد الحلف الذي تشكل من جانب إيلام وأشنونا، ولكن العلاقة بين الطرفين تطورت لاسيما بعد أن قويت شوكت الملك “زمري-لم” وتوسعت مملكته وباتت تسيطر على وادي الفرات من مصب نهر البليخ جنوباً إلى حدود مدينة “توتول” أي (هيت) الحالية. بذلك سيطرت على أهم طرق التجارة النهرية التي تربط بلاد “بابل” بالمناطق الخورية الشمالية – الغربية.

لقد تطورت الصلات السياسية بين (بابل وميرا)، حيث ذكرت النصوص التاريخية كان هناك ممثلين لكل منهما لدى الطرف الأخر، بلغة اليوم أي “السفراء”، وكانت مهمتهم نقل الأخبار إلى ملوكهم عن كل ما يجري من تطورات سياسية وعسكرية في البلد المضيف، وبهذا الصدد كان ممثل ملك “ميرا” السيد  (أيبال- إيل) فخورآ بعلاقته الوثيقة بملك بابل “همورابي” حيث قال: “إذا شغل همورابي آمرآ ما، فإنه يكتب لي، فأذهب إليه أينما كان موجودآ، ومهما يكن الأمر الذي يدور في باله فانه يخبرني به”.

 

وبالمثل كان للمك “همورابي” ممثلين في مملكة ميرا، وهم “بوفاقوم، ياخدي- لم” وكانا يخبران ملكهم بكل ما يجري من أحداث سياسية وإقتصادية وعسكرية في مملكة “ميرا” ومنطقة أعالي الرافدين أي منطقة الجزيره الفراتية الخورية، وقد تمتع هذان الممثلان بمنزلة رفيعة في البلاط الملكي لخطورة المهمة التي أطلعا بها، ألا وهي جمع المعلومات عن حالة الجيش والتحركات العسكرية لجيش “ميرا”  وجيوش (إيلام وأشنونا)، اللتين كانتا تحاصران مدينة “رزاما” في أعالي بلاد الرافدين حينذاك، وخاصة أن هاتين الأخيرتين كانتا لديهما النية في إحتلال مملكة “ميرا” والسيطرة عليها وإلحاقها بمملكة إيلام.

وأخبر “همورابي” الوزير “زمري- لم”، عبر ممثله (يخدن – لم) لدى مملكة “ميرا”، وحذره من نوايا مملكة (إيلام) تجاه مملكتهم، وطلب منه الحذر والإستعداد لمثل هكذا إحتمال.

لقد إتسمت العلاقة بين (ميرا وبابل) فترة من الزمن بالمودة وتبادل الهدايا الشخصية فقد أهدى “زمري-ليم” “لهمورابي” قطعة قماش كان قد إستلمها هدية من ملك “كريت”، فضلاً عن التحالف العسكري ضد أعدائهما المشتركين، والمشاركة في التدخل لفض النزعات التي تحدث بين الممالك في المنطقة، وهذا ما وضحه العدد الكبير من الرسائل التي تم تبادلها بين المدينتين الفراتيين (ميرا وبابل)، التي إكتشفت في موقع “ميرا” إثر عمليات التنقيبات، وبالتأكيد هناك رسائل مرسلة من “زمري-لم” إلى “همورابي” لكنها لا تزال تحت أنقاض مدينة “بابل”.

على الرغم من العلاقة الوثيقة بين مملكة “ميرا” والدولة البابلية بقيادة “همورابي” مع الوقت أخذت تظهرت بعض الخلافات بين الطرفين، لعل أبرزها الخلاف حول نصوص معاهدة تحدد العلاقة بينهما، حيث كان من المزمع توقيعها بين الطرفين، لكن حدث خلاف حول أحد بنود الإتفاقية المتعلقة بمدينة “توتول” (هيت) الحالية، حيث أصر الملك “همورابي” على إستشارت كهنة الإلهه “سين” من جهته حول توقيع المعاهدة. هذا الموقف من قبل “حمورابي” جعل مندوبي “زمري- لم” في (بابل) يشكان في نيته أنه غير صادق في توقيع المعاهدة، وإعتبروا طلبه هذا نوع من التهرب من توقيع تلك الاتفاقية، وإعتقدوا أنه لديه أطماع في مدينة “هيت” والسيطرة عليها بهدف ضمها إلى دولته. وكما هو معلوم كانت المدينة تحت نفوذ حليفه “زمري-لم” بدليل أن الأخير أتخذ لقب “ملك ميرا وتوتول”، وهذا ما إعتبره ملك بابل، تهديدآ واضحآ لسلامة الطريق التجاري الرئيسي الذي يربط (بابل) وسواحل البحر المتوسط.

 

ومن هنا بدأت العلاقات بين الطرفين تتوتر وتسوء تدريجيآ وتتوسع الهوة بينهما، وخاصة عندما وقف “همورابي” إلى جانب مملكتي (أشنونا وآشور) أبان فرض الحصار الثاني على مدينة “رزاما”، والذي إنتهى لصالح للملك “زمري-لم”، الامر الذي دفعه فيما بعد إلى التحالف مع أعداء “همورابي” وخاصةً مملكة “مالكيؤم” في الشرق وآشور في الشمال وذلك لسببين:

السبب الأول: نوع من الإنتقام لوقوف الملك همورابي إلى جانب (أشنونا وآشور) في حصارهما لمدينة (رزاما).

السبب الثاني: كإجراء إستباقي فيما إذا حاول “همورابي” ضم “ميرا” إلى نفوذه أسوةً بالممالك الأخرى، التي ضمها من قبل إلى دولته.

الأسباب التي دفعت “همورابي” ملك بابل إلى غزو مدينة “ميرا” هي:

1- تحالف الملك “زمري-لم” ملك ميرا مع مملكة “يمخاد” حلب الحالية، وهذا أغضب “حمورابي” جدآ. 2- ثراء مدينة “ميرا” وموقعها الإستراتيجي.

3- تدمير نظام الري المتطور في “ميرا”، الذي كان يؤثر على كمية المياه الاتية إلى بلاد “بابل” أثناء شحة المياه في فصل الصيف.

4- إزدياد نفوذ مدينة “ميرا” في ذاك الوقت والتي تمثل إحدى أهم مدن الفرات الاوسط، لما كانت تتمتع به من موقع سوقي يحقق هدف “حمورابي”، ألا وهو بناء دولة واسعة وقوية وثرية ومزدهرة.

 

ومع إخضاع همورابي مدينة “ميرا” لسلطته في عام (1759) قبل الميلاد، إلا أن “زمري-لم” بقي حاكماً عليها تابعاً للسلطة البابلية لمدة سنتين، وإستطاع خلالهما من الحصول على مساعدة من المناطق الغربية ليقوي من نفوذه ويعلن تمرده على “همورابي” في السنة الخامسة والثلاثين من حكم حمورابي (1757)

قبل الميلاد، مما دفع “بهمورابي” القيام بحملة عسكرية على ميرا، دحر فيها جيش “زمري-لم” وسقطت المدينة في أيدي البابليين، فدمروا أسوارها وأحرقوا قصرها الفخم، ويعتقد المؤرخين قتل حاكمها الملك “زمري- لم” في تلك المعركة، كون لم يسمع عنه أية أخبار، ولم يشاهد أي مقاومة ضد همورابي من قبل سكان المدينة فيما بعد.

نهاية الحلقة الثالثة من هذه الدراسة وإلى اللقاء في الحلقة القادمة.

ونحن بإنتظار أرائكم وملاحاظتكم ومنكم نستفيد.