المناضل د . نورالدين ظاظا الأنموذج •-   بعض مما اخفي قصدا من تاريخه-  وليد حاج عبدالقادر

/ دبي

بمناسبة يوم الخامس من آب يتخاطر الى ذهني كثير من الأمور بعضها شجون وذكريات وآليات النضال لفترة يمكننا تسميتها أو حتى اعتبارها كجزء من الأدلجة التي سادت إبان ما عرف أو يتعارف عليه ب ـ الحرب الباردة ـ والتي ـ أقله شخصيا ـ بقناعتي يستلزمها كثير من الدرس والتمحيص ومن ثم الإستنتاج وطبيعي أن يقترن كل هذا مع سيل من الأسئلة تكبر وتصغر بمدى قناعتنا بأمر جدّ هام وهو : في العودة الى إعادة النظر بكل ما جرى منذ اعتقال غالبية قيادات الديمقراطي الكوردستاني وكوادره في سورية زمن الوحدة مع مصر وحالة المراجعة النقدية سواء لمن كانوا وتأطروا داخل المعتقل أو الذين بقوا خارجها مختفين أو ملاحقين ؟ و.. حتما لن تكون تلك الرؤى ببعيدة عن الخواطر والذكريات ما لم تتمنهج على أرضية صلبة وممارسة النقد الذاتي منها قبل النقد العام وان طال كثيرا وغالبية الشهود إما ارتحلوا او كبر فيه سنين العمر … وببساطة واختصار ـ أرى ـ وبغض النظر على ما أفرزته هذه الحالة من ـ  يمين ـ تشتت و ـ يسار ـ ما تجاوز التنظير وتبعثر أكثر إلا أنها فتحت بعض من الكوّات والمنافذ النظرية ليس إلا ، وهذه سوف لن تحجب الحقيقة المرّة أيضا : بأنّها كانت باكورة أو المقص الذي مهدّ وطوفان انشقاقات الحركة الكردية في سورية … والجمل هذه قد تكون دعوة الى نقاش تلك المرحلة أو لربما … مأسس لوحدات أو تجمعات تستطيع أقله إعادة اللحمة البينية ربما بين احفاد اولئكم الفرسان رغم الكم الهائل من موروث الخلاف الذي اوجدوه ! .

وفي هذا السياق لابد لي ان اركز على حالة ساسميها ، لابل واستذكرها كنوع من الركيزة وكعربون حيوي نضالي لترسيخ وتكريس حالة وحدوية وفعل نضالي يمارس على ارض الواقع تحطم حاجز الخوف من النظام وكخطوات اولية لخوض نضالات عملية مترافقة بانشطة سلمية مبتكرة ، وهنا لابد ان تدفعنا هذه المتواليات إلى الإقتناع – وفعلا هو كذلك – بان هناك صفحات كثيرة قد اخفيت او شوهت من تاريخ الحركة السياسية الكردية في سوريا ، خاصة في ايام التاسيس الاولى ومرحلة الإعتقال الأول الذي شمل غالبية القيادة والكوادر المتقدمة في الحزب ، ومن ثم تغييب او غياب بقية القيادة والكوادر المتقدمة طوعا او بامر حزبي وباتوا بحكم الملاحقين ، وللأسف الشديد فأن بعبع او خنجر الشرخ البنيوي في جسد الحركة ايضا كان قد بدأت منذ تلك الفترة ، وحقيقة الخلاف بين المناضلين الراحلين د . نورالدين ظاظا وعثمان صبري كانت قد ظهرت منذ أيامات الإعتقال الأولى ، وبالرغم من جولات التعذيب اليومية ، إلا أنه ومع انتهاء تلك الجولات ، كانت تبدا الجدالات الحادة بين الرجلين ( د . ظاظا وعثمان صبري ) ، وهذا الأمر كانت معلوماتها تصل الى القيادة خارج السجن ، لابل ان بعضهم سعرها وساهم في تصعيدها وانقسم المعتقلون الى جناحين واضحين والغالبية التمت حول د. نورالدين ظاظا ، وهنا علينا ان نذكر بأن بداية بلورة مايسمى او يمكن وصفه بالتوجه اليساري /الماركسي ومفهوم ربط النضال القومي بالطبقي فيما بعد ، ومدى علاقة المناضل عثمان صبري بذلك ، بالرغم من حدية المناضل عثمان في هذا الإتجاه ، إلا انها لم تكن قد تبلورت بعد ، رغم بدء الراحل عثمان بالتبشير بها وممارسة ما يمكن تحاوزا تسميته بمساعيه نحو العزل – القطيعة الطبقية بين صفوف المعتقلين ، وعلى الرغم من ذلك ومع شدة الأحكام التي طالت المعتقلين ، كما وحكم النفي بحقهما الإثنين ، فانه سيسجل لهما مواقفهما الثابتة حتى ما بعد فترة الإعتقال والنفي الداخلي الجبري والذي تمثل ب : اعتكاف د. ظاظا واستمرار عثمان صبري لابل تزعمه لكونفرانس الخامس من آب عام ١٩٦٥ وبالتالي تشظي البارتي الى : اتجاه الراحل حميد حاج درويش واليسار بزعامة عثمان صبري وكتلة المعارضة بقيادة الراحل كنعان عكيد .. وفي عودة الى جوهر الخلاف الذي تحول فعلا الى صراع والذي ابتدأت شرارته من موضوعة المذكرة الأولى التي قدمها د. نورالدين ظاظا للمحكمة الغسكرية والتي على اساسها طالبت النيابة العسكرية حكم الإعدام للمعتقلين ، وانبرى مجموعة من المحامين العرب حينها – منهم مصريين لان سوريا كانت في نطاق الجمهورية العربية المتحدة – واللغط دار تحديدا او أثير بنية الإساءة لشخص د. ظاظا كقامة أكاديمية – لازال كثيرون يؤمنون بنظرية السعي المركب لإبعاده ، و يؤكد غالبية المعتقلين حينها وكشهادات سمعتها شخصيا مئات المرات من والدي الراحل عبدالقادر كري وكان اصغر المعتقلين سنا ، وأيضا سمعتها كشهادة من المناضلين حاج احمد ملا ابراهيم والراحل نواف نايف باشا واكدها مرارا المناضل الراحل كنعان عكيد أيضا حول تسريبهم مذكرتين للقيادة في الخارج ألا ان القيادة – بعضهم – وفي خطوة لتشويه مواقف كما استهداف جماهيرية د. ظاظا وهو في المعتقل شكلت لديه ردة فعل قوية .. وبتصوري ومن دون انحياز مطلقا لما كان يؤكده الوالد وصدق اقواله العديد من رفاقه حيث ان الوالد كان قد عين من قبل رفاقه مسؤولا للإرشيف وزيادة على ذلك كان الوالد يذكر دائما اسم الشرطي الشركسي المتعاطف معهم حيث كان ينقل الرسائل من الداخل الى الخارج و بالعكس ، وقد سبق لي شخصيا وفي اواسط الثمانينيات أن سألت الراحل الأستاذ محمد ملا احمدي توژ بعد نشره الجزء الأول من تاريخ الحركة الكردية في سوريا عن المذكرتين وسرهما أكد بأنه سمع أيضا بوجود مذكرة ثانية من د. ظاظا ولكنه لم يقرأها .. وهناك كثيرون ممن عاصروا مناضلي تلك المرحلة وفي خاصية المذكرتين ، ومن جديد اذكر ما ردده مرارا الوالد الراحل ( حاج عبدالقادر كري ) وكلامه مسجل صوتيا ، بانه سلم الشرطي الشركسي مذكرتين لقيادة الخارج ، واحدة تتوافق مع خطة دفاع المحامين المصريين والذي دفع بالمعتقلين الى تجاوز شعار تحرير وتوحيد كردستان ، والإكتفاء بالشعارات التي اخذت بها غالبية الحركة السياسية الكردية في سورية ،  وفي الواقع وللحقيقة ، ستبقى هناك أسئلة كثيرة وحقائق أكثر كما صفحات ناصعة ان من تاريخ الحركة او لشخصيات تم استهدافهم وممارسة اسلوب الحط من ثوابتهم ، وهنا وعلى الرغم من ان غالبية رعيل تلك المرحلة قظ ارتحلوا ، إلا ان الإنصاف وكحق تاريخي يفرض علينا جميعا ممن عايش تلك الفترة أن يتجرأ ويتجاوز الرهاب فيكتب ما سمعه او عاشه .. وهنا لابد من التوكيد مجددا على انه وبالرغم من كل الابواق باصواتها النشاز فان د. نورالدين ظاظا وعثمان صبري سيبقيان أنموذجان وصرحان نضاليان – رغم اختلافهما – في تاريخ النضال القومي الكردي في سوريا .

وفي ربط واستمرارية لذات السيرورة ، ومما دفعني لربط هذه الجمل بمتن ماورد اعلاه ، حينما أخبرني بعض من إخوتي والأصدقاء الأعزّة خاصة من ديريك الموئل والأمل كما ارض المحبة قبل حوالي ثمانية سنوات بان حزب البارتي مشكورا كرّمت الرعيل الأول والقديم لمناضليها الأحياء منهم والأموات وحقيقة هي خطوة مهمّة جدا كانت ، ولكنها كانت – وكامنية – ستكون افضل للمستقبل لو انهم قاموا بتلخيص ذكراهم كما وأرشفته كذخر للأجيال القادمة ، وبالنسبة لي فأنا أعتبر بأنّ والدي قد كرّم ويكرّم كلّ يوم لابل ، وان اعظم تكريم له تم لحظة الحادث  الذي تعرّض له فأثّرت على يده اليمنى ، وإلى الآن لا أدري أبعد انصرافه من عندي كان أو قدومه لزيارتي اثناء اعتقالي في سجن عدرا المركزي . موقفان سأسجلهما له وللتاريخ ويعرفها أصدقائي ورفاقي ومعظم من يعرف عائلتي : بعيد اعتقالي وإمكانية إطلاق سراحي مقابل هدية دسمة وطلب المسؤول الكبير حينذاك من أهلي أن يزورني والدي ليقنعني بالتوقيع على أمر ما لأنني ـ بعرف ذلك المسؤول حمار ومعنّد ـ ومقولة والدي لأخوتي والله لومات هناك لن أذهب إليه وأدعه يخرج لوحده هو ليس بأحسن من رفاقه وأولاده ، نحن نستطيع التكفّل بهم أحسن منه ، والموقف الثاني حدث اثناء زيارته الأولى لي والحصار كان على أشدّه علينا في المعتقل ، والثلج كان يهطل بغزارة ، نودي عليّ من طاقة زنزانتنا الجماعية نحن معتقلي الحركة الكردية ، وذهبت الى الطاقة وانا بالملابس الداخلية قيل لي ( يلا والدك تحت ) .. أخذوني الى البوابة ورأيت والدي خارجا تحت الثلج المتساقط كان بغزارة والهواء البارد يعصف عصفا .. دمّعت عيناي وغلبني نشيج البكاء ، ورغم تهديد نقيب الأمن السياسي لي بضرورة التكلّم باللغة العربية ! إلا أن والدي قال : كن رجلا ؟ أنت تمثّل شعبا لا أسرة ؟ قبلت يده ، وناولني بعض من المسموحات ادخاله ، وعاتبته لقلة الدخان ، فكروز واحد من البولمول لا يكفينا ، اخرج علبتي سكائر خاصته من جيب معطفه ، وكانت دقائق لينصرف فصحت به : بابا الأولاد ؟ وتحشرج صوتي من جديد قال بصرامة : وليد أنت تخطئ للمرّة الثانية حيّي أصدقاءك ووالله إن بكيت مرّة أخرى لن أزورك ؟ واتممها بالكردية قائلا ( ji bîr neke mèr bin ) بالله عليكم اما نال من عندي أو ألا يستاهل مني أكبر الأوسمة … أبي : لا ادري كم يوم او ساعة قد مضت على رحيلك ، وإن كما ساعة بيغبن احفظها ، وعلى الرغم من كلّ شيء .. كما كانت أقوالك أحيانا كثيرة ما بين الجد والمزح وحتّى السخرية : أنتم المتعلمون والمثقفون كيت وكيت ! نعم أبي ! في النضال القومي وقضية شعبي ! لازلت من إرثك انهل ومن تاريخك وصفحات نضالك ورفاقك أتعلّم الكثير ، وسأظل أصرخ وانا الجد الآن ، لابل وأفتخر نعم أنت كنت وستظل لي الأنموذج الذي عليّ أن أكونه .. كرديّا ..