الحروب يجب ان تنتهي بوجود طرف منتصر وطرف مهزوم ، حتى وان إنتهت الحرب الى الصلح او الهدنة ، فإن هناك طرف مهزوم تظهر حقائق هزيمته فيما بعد ، ومن علامات الهزيمة هو لجوء المهزوم الى تقليد المنتصر ، وكذلك من علامات المهزوم هو تغلغل ثقافة وعادات وفلسفة المنتصر في حياة الطرف المهزوم . وهذا يعني لو اننا تمعنا قليلا في بعض من الحروب التأريخية والحديثة لخرجنا بنفس النتيجة ، وكما يقول المفكرون والفلاسفة ( المغلوب يتعلم من الغالب ) والحقيقة ان المغلوب يفعل ذلك مجبراً وليس اختياراً . من الامثلة المعروفة عندنا في التأريخ القديم والحديث ، الرئيس التركي الراحل كمال اتاتورك ارتدى ربطة العنق وقلد الانكليز في ملبسه بعد هزيمة الدولة العثمانية امام الانكليز ، وهو اول من رفع شعار العلمانية على اطلال الدولة العثمانية الدينية المنهارة ،،، صدام حسين رغم انتصاره عسكرياً والصلح مع ايران وتصريح الخميني علناً انه تجرع السم بوقفه للحرب الا ان صدام حسين قام بعد الحرب بوضع شعار الله اكبر على العلم العراقي وادخل الحملة الايمانية كقانون للدولة رغم ان حكومة حزب البعث كانت حكومة علمانية ، في اعتراف واضح لهزيمته امام الخميني ، بذلك قد اعترف بهزيمته وحتى معظم افراد الشعب العراقي تقبل الثقافة الإيرانية وعمل بها ، وهذا الحجاب النسائي المتداول حالياً في العراق وفي الدول الاسلامية لم يكن له وجود قبل مجيء الخميني للحكم ، فقط كانت العباءة والنقاب هو الزي النسائي الاختياري عند نسبة ضئيلة من النساء ، وهاهو الشارع العراقي يقلد الخط الخميني والفكر الخميني في كل شيء . داعش انهزم شر هزيمة امام قوى الخير الدولية ، ولكن اليوم ثقافة داعش تتغلغل هي الاخرى الى داخل المجتمعات الاسلامية بقوة ، وهناك مئات الالاف من الوعاظ منتشرون في الارض حتى في داخل الدول الغربية وامريكا وكندا ، هم عبارة عن دواعش غير مسلحين ولكن رسالتهم الداعشية ابلغ واقوى تأثيراً من الدواعش المسلحين وثقافة الدواعش تنتشر بسرعة داخل المجتمعات الاسلامية وعندما اقول ثقافة داعش اقصد ثقافة الشر والكراهية ثقافة العنف المنتشرة بقوة ، وهذا يعني لم يهزم الفكر الداعشي بل انهزم الدواعش هزيمة نهائية .. الاخوان المسلمون في مصر انتصروا على العلمانية وثقافة الانفتاح في مصر وتسلموا السلطة ولكن رغم انتصارهم ظلت ثقافة النخب الاخوانية علمانية الاصل فظهرت هزيمتهم بسهولة امام اصرار المثقفين المصريين في ازاحتهم عن سدة الحكم ومحاكمتهم كالخراف رغم قوتهم وكثرتهم ،،، وهذا يعني نتائج النصر الحقيقية قد تكون مخفية في بادىء الامر الا إنها تكون جلية بعد حين . وبمعنى ادق ليست هناك حروب تنتهي بالتعادل او الصلح ، فالدماء التي تهدر في ساحات القتال تكون حاضرة بعد وقف اطلاق النار ، فأن لم تنتهي عسكرياً بهزيمة احد الطرفين ستنتهي سياسياً او ايدلوجياً بهزيمة احد الطرفين . كثير من الأحيان نتابع صراع مصيري بين نوعين من الكائنات الحيوانية من خلال بعض الفديوات ونلاحظ مقتل احد الطرفين المتصارعين وفي المقابل نرى مصرع الطرف الاخر بعد فترة وجيزة بسبب دخول كميات من السم في جسده من الطرف المهزوم الهالك نتيجة الاقتتال ، وهذه الحالة تتجسد في كثير من صراعات بني البشر التي تؤدي الى ضمور دول وحضارات وموتها وبعدها بفترات زمنية تنقرض الدول المنتصرة هي الاخرى بعد فقدانها القدرة على البقاء ، ولم نرى او نسمع في التأريخ ان الطرفين المتقاتلين احتفظوا بكامل قوتهم وشخصيتهم وتركيبتهم بعد انتهاء الصراع الدموي . لابد من زوال احدهما ولو بعد حين ، ولابد من بروز ثقافة اجتماعية جديدة بعد الحرب تمثل في غالبيتها ثقافة الطرف المنتصر . . عالم الصراعات والحروب تحدث في غياب العقل وتحدث في غياب قوى الخير ، والحروب هي الوجه القذر البشع للإنسان على الارض ، الناس الذين يعيشون ظروف الحروب يشعرون برخص قيمتهم كبشر ، يشعرون إنهم مجرد وقود للنار ، لذلك تصبح عندهم القيم الاخلاقية والشرف والعفة غير ذات قيمة بسبب الجوع والكوارث والامراض والفوضى التي تصاحب تلك الحروب .. كل هذه الامور المعنوية من شرف واخلاق وسمعة وغيرها تعلو عندما يعلو قيمة الإنسان ، وفي الحروب لا قيمة للإنسان ، القيمة تصبح للأرض او للمبادىء او للقيادات والرموز فقط .
المجتمعات الخارجة من الحروب هي الخاسر الوحيد بفقدان الاحبة من هذه الحروب ، وتبقى افراد تلك المجتمعات تعاني لسنين طويلة من تبعات الحروب ، وهذا مالم يشعر به القادة الذين يؤججون تلك الحروب ، ماذا كسبت شعوب الشرق الاوسط من الحروب وتطبيق الاسلام السياسي والفتوحات كما يسمونه وتحرير القدس وغيرها من هذه المفردات التي تحمل عبير الدم ورائحة الموت وضياع الاطفال والنساء ؟ هل كل ذلك لأجل ارضاء الرب ؟ القاتل يفعل ذلك لأجل إرضاء الرب ، والمقتول يتقبل القتل لأجل الرب ، اي رب هذا الذي لا يرضى الا بالدم والكوارث ؟ لا الهزيمة ولا النصر تعيد للناس كرامتهم وتعيد لهم ما خسروه ، ان الشيء الوحيد الذي يعيد للناس ما خسروه هو ان يخرج اصحاب الافكار الشمولية والحزبية والدينية من حياة الناس ثم يتركوا المجتمع يعيش بلا فوضى وبلا مبادىء العنف والقتال ، ويتركوا الرب سبباً للمحبة لا سبباً للقتل . كلهم جربوا الحروب وكلهم خرجوا بنفس النتائج ولكنهم لا يتعظون ، القادة لا يتعظون لأنهم وعوائلهم في مأمن من لهيب الحروب ، فمهما استعرت نار الحروب ستكون ذات مكاسب عظيمة لبعض الاشخاص والخاسر الوحيد هو المواطن الغافل الجاهل الذي لديه حنجرة تصدح لصالح الحاكم ولا تصدح لصالح نفسه ولا لصالح عائلته !
عاشت حياتك على هذا الكلام الاكاديمي الرفيع
تسلم أخي الرائع ( خدر ) ، تحياتي