ماذا يعني بقاء السلطة بيد الفاشلين :- قلم ( كامل سلمان )

كنت دائماً أتساءل بعد غزو الكويت والدمار الذي حلّ بالعراق وتحطمت البنى التحتية وتراجعت بنا الحياة الف عام الى الوراء . أتساءل لماذا لم يتنحى صدام حسين وحزبه من الحكم ، فقد فشلا فشلاً ذريعاً وسببا دمار العراق ومئات الالوف من الضحايا و المعاقبين وملايين اليتامى والارامل والكساد الاقتصادي والفقر وانتشار الفساد الحكومي والمجتمعي ، ماذا ينتظر هذا الرجل من وراء بقاءه في الحكم ؟ هل يأمل ان يعيد الخسائر او يعيد الاموات او يعيد الكرامة العراقية التي سحقت ام يريد البقاء للحفاظ على نفسه وعائلته من العقاب ؟ اكيد لا يوجد مبرر لبقاءه في السلطة الا للحفاظ على نفسه من الانتقام والعقاب . ومن يحاول ان يطالب صدام وحزبه بالتنحي في ذلك الوقت فأنه خائن وعميل ومن هذه المفردات العفنة التي اعتادوا ان يطلقونها على من يخالفهم الرأي …. ولكن عندما حان الوقت لينال جزاءه شعر صدام حسين ورجالاته بأن العدالة فيها راحة للبال وراحة للضمير فتقبلوا الحكم الصادر ضدهم بكل سرور لكي يتخلصوا من عذابات الضمير بما فعلوا بالابرياء من اهل العراق من عربهم وكوردهم ومسيحييهم وغيرهم ( عندما اقول تقبلوا القصاص ليس تخيلاً مني بل بالدليل ) .. الفشل الذي يسبب الضرر لأي إنسان بشكل شخصي لا بأس ان يحاول صاحب الفشل الف مرة لأجل النجاح سواء أكان في الحكم او اي مجال أخر شرط ان لا تنتقل المضرة الى غيره ولكن الفشل الذي يسبب ضرر للمجتمع لا يحق لصاحبها ان يحاول التكرار ولو مرة واحدة لأجل النجاح او لعله ينجح وكل ماعليه فعله بعد الفشل ان يركن جانباً ويدفع فاتورة الخسائر التي سببها فشله للناس ، هذا هو المبدأ الذي يجب ان يعمل به القادة والمسؤولون الوطنيون الشرفاء ، فليس من الوطنية التمسك بالسلطة عنوة بعد فشل يتبعه فشل ، وكان ظننا بأن صدام حسين سيكون آخر قائد عراقي يفشل ويتمسك بفشله حتى الموت وان من سيأتي بعد صدام مهما كان هذا القائد سوف يقتل نفسه او ينزوي في حالة فشله ، لكن ما نراه بعد عشرين سنة من سقوط حكومة حزب البعث ان الذين ورثوا الحكم كلهم لا يستحون وقد يكون صدام افضلهم طريقة ، لأن صدام بعد كل فشل كان يعطي للناس فسحة من الحرية ويتملق للكورد ويتملق للشيعة ويبدي نوع من المرونة مع حاجات الناس ، اما ما نراه اليوم مع كل فشل حكومي هناك زيادة في السرقات وبشكل علني وزيادة بالمضايقات ضد عموم الناس وزيادة بالغدر ضد الكورد ، وكأن الفشل محفز للانتقام ، لا أدري بأي سائل نجس غسلوا وجوههم هؤلاء القوم ؟ يتحدثون بالديمقراطية وكل قراراتهم وسلوكياتهم عكس الديمقراطية ، يستغفلون الناس وهم مغفلون ، يزعمون انهم اسلاميون وخلال عشرين عاماً لم يستطيعوا بل عجزوا عن تطبيق حكم واحد من احكام الاسلام كما يدعون وعجزوا عن تطبيق حكم الشعب لأنهم متناقضون ، من فشل الى فشل ، افضل انجاز حققوه هو انهم استطاعوا ان يبدلوا اسماء احزابهم مرات عديدة ، تشظت و افرخت احزابهم احزاب وتيارات اصغر وكل سنة يزداد عدد الفروخ من هذه الاحزاب حتى نصل اليوم الذي يكون فيه عدد الاحزاب والتيارات بعدد افرادهم . يظنون ان العناد لأجل البقاء في السلطة طريقة صحيحة وينسون دوائر الدنيا .
لم أعد أسأل نفسي ذلك السؤال القديم ( ماذا يعني بقاء الفاشل في الحكم ) لأن الاسباب تتغير مع الزمن ، فبالامس كانوا يتمسكون في الحكم مخافة على انفسهم وعوائلهم من الحساب والعقاب اما اليوم فالعذر اقبح وهو ضمان مصاريف ومعيشة عشرة اجيال من احفادهم . ولا أقصد جميعهم بنفس العذر لأن فيهم من يعمل لمصلحة جهات خارجية فلا يستطيع التنحي بعد الفشل فالسيوف مسلطة على رقبته ومنهم من استطاع ان يجد في الشريعة تبويب يسمح له البقاء في الحكم بعد الفشل ليقيم الصلاة وينهى عن الفحشاء والمنكر و يزكي الممتلكات المغتصبة ويقوم بأعمار مساجد الله بالاموال التي استحوذ عليها بغير حق .
لو كان يعلم اصحاب الاحزاب الدينية الذين تسلموا زمام الامور بعد ٢٠٠٣ م ان الفشل سيكون مصيرهم بهذا الشكل وان الفشل سيخزيهم بعد ذلك ما كانوا لينخرطوا في تلك الاحزاب من اول يوم عرفوا فيها احزابهم ، لأنهم بشر كباقي البشر يتمنون لأنفسهم ولأهليهم وللمجتمع الخير ولكنهم كانوا في غفلة من انفسهم فأختاروا لأنفسهم شراً ولأهليهم وللمجتمع كل سوء ، فهم ينطبق عليهم المثل العراقي
( بلاع الموس ) فياليتهم يتعظون ويعيدوا حساباتهم ويفهموا ان الفشل عار ان الفشل عار عندما يتمسك به صاحبه . سيلاحقهم هذا العار ويلاحق كل من اغتصب المسؤولية بدون حق ، يجب عليهم بكل شجاعة ان يتخلون عن سلوكهم ولا يتشبهوا بمن سبقهم . قد يكون صدام ناجحاً لمدة عشرين عاماً ثم بان عليه الفشل ولكن من جاء بعده فاشل منذ اليوم الاول وليس فيه امل للنجاح .
هل هذا قدرنا ان تبقى عقولنا واقلامنا وثقافتنا واحاديثنا مشغولة فقط بالحاكم وبالسلطة وتدور كلها حول افعالهم المشينة وننسى بناء بلدنا ومجتمعنا وتطوير وتوسيع تطلعاتنا الثقافية والاكثر من ذلك و مما يؤلم حقاً هم فاشلون ويمنعون المجتمع من النجاح ويطاردون الناس في شؤونهم الخاصة ، فهنا اصبحت مضرتهم مزدوجة يتركون جرحاً في المجتمع لا يندمل بحيث يصبح رحيلهم أسوأ من بقاءهم فنتحسر على رحيلهم كما نتألم من بقاءهم وهذا هو المضحك المبكي في عالمنا الغريب .