ما المقصود بمشكلتنا في أنفسنا ؟ مشكلتنا هو أننا نقوم بتقييم الامور وتقييم الاشخاص والاحداث في التأريخ بناءاً على ما قام به من سبقنا بالتقييم ، اي ما قاله الراوي هو الصحيح ، طالما ان الرواية تنسجم مع الأفكار والمعتقدات السائدة حتى وان كان الراوي كاذباً او بعيداً عن الحادث الذي حدث او بعيداً عن الشخصية المذكورة في روايته مسافة ألف عام ، سنصدقه ونصدق مايقول وما قال وما رواه ، يعني دورنا ان نتأثر سلباً او إيجاباً بما قاله غيرنا عن الاحداث التي لم نراها وعن الاشخاص الذين لم نعرفهم ، ونعتبر مقياسهم وتقييمهم قطعي ثم نرفض اي تقييم تحليلي علمي مخالف لما وردنا عن الرواة او رأي أخر تم العثور عليه في بطون الكتب ، عقولنا استقرت عند هذا الحد ، ولم يكن لنا اي دور في التقييم والتشخيص ، وكل دورنا هو نقل المعلومة من واحد الى الثاني اي المعلومة التي كتبها او سردها غيرنا ولم نعرف دواعي تقييمه للحدث او تقييمه للأشخاص في ظاهرة اقل ما أستطيع تسميتها بالغباء والتخلف والإصرار عند هذا المستوى من التفكير .
نعم أريد ان أضع امامي كل المعلومات المتوفرة عن اية شخصية تأريخية او حديثة بشكل صادق وانا اقوم بتقييمه بما يتناسب وعقلي لأنني انا سأقرر قيمة هذا الشخص وتأثيره بالنسبة لي ومدى التفافي حوله او تقديسه او احتقاره . واذا لم تتوفر المعلومة الصريحة الصادقة بشكل واضح عن الشخص او الحدث وكل المعلومات مجرد تلفيق بدون دليل فلا تقييم ولا قيمة للأحداث التأريخية ولا للأشخاص عندي ، فأنا لست ببغاء أقلد غيري ولست اعمى لكي اسير بطريق اختاره غيري لنفسه ، أليس هذا الذي يجب ان يكون ؟ أوليس هذا هو المنطق ؟ . فمن هو غاندي مثلاً ؟ اعطني ماقدمه وما ورد عنه لكي اتعرف عليه ثم اقيمه . لا تقل عنه انه عظيم ، وتملي في عقلي هذا الرأي ، قد يكون هذا تقييمك مبالغ فيه وقد يكون عظيم بالنسبة لك .
للأسف هكذا هو تأريخنا وهذا هو مجتمعنا غير مسموح لنا التقييم ولكن مسموح لنا السير مع الموجة بشكل اعمى دون اي رأي او نقد او تصور . بعض الشخصيات التأريخية أجد عليهم هالة من المديح والتعظيم ولكن عند الاطلاع على سيرتهم لا أجد ما يستحقون ولم أجد لهم عطاءاً بمستوى ما سمعنا عنهم ، ياترى من كانت له المصلحة في هذا التقييم ؟ دعونا ايها الناس نربي أنفسنا ونربي أبناءنا على الطريقة الصحيحة ونترك أبناءنا يقيمون الامور بما تفرزه عقولهم امام الحقائق وليس امام المنقول ، ولكن قبل ذلك علينا ان نحيي فيهم الحيادية والدقة في التفكير والتقييم لا ان نجعلهم ببغاوات بالاكراه يقدسون أفكارنا و اراءنا ، لا ان نحرمهم من نعمة العقل كما حرمنا أنفسنا وكما حرم آباءنا أنفسهم من استقلالية التفكير ، ، متى ما أصبحت لدينا هذه الملكة ، ملكة التريث في التأثر بأراء غيرنا دون تقييمنا لها نكون قد انتقلنا الى عالم المعرفة الحقيقية التي نفتقدها بشكل واضح والسبب وراء كل ذلك الانقياد الاعمى لما قام غيرنا به في تقييم الامور . انا لا أحتاج الى مختبرات علمية لكي افهم من هو نيوتن . بمجرد ان اعرف ان قانون الجاذبية التي غيرت مجرى التأريخ وضعها شخص اسمه نيوتن استطيع ان اعرف ان نيوتن شخص عظيم ، اما ان يأتي شخص ليمجد شخص آخر في التأريخ قتل عدداً من الناس ليضعه في خانة العظماء ثم اقوم انا بترديد هذا الكلام فهذا احتقار لنفسي ولعقلي ولأبنائي من بعدي . جميع احداثنا التأريخية والحالية وجميع شخصياتنا التأريخية والحالية الذين نتقاتل من اجلهم انما بسبب تقييم غيرنا لهم ولم يكن لنا دور سوى ان نحبهم او نبغضهم ونتقاتل من اجلهم وحقيقتهم بناءاً على المعلومات المتوفرة عنهم ليست لها قيمة تذكر وقد لا يستحقون حتى الذكر او حتى دراسة حياتهم . هذه هي لب مشاكلنا المتوارثة والتخلص منها هي مشكلة اكبر ، فلا تظنوا بأن تغيير هذا النمط من السلوك العقلي الذي استمر لألاف السنين سيكون سهلاً بمجرد مقال صغير يطرح هنا وهناك ، فهذا النمط السلوكي العقلي أصبحت جينات متجذرة في نفوسنا وعملية أستئصالها أصعب من إزهاق أرواحنا . فهل يعقل ان شخصاً ما قام بسرد حدث تأريخي بشكل متطرف يتلاعب بمصيري انا الذي لم أكن حاضراً في ذلك الحدث وليس لي ادنى مصلحة بذلك الحدث ؟ فهل تعتقدون انا إنسان طبيعي في المقاييس العقلية عندما اتفاعل مع ذلك التقييم والأكثر من ذلك يكون لي موقف متطرف وحاد قد يصل الى العنف مع من يختلف عني من الناس .
عندما اقول ان مشكلتنا في انفسنا فأنا لا أجني على انفسنا فهذا هو ثمن سوء بناءنا الاجتماعي وهذا هو السر الأعمق لجميع همومنا ومشاكلنا ونحن ضحية هذه الثقافة التي تسلطت على ادمغتنا ، شعارنا الموروث لا تناقش فأنت لست أفضل من غيرك في التقييم ، فإذا رأيت احداً من عشيرتك يتقاتل فلا تبحثن عن السبب وكل ماعليك فعله هو ان تقاتل الى جانب ابن عمك ، وإذا رأيت احداً من مذهبك ودينك يتقاتل مع المذهب الاخر فلا تسألن عن السبب بل عليك ان تدخل بقوة الى ساحة المعركة لنصرة مذهبك ودينك ، فأنت موجود بوجود هذه العقلية وهذا الاندفاع . وانت متخاذل مرتد جبان إذا انتابتك نوبات من التردد والخوف . كل شيء ورثناه هذا هو حجمه الحقيقي ، وهذه عورة يجب تغطيتها مثلما نحن حريصون على تغطية عورات أجسادنا . فأنا عندما بدأت أعطي تقييمي الخاص لبعض الشخصيات التأريخية بناءاً على ما قرأته عنهم من نفس كتبهم قامت عليّ الدنيا ونسبوا لي كل الفواحش والموبقات حتى ان بعضهم أخذ يستعطفني بسبب ما أصاب عقلي من خلل عندما تحررت من أراء الأخرين ، ولم يكن لهم تأثير لأنني ببساطة أصبحت أرى الحقائق وكان في ذلك لذة ذهنية ومتعة للعقل خاصة عندما أصبحت المقدسات الفارغة تتساقط تباعاً امام تفكيري الحر ، فعرفت في نهاية المطاف انه أنا الإنسان هو المقدس الأول في هذا الكون وان الثقافة الحقيقية ان تنظر للأمور بعقلك لا بعقل غيرك .
ان أكبر نقص نعاني منه هو حرية العقل ، اما حرية الملبس وحرية السلوك وحرية الكلمة ليست هي الحرية التي نبحث عنها لأن حرية العقل هي الحلقة المفقودة وهي التي تعطي للحياة طعمها وجمالها . وحرية العقل مالم يصنعها الإنسان لنفسه لا تستطيع اية قوة في الارض ايهابها لك ، فمنى ما أستطعت ان تنظر للأمور بقوة عقلك تكون قد أمتلكت نفسك وامتلكت الدنيا من حولك . هذه هي مشكلتنا التي نحن عنها غافلون وللأسف لا نسعف أنفسنا للتخلص منها .
السيد كامل سلمان المحترم
تحية
للاطلاع
“مشكلتنا في أنفسنا “. ثمة مَثل شعبي بالكردية مفاده: الشجرة الفاسدة ديدانها منها وفيها (داري كَه نده ل كرمي له خؤيه)
محمد توقيق علي
السيد محمد توفيق ، شكراً لما تفضلت به ، الامثلة الكوردية عميقة المعنى ، تحياتي
هذه هي المره الثانيه من قراءتي للمقال وذلك من شده الاضاءه الفكريه والتنويريه في مضمونها.. الحقيقه استاذ كامل اللذين لهم هذا الفكر العظيم قليلون لا يتجاوزون عشره في الماءه ولقلتهم لا يستطيعون الإدلاء باراءهم علنا للناس والا يعتبرونهم ملحدين كفره خارجين عن اطاعه المنقول عن الاجداد ويصبحوا منبوذين في المجتمع وحتى من اقاربهم والاكثر من هذا قد لا يقاربهم احد من ناحيه الأخذ أو العطاء كمساله زواج.. ودمتم بخير استاذ الفكر الصالح..
استاذ خدر كلك ذوق وثقافة و وعي ، تنتقد بالوقت المناسب وتقييم بالوقت المناسب ولا أجدك تجامل احداً ، الحقيقة انت النموذج النادر وانت من نحتاج رأيه في كل موضوع ، تحياتي ومحبتي